وصف المدون

اليوم



"حتى الحيوانات لا يمكنها العيش في هذه الظروف"هكذا يصف اللاجئ السوداني أحمد مصطفى ظروف الحياة التي يعيشها حاليا في ليبيا. في مكبّ للنفايات في حي المصانع بتاجوراء يعيش المهاجر السوداني. سوء الأوضاع المعيشية في المكبّ لم تكن سبب تواصله مع موقعنا مهاجر نيوز، "المكبّ أقل خطورة من الأماكن الأخرى" يقول أحمد. بل طلبا لإغاثة مهاجر إرتيري وصل ليلا إلى المكبّ وهو في حالة صحية ونفسية مقلقة جدا "عندما استيقظت صباحا رأيته نائما في المكبّ، ويداه مبتورتان، كلما أحاول الاقتراب منه لمساعدته يصرخ ويحاول إخفاء يديه".

عدم وجود لغة مشتركة جعلت من الصعب على أحمد معرفة قصته المؤلمة "حاولت تقديم الطعام والشراب له، ولكن تجاوبه معي قليل جدا، أخشى أن يموت بين يداي، عندها من سيكون المسؤول. أخشى أن يتم إتهامي بقتله". وعما إذا كان تواصل مع المنظمات الإغاثية التي تعني بالمهاجرين لنجدته، أجاب "لم أحاول، فتجربتي معهم سيئة. تعاملهم يتسم بالفوضى والعنصرية". حال الشاب الإريتري أعاد أحمد إلى أيام عصيبة، لا تفارق مخيلته، قضاها في سجن يقول إنه يعرف بسجن "طريق المطار" في طرابلس.

"أطمح للعيش في مكان آمن في أي بلد أوروبي"

وصل احمد إلى ليبيا قادما من شمال دارفور عام 2017. البحث عن الأمان في أوروبا دفع أحمد للمخاطرة بحياته، لكن القارب الذي كان يقله مع مجموعة مهاجرين آخرين غرق وتوفي كل من كان معه، أحمد هو الوحيد الذي نجا حسبما يقول. أنقذ خفر السواحل الإيطالي المهاجر السوداني وأعاده إلى ليبيا "عندما استيقظت وجدت نفسي في مركز الاحتجاز وهو سجن يتم فيه تعذيب المهاجرين". بمساعدة أصدقائه خرج أحمد من السجن "الصدمة النفسية التي عانيت منها كادت أن تودي بحياتي، ما دفع أصدقائي لدفع مبلغ مادي لي لأخرج من السجن" يقول أحمد ويضيف "في السجن أمامك خيارين، إما أن تدفع مبلغا ماديا لإطلاق سراحك أو توافق على العودة طواعية إلى بلدك". عودة أحمد إلى السودان أمر مستحيل "الأوضاع الأمنية سيئة، سأحاول الوصول إلى أوروبا مرة ثانية وثالثة ورابعة".

يبيع أحمد الخردة لكسب قوته اليومي، لكن ذلك لن يكفيه لجمع المبلغ الذي يطلبه المهربون ليصل إلى أوروبا "فمن أجل ذلك علينا أن نوافق على أعمال يطلبونها منا مثل أعمال الزارعة والبناء وأحيانا يتم استغلالنا جنسيا".

قصة أحمد ليست إلا قصة واحدة من بين قصص أخرى كثيرة تجري في مراكز الاحتجاز في ليبيا. لكن تقريرا استقصائيا قام به برنامج بانوراما الذي تبثه القناة الألمانية الأولى (ARD)، أظهر أن الأوضاع في مركز "التجمع والمغادرة" الذي يموله الاتحاد الأوروبي وتديره مفوضية اللاجئين في ليبيا ليست أفضل.. تشارلي ياكسلي المتحدث باسم مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في ليبيا أكد ذلك لـ (ARD) "لم نعد قادرين على ضمان الحد الأدنى من المعايير الأمنية للاجئين".

اتفاق للحد من وصول المهاجرين إلى أوروبا

تم افتتاح هذا المخيم في شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2018 في طرابلس. وهو جزء من اتفاقية بين الاتحاد الأووربي وليبيا. وتهدف الاتفاقية إلى توزيع اللاجئين القادمين من ليبيا إلى أوروبا بطريقة منتظمة أو إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية. من المفترض أن يكون هذا المركز، بديلا لمراكز الاحتجاز الليبية، لكن التقرير الاستقصائي أثبت أن المهاجرين هناك يتعرضون للتعذيب أيضا.

ليس ذلك فحسب، بل إن الكثير من اللاجئين أفادوا بأن الأمراض في هذا المخيم منتشرة بكثرة والرعاية الطبية معدومة. فريق التحقيق الاستقصائي حصل على فيديوهات من اللاجئين تظهر الأوضاع غير الإنسانية التي يعيشها المهاجرون هناك.

"في حال تم تقديم الطعام، يحصل تدافع شديد بين المهاجرين. ومن يتأخر عن الحضور لا يحصل على طعام. الكثيرون يعانون من مشاكل في المعدة لعدم تناولهم الطعام لفترات طويلة" يقول مهاجر سوداني يعيش في المخيم رفض ذكره اسمه خوفا من التعذيب. المهاجر أشار إلى أن مجرمين يأتون إلى المركز "لتجنيد المهاجرين ودفعهم للعمل في الدعارة وبيع المخدرات".

الفوضى ونقص الطعام في مركز "التجمع والمغادرة" التابع للاتحاد الأوروبي، يرجعها تشارلي ياكسلي المتحدث باسم المفوضية إلى الاكتظاظ الكثيف للمهاجرين فيه. إذ سمح هذه المخيم قبول جميع المهاجرين المعتقلين في مركز احتجاز ليبي في تاجوراء تم قصفه في يونيو/حزيران 2019، فضلا عن نقل مهاجرين من مخيمات أخرى بسبب تزايد انتشار الجوع فيها.

وللحد من تفاقم الوضع في مركز "التجمع والمغادرة" تسعى مفوضية اللاجئين التي تدير هذا المخيم إلى توزيع المهاجرين، عبر ما يسمى "حزمة المساعدات" وهو عبارة عن مبلغ مادي يتم منحه لمن يغادر المركز.
مركز إيواء المهاجرين في الزنتان ليبيا .2019

بحسب الكثير من المراقبين، فإن "حزمة المساعدات" لن تكون الحل لتخفيف الاكتظاظ في المخيم وتحسين أوضاع المهاجرين فيه، فالحرب لازالت مستمرة في ليبيا. وأي مهاجر يمكن أن يواجه خطر الاحتجاز والتعذيب "في أي لحظة يمكن أن يتم إلقاء القبض عليه فيها، وهذا أسوء ما يمكن أن يحدث لي، إذ سيقومون بتعذيبي" يقول أحد المهاجرين في مركز "التجمع والمغادرة". بحسسب تشارلي ياكسلي، فإن حزمة المساعدات هي الحل الوحيد لتخفيف الضغط عن المركز المكتظ؛ لكن دون جدوى.

حتى الآن أرسل الاتحاد الأوروبي أكثر من 320 مليون يورو إلى ليبيا لمنع وصول المهاجرين إلى أوروبا. ووفقا للمراقبين فإن الاتحاد الأوروبي يعول على التعاون مع نظام ينتهك حقوق الإنسان. وبحسب وثيقة سرية صادرة عن مجلس الاتحاد الاوروبي، فإن الحكومة الليبية لم تتخذ "أي خطوة" للحد من عمليات التعذيب في المعسكرات الليبية.

هل زيادة المساعدات المالية هي الحل؟

حول ذلك يختلف الدبلوماسيون. فبالنسبة لجوزيف بوريل الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، والذي يعرف بوزير خارجية الاتحاد الأوروبي، "نحن ندعم جميع منظمات الأمم المتحدة التي تساعد المهاجرين في ليبيا بموارد مالية". أما هايكو ماس وزير الخارجية الألماني، فيقول "يبدو أن الأموال التي يتم تقديمها لرعاية المهاجرين قليلة". اختلاف آراء الدبلوماسيين حول الموارد المالية، قابله إجماع على أن الأمر الحاسم هو عودة الاستقرار إلى ليبيا. و"عملية برلين" التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر برلين الأسبوع الماضي هي الخطوة الأولى لتحقيق ذلك.

منظمات المجتمع المدني، مثل العفو الدولية ودياكوني، تطالب بدورها، بإنهاء التعاون مع قوات خفر السواحل الليبي. مشيرة إلى أن هذه القوات تعيد المهاجرين إلى مراكز الاحتجاز، ما يعرضهم للتعذيب كحال اللاجئ السوداني أحمد مصطفى. وتدعو منظمات المجتمع المدني الاتحاد الاوروبي إلى القيام بعمليات إنقاذ المهاجرين من البحر، لكن إنهاء التعاون مع خفر السواحل الليبي أمر مستبعد لأن "تدريب خفر السواحل الليبي يصب في مصلحة الجميع". حسبما أكدت متحدثة باسم الوزارة الخارجية الألمانية.

بحسب السياسسين الأوروبيين، فإن انتهاء الحرب في ليبيا من شأنه تحسين أوضاع المهاجرين. لكن إلى أن يتم تحقيق ذلك من يخفف شدة المعاناة التي يعيشها أحمد وغيره من المهاجرين الباحثين عن الأمان في أوروبا؟



مهاجرنيوز
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

شكراً لك على مشاركة رأيك.. لنكتمل بالمعرفة

Back to top button