السوريون في فيينا يحيون ذكرى سقوط الأسد وسط تباين الرؤى مع احتفالات متعددة الاتجاهات
مقال رأي لـ أحمد مراد
بعد عام على سقوط الأسد، لا يزال السوريون يلملمون جراح أربعة عشر عاماً من الثورة على نظام ارتكب انتهاكات بحقهم وبحق أرضهم وتاريخهم. عام مضى وسوريا، بمنظومتها الجديدة، تعمل على إعادة بناء ما تهدّم، وتسعى إلى إعادة صياغة الدولة ضمن منظومة من التفاهمات الإقليمية والدولية التي تغيب عنها أحياناً التفاهمات الداخلية، مع بروز بعض الصراعات الإثنية. ومع ذلك، يبدي معظم المراقبين قدراً من التفاؤل حيال ما آلت إليه الأمور وحيال طبيعة هذه المرحلة الانتقالية.

اعلامي عربي
مقيم في فيينا
وخلال هذا العام، يحاول السوريون البحث عن هويتهم الجديدة: هل هي هوية أموية أم سورية أم إسلامية ولكن لا ديمقراطية ولا علمانية، أم أن هناك توصيفاً حضارياً آخر يمكن أن يعبّر عن الشعب الذي عاش تحولات عميقة خلال السنوات الماضية؟
وفي ليلة سقوط الأسد، عاش السوريون في النمسا حالة من النشوة والأمل بوطن جديد يقدّرهم ويمنحهم الاحترام، لكن كلٌّ بطريقته؛ فكما يقال: “كل حزب بما لديهم فرحون”. وبدأت موجة سباق لتأسيس الجمعيات، إلى جانب تنافس على تحقيق المشاهدات والإعجابات عبر منصات التواصل الاجتماعي، بين Facebook تارة وTiktok تارة أخرى.
وبعد عام على تلك الليلة، تحتفي فيينا مطلع ديسمبر 2025 بذكرى سقوط الأسد، أو كما يسميها الكثير “ذكرى انتصار الثورة السورية”. ويمكن ملاحظة مشاهد متعددة في الاحتفالات: فهناك من يحيي المناسبة بطابع إسلامي، وآخرون يحتفلون بطابع عشائري، بينما يسعى آخرون لمنح المناسبة صبغة علمانية. وفي المقابل، تغيب مجموعات من عدة إثنيات لأسباب مختلفة، منها أنهم لا يرون أنفسهم ضمن المنتصرين، أو ربما لعدم حصولهم على نصيب كافٍ من السلطة الانتقالية.
وهنا يُطرح السؤال: أليس السوريون أنفسهم هم من انتفضوا ضد الأسد لإسقاطه والمجيء بنظام يعبّر عنهم جميعاً؟ أليسوا هم من قدّموا الضحايا والدماء الزكية، وهُجّروا ودُمّرت منازلهم وهُدرت أرزاقهم من أجل سوريا الأبية؟ فلماذا، بعد هذا الانتصار الثوري، ما زال المشهد يبدو منقسماً ومبعثراً؟ في المقابل، يرى آخرون أن هذا الانقسام طبيعي وصحي، لأن الشعب السوري يعيد إنتاج نفسه وهويته وكيانه وتعبيره ووجوده، وأن توافق الجميع مع الجميع ليس بالأمر السهل، خصوصاً أن سوريا لم تعرف يوماً حياة سياسية حقيقية أو مناخاً للحوار والتفاهم بين مكوّنات أبنائها وحتى في ظل الثورة الأبية.



