وصف المدون

اليوم


ادعى رامي مخلوف، ابن خال وشريك بشار الأسد في تهديم الدولة السورية، أنه بقيَ في سوريا ولم يهرب مثل كثيرين من رجال الأعمال لأنه مخلص لرئيسه وللبلد. فالسؤال لماذا أهدَر 30 مليون يورو في النمسا لكي يحصل على جنسيتها في 2009، ولماذا تراكض على جنسية قبرص في 2010؟

نشرت منظمة مشروع توثيق الفساد والجريمة المنظمة Organized Crime and Corruption Reporting Project OCCRP وهي منظمة غير حكومية ناشطة في مجال كشف الجريمة المنظمة والفساد، تقريرا مفصلا حول محاولة رامي مخلوف الحصول على الجنسية النمساوية في 2009، ضمن ملف واسع حول ما يُطلق عليه “الفيزا الذهبية”، وهي برامج لأشكال الفيزا التي يمكن تقديمها لشركات أو أشخاص يقدِمون إلى البلد المعني مع كمية كبيرة من الاستثمارات، ويقول التقرير أن هذه البرامج موجودة قانونيا في 20 دولة حول العالم، من ضمنهم النمسا.

قامت المنظمة بالتعاون مع منصة أدندوم Addendum النمساوية بتتبع تنفيذ برنامج الفيزا الذهبية في النمسا، ومن أهم القضايا التي تم تتبعها كانت محاولة رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، نيل الجنسية النمساوية التي بدأت بتقديمه طلب الجنسية في عام 2009. وهذه هي خلاصة التقرير:

تقديم الطلب

يتيح القانون النمساوي للحكومة منح الأجنبي الجنسية النمساوية في حالات استثنائية عندما يقدم الأجنبي إنجازات مميزة ومفيدة للنمسا. وتشكل رسائل التوصية من شخصيات سياسية معتبرة عامل إيجابي مهم في نيل الجنسية.

قدم رامي مخلوف طلب الجنسية في 2009 في المكتب المختص التابع لمدينة فيينا، ودعمه برسالة توصية مهمة مستخدما علاقاته الجيدة مع عدة شخصيات مهمة في النمسا. الرسالة كانت موقعة من قبل كارل بلخا، وزير داخلية سابق من الحزب الاشتراكي الديمقراطي النمساوي SPÖ ، والثانية موقَّعة من قبل كورت هايندل متحدث رسمي سابق باسم الحزب الاشتراكي الديمقراطي في البرلمان.

في عام 2009 كان كارل بلخا يشغل منصب رئيس وكورت هايندل رئيس تنفيذي لجمعية التعاون العربي النمساوي، وقد كتبا رسالة التوصية التالية: “لقد قابلنا السيد مخلوف عدة مرات، وقد حدث أن عرفنا وقدرّناه كشريك موثوق ومستقيم. برأينا إن منح السيد مخلوف الجنسية النمساوية سيكون ضمن اهتمامات النمسا الاقتصادية والسياسية“.

هذه الرسالة المكتوبة في 6 آب/أغسطس 2009، أي بعد أكثر من عام من فرض العقوبات الأمريكية على رامي مخلوف، لم تشرّ بأي شكل لتلك العقوبات. وحسب قول المتكلم باسم الجمعية فإن العقوبات الأمريكية لم تكن مهمة في أوروبا لأنها كانت مفروضة لأسباب سياسية.

معالجة طلب الجنسية

المكتب المسؤول عن طلبات الجنسية في حكومة مقاطعة فيينا، ووفق الإجراءات التقليدية، أرسل يسأل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وحماية المستهلك النمساوية. وقد حصل التقرير على معلومات حول أن الوزارة ناقشت داخليا ما نشرته وسائل الإعلام الألمانية حول استفادة رامي مخلوف من قرابته ببشار الأسد ليصبح أغنى رجال الأعمال السوريين. وكان هذا إشارة لمقال نشرته جريدة فيلد الألمانية أونلاين في 9 آب/أغسطس تحت عنوان “اوليغارشية من الشرق“، وأضافت محاضر النقاش الداخلية في الوزارة أن مخلوف مُعاقب من قبل صندوق الخزانة الأمريكية، وبالتالي فإن الشركات الأمريكية ممنوعة من التعامل معه.

لكن الرسالة الرسمية التي أرسلتها الوزارة لم تتضمن أيا مما سبق، بل أرسلت في شهر تشرين أول/أكتوبر 2009 رسالة رسمية خلاصتها تقول: “إن استثمارات السيد مخلوف البالغة حوالي 20 مليون يورو، والاستثمارات المزمعة بقيمة 10 ملايين يورو في النمسا سيكون لها أثر إيجابي على سوق العمل النمساوي لأنها ستخلق وظائف ل100 شخص. لذلك فالوزارة ترى أن منحه الجنسية من وجهة نظر سوق العمل له ميزة إيجابية في النمسا“.

وكان مخلوف قد ادعى أن شركة ميدوكس-إموبيلين Medox-Immobilien GmbH والتي كان مقرها في دبي، هي ملكه وهي من تستثمر في النمسا باسمه، فهي شركة أيضا مسجلة نظاميا في النمسا. يشير التقرير إلى أن الشركة نفسها نفت أي علاقة لها بمخلوف، لكن هذا الجواب أتى بعد 9 سنوات من تقديم طلب الجنسية. بكل الأحوال مقال جريدة فيلد الألمانية المشار إليه سابقا يذكر أن مخلوف كان يعمل دائما من خلف رجال أعمال وسطاء لتجنب العقوبات الاقتصادية (رجال القش)، وقد ذكر المقال اسم نادر قلعي كأحد أهم مساعدي مخلوف، والذي كان واجهة لكثير من أعماله من ضمنها شركة ميدوكس-إموبيلين في دبي؛ بالإضافة لمحمد مكي في النمسا.

حاول المكتب المختص بشؤون الجنسية والإقامة استشارة وزارة الخارجية النمساوية، لأنه على ما يبدو أن حكومة فيينا كانت مترددة في قرار الجنسية وتريد مشاركة مسؤولية القرار مع الحكومة المركزية. لكن محامي مخلوف اعترض على هذه الاستشارة، لأنها غير مدرجة ضمن قوانين منح الجنسية.

في شهر أيار/مايو 2012 نشرت مجلة بروفايل النمساوية أن طلب رامي مخلوف للحصول على الجنسية النمساوية، الذي قدمه في السنة السابقة 2011، قد تم رفضه. فعلى ما يبدو أنه إما أن طلبه من عام 2009 بقي قيد التداول والدراسة، أو أنه قدم طلبا جديدا في عام 2011، وبكل الأحوال فهو فشل بالحصول على الجنسية النمساوية.

يتابع التقرير إلى أن رامي مخلوف استطاع في 2010 الحصول على جنسية قبرص، لكن انفجار الأوضاع في سوريا في 2011 دفع الحكومة القبرصية لسحب الجنسية منه بعد أقل من عام، وفق جريدة الغارديان.

وفي تحقيق منشور في جريدة دي برسه النمساوية في 29 شباط/فبراير 2012، حاولت الجريدة التأكد من أن بار-مطعم ليتل بودا (ثلاث طوابق بمساحة كلية 900 متر مربع و250 مقعد) في وسط مدينة فيينا، ضمن المدينة القديمة ببناء أثري فاخر، يعود بملكيته لرامي مخلوف؛ حسبما كانت الشائعات بين السوريين منذ افتتاح البار في عام 2008. لكن ما توصلت له الجريدة مع مجلة بروفايل النمساوية هو ان المؤكد شكليا، إن البار ملك لشركة ميدوكس المشار لها سابقا، ويشير التحقيق الى اسم نادر قلعي أيضا.

ويعلم سكان فيينا، ان هذا البار الذي سرت شائعات عن كلفة هائلة في تصميمه وتجهيزه وصلت لعدة ملايين من اليورو، لم يحقق النجاح المتوقع، وحسب عاملين به سابقا كان من الواضح أنه خاسر دائما، وقد تغيرت إدارته مرتين، إلى أن تم إغلاقه.

وفي تحقيق أخر لجريدة فور النمساوية، حول علاقة شركة ميدوكس برامي مخلوف وبشار الاسد وعلاقة نادر قلعي ببنك نمساوي، وردت نفس الشبهات، وقد نشرت الجريدة شكلا تمثيليا لهذه العلاقة بالاضافة لشخص اسمه قسورة عثمان ابن الاقتصادي السوري وليد عثمان في رومانيا.

إذا على ما يبدو فإن رامي مخلوف كان يعدّ العدة بحال الاضطرار لإيجاد ملجأ آمن له، سواء بسبب تخوفه من تخلخل علاقته ببشار الأسد نفسه، أو بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة عليه، وليس أفضل من جنسية أوروبية في الاتحاد الأوروبي. لكن الرياح لم تجرِ بما تمنى مخلوف، فتم رفض منحه الجنسية النمساوية، وتم سحب الجنسية القبرصية منه بعد أقل من سنة بسبب دوره في العنف المفرط الذي استخدمه نظام الأسد ضد السوريين بدءا من 2011.

وبالتالي فتعلقه الآن بكذبة أنه بقي صامدا حبا برئيسه أو الوطن هو مجرد كذب آخر لأنه لا يملك بديلا، حيث لن تستقبله أي دولة حتى مع ملياراته العديدة، وطبعا لن تفعل روسيا وإيران ذلك، فبالنهاية لا يهم دولا ضخمة مثل هذه بضعة مليارات من الدولارات يملكها مخلوف مقابل مصالحها الجيوسياسية وأمنها القومي المرتبط ببشار الأسد في سوريا. الاحتمال الوحيد هو التوصل لمقايضة حول خروج هادئ إلى روسيا أو أي دولة موالية لها مقابل تسليمه جزءا كبيرا من أمواله في الخارج لابن عمته العزيز بشار الأسد.



وكالات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

شكراً لك على مشاركة رأيك.. لنكتمل بالمعرفة

Back to top button