وصف المدون

اليوم

تعيش الحالة السورية حراكا ملفت النظر ، فبعد وصول إدارة بايدن للبيت الأبيض انطلقت جملة من المبادرات الساعية لحل سياسي في سورية .

وعلى عكس مماكان يتوقعه الأسد ، فقد تحولت فرحة الفوز الزائف في الإنتخابات الرئاسية المهزلة ، لكابوس نتيجة الموقف الأوربي والأمريكي الرافض لها وهى الأداة الوحيدة التي تملكها أمريكا في سورية ، وهى إحدى محطات فشل الدبلوماسية الروسية ، التي حاولت جاهدة لإستثمارها سياسيا ، ودفع الدول الغربية للتطبيع مع الأسد .

تدرك روسيا أن التطبيع مع النظام ليس ببعيد ولكنه يحتاج لتقدم ملموس في ملف اللجنة الدستورية ، كمقدمة للدخول في العديد من القضايا المتحكمة بمسار العملية السياسية والتي ستفضي في النهاية لمرحلة إنتقالية لن يكون الأسد أحد أطرافها . ولكن هذا الأمر يرتبط بطبيعة السيناريوهات المنطقية والعقلانية القادرة على تغيير عميق في سلوك النظام والتخلي عن العديد من الضباط والشخصيات الأمنية ، دون إحداث خضات كبرى ، تطيح بالعملية السياسية وتدفع البلاد نحو اتون الحرب الأهلية .

ولهذا السبب يستمر تعنت النظام ومن خلفه إيران وكذلك الروسي لتعطيل عمل اللجنة الدستورية ، وإبقاء الوضع السوري في حالة المراوحة بإنتظار التطبيع العربي القادم مع الأسد ، والذي يستهدف كسر إرادة الشعب في الحرية ، وتعزيز الدور الإيراني الرافض للحل السياسي وهى مقاربة غير أخلاقية .

كذلك تلعب تركيا دورا ملتبسا يستهدف تحقيق مصالحها وإرضاء الشريك الروسي في مواجهة الأمريكي متجاوزة مأساة الشعب السوري ، والتي حولتها لقضية سياسية تخدم مصالحها القومية .

المراوحة في الحالة السورية ، أصبحت مكلفة جدا ، نتيجة تدهور الوضع الإقتصادي والمالي والخدمي على الرغم من محاولة إنعاش الجسد السوري الميت من قبل روسيا وإيران وبعض الدول العربية المستميتة للتطبيع .

ومن الواضح أن لقاء بوتين بايدن ، وضع بعض النقاط على الحروف فيما يخص القضايا الإنسانية دون التطرق لمسار جنيف والحل السياسي القابل للحياة .

وسيكون الإمتحان الأول للعلاقات الروسية الأمريكية من خلال الموقف الروسي من قضية المعابر والمساعدات الإنسانية .

ومن المتوقع أن يتم تمديد العمل بتمرير المساعدات بشكل جزئي في هذه المرحلة ، دون إعطاء أي إنطباع بضعف الموقف الروسي ، والذي سيكون له كلمته المسموعة في هذا السياق .

ويشكل هذا الأمر في حال حدوثه ضربة معنوية للنظام ، كونه طرفا غير موثوق به لتوزيع المساعدات ،

ويأتي حديث روسيا عن حكومة جديدة في سورية ، ليضعف دور الأسد بتشكيل حكومته ، وتعتبر هذه الخطوة مؤشر هام على طريق تخفيض صلاحيات الأسد ، تمهيدا للحل السياسي حسب الرؤية الروسية .

وعلى المستوى السياسي لم يعد الأسد الرئيس الفعلي لسورية حتى بالتزوير . فهو مجرد دمية تحركها أصابع الروسي على المسرح السوري قبل السقوط الأخير .

أما الإيراني فهو يستعجل عقد الصفقات التجارية والإقتصادية من أجل تعويض خسائره ، علما بأن موسكو ستكون الضامن المستقبلي للمصالح الإيرانية في سورية ، ولكن هذا لا يمنع من التواجد الإقتصادي والسياسي والديمغرافي لإيران في سورية ، وهو يمثل دعوة للجميع للتعايش مع هذا الواقع للفترة القادمة ، فالوجود الإيراني والروسي مستمر ودائم وعلى الجميع التأقلم معه .

تدرك إيران أن بقائها في سورية مكلف سياسيا وعسكريا نتيجة الضربات الجوية الإسرائيلية ، والتي تتم بالتنسيق مع الروسي ، مع استمرار للعقوبات الأمريكية المؤلمة ، مالم يحدث إختراق في المفاوضات المارثونية الصعبة ، والتي تستهدف العودة للملف النووي ، وتوقيع إتفاقية حظر الصواريخ البالستية ، ووقف دعمها للميليشيات في سورية ولبنان والعراق واليمن ، والتوقف عن التدخل السلبي في دول المنطقة .

فقرار خروج إيران من سورية على المستوى العسكري أمر حتمي لارجوع عنه ، وهو يتوافق ومصلحة كافة الأطراف بما فيها موسكو.

لم تعد مآلات الصراع في سورية بيد الأمريكي ، ولم يعد يتحكم بالعديد من أدوات الصراع ، على العكس من روسيا الممسكة بالوضع السوري بكافة جوانبه ، كونها الأقوى على الارض في المشهد السياسي والأمني السوري ، وهى قادرة على توجيه الرؤية الأمريكية للحل بما يتوافق والمصلحة الروسية وليس النقيض . والسلاح الوحيد الذي تستخدمه أمريكا هو العقوبات ، وهى غير كافية للدفع بالعملية السياسية .

لن تسير هذه الأمور بشكل متسارع ، ولكنها أصبحت ناضجة بشكل كبير . والدعوة للقاء آستنة يهدف للتقليل من الدور الأمريكي المطلق ، وخلق مزاوجة بين القرارات الدولية ومسار جنيف ، وبين مسار آستنة والرؤية الروسية للحل .

هناك العديد من القضايا الإشكالية وخاصة الموقف التركي من قسد ، والإدارة الذاتية ، والمنطقة الآمنة التي تتحدث عنها تركيا ، حيث تحاول موسكو تقليل التوترات مع الجانبين التركي والإيراني ، وتوحيد المصالح في سورية مع الطرفين ، بالإضافة لقضية عودة اللاجئين ، بعد موجة من التطبيع العربي ، وكذلك قضية المعتقلين ، ومحاربة الإرهاب ، والقضاء على تنظيم الدولة داعش ، والدعوة لإعادة الإعمار بما يضمن حصة موسكو وطهران .

وكذلك المباحثات الجارية في فيينا ، فيما يخص النووي الإيراني ، والوضع في لبنان والعراق واليمن الممسوك إيرانيا، معظمها قضايا هامة ، سيجري العمل عليها من خلال التفاهات الأمريكية الروسية ، وتحديد طبيعة الدور الإيراني المستقبلي المسموح به في المنطقة .

معظم هذه الخطوات رهينة المباحثات النووية في فيينا وحجم الإختراق في هذا الملف ، سيكون تأثيره مباشر في سورية وبقية الدول الواقعة تحت سلطة إيران وميلشياتها في المنطقة ...

بإنتظار دور امريكي أكثر وضوحا فيما يخص مسار جنيف واللجنة الدستورية والمرحلة الإنتقالية وحجم التفاهات التي يفترض أن تنهي أي دور لنظام الأسد رغم وجود قناعة لدى كافة الأطراف بقرب نهاية الدور الأمريكي في سورية وعموم المنطقة وهى تركة ثقيلة ستتقاسمها كافة دول الإقليم وسيكون لإيران الحصة الأكبر من هذه التركة ...


أحمد رياض غنام
كاتب ومحلل سياسي سوري
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

شكراً لك على مشاركة رأيك.. لنكتمل بالمعرفة

Back to top button