وصف المدون

اليوم

كان الساعة السابعة صباح 7 يوليو، مثل هذا اليوم، 1978، حين استيقظ محمد إبراهيم كامل، وزير خارجية مصر، على رنين التليفون فى منزله.. كان المتحدث هو محمد حسنى مبارك، نائب رئيس الجمهورية، حسبما يذكر «كامل» فى مذكراته «السلام الضائع»..مضيفا: «سألنى ضاحكا: انت لسه نايم يا محمد بك؟.. فقلت: كنت نائما بالفعل فقد سهرت لمدة طويلة أمس، فقال: هل رتبت نفسك للسفر إلى النمسا؟، قلت: إنى غير مسافر، والرئيس أخبرنى بذلك منذ أيام، فقال: بل ستسافر فقد كنت أتحدث مساء أمس مع الرئيس وطلب منى أن أبلغك بأن تعد نفسك للسفر معه، وسيستقل الرئيس الطائرة من مطار جناكليس فى الساعة الحادية عشرة قبل ظهر اليوم، وسأسافر بالطائرة إلى جناكليس لأكون فى وداعه، فأرجو أن تقابلنى فى مطار ألماظة الحربى لنسافر معا».

كانت الزيارة بدعوة من مستشار النمسا «برونو كرايسكى» وفقا لجريدة «الأهرام» يوم 7 يوليو 1978، مؤكدة أن السادات سيلتقى خلال الزيارة بعدد من رؤساء «الدولية الاشتراكية» إثر انتهاء اجتماعهم فى ألمانيا الغربية، وفى مقدمتهم «ويلى برانت» رئيس الحزب الاشتراكى الديمقراطى الألمانى، وشيمون بيريز زعيم حزب العمل الإسرائيلى المعارض، بالإضافة إلى ناحوم جولدمان الرئيس الأسبق للمؤتمر الصهيونى.

وفيما تذكر «الأهرام» أن وفدا محدودا للغاية رافق الرئيس يضم رئيس ديوان رئيس الجمهورية حسن كامل، وعددا من المعاونين، يؤكد «كامل» أن الطائرة أقلعت بالسادات وزوجته السيدة جيهان، وهو «كامل»، وآخرين فى الحادية عشرة صباحا إلى فيينا، وكان السادات صائما كعادته كل خميس، وفى الساعة الواحدة ظهرا توجه إليه فى مقصورته بالطائرة.. يتذكر «كامل»: «جلست معه ومع السيدة زوجته، وظللنا نتحدث فى ذكريات قديمة، وأمور عامة إلى أن جرفنا الحديث إلى الاجتماع الثلاثى لوزراء الخارجية «مصر وإسرائيل وأمريكا» المقرر عقده فى لندن بعد عشرة أيام، وقال الرئيس إنه لا يتوقع أن يحقق نتائج إيجابية، لكنه سيكون مجالا لفضح مزاعم إسرائيل فى أنها لا ترغب فى السلام».

وأضاف السادات، أنه كان يرغب فى أن يكون هذا الاجتماع الثلاثى فى العريش وليس فى لندن، لأن العريش أرضنا وعاصمة سيناء وهذا أمر له دلالته، وهى قريبة من القاهرة وإسرائيل، وتستطيع إذا أثير أمر يحتاج إلى التشاور أن تغادر العريش وتكون معى فى خلال نصف ساعة ثم تعود، كما أنه إذا قررت أطراف عربية أخرى مثل سوريا والأردن الانضمام إلى المباحثات فستكون العريش على مسافة قريبة من دمشق وعمان.

رد «كامل» على السادات بأنه من ناحيته لا يمكن أن يقبل بالذهاب إلى العريش، فسأله السادات: لماذا؟، فأجاب: لدى سببان، الأول: أنك وعدت الرئيس جعفر نميرى «رئيس السودان» عندما قابلته فى شهر مايو، بأنه إذا اقتضى الأمر عقد مباحثات مباشرة بين مصر وإسرائيل فإنك ستعمل على أن تتم خارج مصر وإسرائيل وفى دولة ثالثة كرومانيا، حرصا على مشاعر الدول العربية التى كانت تطالب بإعلان وقف الاتصال المباشر بيننا وبين إسرائيل وحتى نفسح المجال أمام مهمة لجنة التضامن العربى برئاسة «نميرى».

ابتسم السادات، قائلا: «أنا لم أقل خارج مصر وإسرائيل، وإنما قلت خارج القاهرة والقدس»، فرد «كامل»: «لا يا ريس أنا متذكر جيدا أنك قلت خارج مصر وإسرائيل، وأن هذا ما فهمه الرئيس نميرى ونقله إلى العرب على كل حال».. يؤكد «كامل»: «سكت الرئيس برهة ثم قال، وما هو السبب الثانى.. أجاب: أفضل أن أشنق على أن أذهب إلى العريش لأتفاوض مع الإسرائيليين على أرضى وتحت العلم الإسرائيلى وفى حراسة القوات الإسرائيلية المحتلة».

نظر السادات إلى «كامل» فترة دون أن يعلق ثم نهض واقفا، قائلا إنه ذاهب لينام قليلا للراحة من عناء الصيام، وبقى «كامل» وحده مع السيدة جيهان التى دعته لتناول الغداء معها، وفى أثناء الغداء قالت له: «بالله يا محمد بك لا تترك الرئيس وحده عند مقابلته لشيمون بيريز فى فيينا، أرجوك ألا تتركه وحده إطلاقا مع هؤلاء الجماعة، فإن الإسرائيليين فى غاية الخبث والدهاء والرئيس رجل صريح وما فى قلبه على لسانه، وسيتعمدون حتما الاستفادة من ذلك واستغلاله».

يؤكد «كامل» أنه سألها: «لماذا لا تطلبين منه أنت ذلك؟، ردت: «لا أستطيع فهو يغضب إذا حدثته فى شؤون العمل، وهو يحبك ويثق فيك، ولن يمانع فى حضورك معه إذا طلبت أنت منه ذلك».. رد «كامل»: سأحاول.. انتهى الغداء، وشكرها «كامل» وانصرف عائدا إلى مقعده فى الطائرة، لكنه وكما يقول: «حديثها ظل يرن فى أذنى ويجول فى فكرى، ترى ما الذى دعاها إلى ما قالته لى؟

وكالات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

شكراً لك على مشاركة رأيك.. لنكتمل بالمعرفة

Back to top button