وصف المدون

اليوم

Reuters

ان سياسة التعميم التي تمس العديد من الحالات العنصرية لدى الشعوب ، تمثل ديماغوجية فكرية غير متسقة مع الفكر الفلسفي الإجتماعي .
فالفرد جزء من المجتمع ، وفي حال كان هذا الفرد عنصري ، فهذا لا يعني بحكم الضرورة أن غالبية المجتمع عنصري .
وتلعب السياسة دورا بارزا في إنعاش الفكر العنصري الكامن في العقول ، في لحظات مفصلية من تاريخ الشعوب ، حيث يغلب عليها طابع الشعبوية .
وغالبا ما تكون القوى السياسية القاطرة التي تدفع بهذا التوجه ، لكسب منصب أو لمصلحة تهدف من ورائها لتطويق جماعة تنتمي لطائفة ، أو دين ، أو مذهب اوعرق ، وذلك من خلال التفاخر بالتفوق الحضاري تارة ، أو من خلال تكفير المختلف ، أو عدم الإندماج في المجتمع الجديد ، أو نتيجة حادثة فردية سرعان ما يتم تعميمها على الجميع . وهذا ما يحصل في العديد من البلدان العربية ، الغربية ، وتركيا ، حيث يتم تحميل عموم السوريون أخطاء يرتكبها بضع أفراد ، يتميزون بالسوء وإنعدام التربية والأخلاق .
السياسة والتهييج الإعلامي ، وبعض الرموز السياسية والإجتماعية ، تهيئ الأرضية الخصبة لنشر حالة العنصرية والكراهية داخل المجتمع المضيف .
ولكن هل العنصرية حالة فردية ؟!! أم يمكنها أن تكون مرض متأصل في العقل الجمعي المتفوق أو العرق؟!!!
ان الشعور بالتفوق الحضاري ونقاء العرق ، غالبا ما يجعل عموم المجتمع ، في حالة من الصدام مع الأقل مكانة ، قياسا بالتضخم الفكري المرضي ، الذي ثبت اركانه في العقل الجمعي لدى غالبية القوى المتفاخرة بتاريخها وثقافتها وحاضرها ومستقبلها .
وغالبا ما يكون الطرف الأضعف ، هو المستهدف داخل هذا المجتمع المنغلق بأفكاره العنصرية ، حتى وإن وجد من يخالف هذا التوجه من قبل العديد من القوى المثقفة والمتعاطفة ، والأكثر إحساسا بأهمية العلاقات الإنسانية العظيمة .
ما يحدث في تركيا تجاه أبناء شعبنا السوري ، له بعد ثقافي وتاريخي متجذر ، ينظر بدونية للعرق العربي منذ صعود الإمبراطورية العثمانية حتى يومنا هذا .
المواطن التركي لديه قدر كبير من الإعتزاز بأمجاده وتاريخه ، وثقافته ، ولغته ، وتفوقه العرقي على العربي ، وبغض النظر عن جنسية هذا العربي .
وهى عناصر جامعة وجامحة لهذا المجتمع العنصري ، رغم وجود قوى إجتماعية تركية ، لا تقبل بسوء المعاملة والعنصرية التي يتعرض لها السوري ، لكن صوتها خافت وهى أقلية .
هذا لا يمنع من أن بعض السوريون يحملون اليوم ثقافة العنف والتشدد والكراهية نتيجة التفسخ الإجتماعي والوضع السائد في سورية ، حيث دوامة الموت ، والظلم ، والتهجير ، ساهمت بدورها بهدم كل المقومات الأخلاقية والتربوية ، إنعكس نقصا حاد في الذوق العام ، والقدرة على الإرتقاء في السلم الحضاري .
وهو نتاج الهزيمة الفكرية ، والثقافية ، والإجتماعية والسياسية ، التي أنتجتها دولة البعث وفوضى الثورة
حتى الفكر الديني الفردي والجماعي ، تعرض لحالة من الصراع بين الإنغلاق والتشدد ، وبين الوسطية والإعتدال ، مما وسع الشرخ بين أفراد المجتمع الواحد الغير متسق والمتعددة الهوياتي ، بعيدا عن التناغم الهرموني المطلوب ، كذلك طبيعة تكوين الأسر ، وعامل التربية والأخلاق ، شكل هوة عميقة خلقت تباينا داخل نواة المجتمع السوري .
لاشيئ يبرر العنصرية بوصفها عامل هدم وتخلف وهى اداة لنسف العلاقات الإنسانية الراقية .
وما حدث في تركيا يمكن أن يحدث في غالبية البلدان العربية ، فالعرب عنصريون بطبيعتهم ، وغالبا ما تحمل العنصرية العربية ، هويتها الثقافية وبدرجات مختلفة
فلبنان عنصري بأبعاد متعددة ، حيث تتوضع فكرة التفوق الحضاري والبعد الطائفي داخل كافة المكونات اللبنانية بشكل عدواني ، تترافق مع فكرة الدونية بالنسبة للغرباء .

وهناك العنصرية الشمال أفريقية وتتظهر بشكل فج في المجتمع الليبي الطارد للغرباء حتى وإن كانوا يقدمون مايفتقده المواطن الليبي من خبرة في ميادين العمل ، وينطبق هذا الأمر على غالبية دول الخليج ، حيث تمتزج العنصرية مع الخصوصية القبلية والتفوق المادي المذل للآخر . وكذلك الأمر في مصر حيث تلتقي العنصرية مع الفرعنة عند البعض ، ولكن عموم الشعب المصري بعيد كل البعد عن العنصرية ، وما يحدث بين الحين والآخر ، ليس أكثر من عنصرية مسيسة ، بدفع مخابراتي متوافق مع التوجه السياسي للدولة .
إن نظرية التفوق العرقي تدلل على عنصرية أصيلة في هذا المجتمعات ، في حين ان التفوق الحضاري يتمثل بتصرفات الأفراد الراقية ، وهذا غير متوفر عند الكثير من أفراد المجتمعين السوري والتركي وكذلك العربي على حد سواء .
فالحداثة التي لاتتوافق مع تطور الأفراد ، فكرا ومنهجا واخلاقا كما يحصل في المجتمع التركي ، ليست سوى ثورة في العناصر التركيبية التي تتشكل منها المدن الحديثة ، ممثلة بوسائط النقل المتطورة ، والعمران ، والبنى التحتية المتميزة ، لكنها لم تترافق بالتطور الفكري للأفراد ، الذين حافظوا على ثقافتهم المنغلقة والمعادية للمختلف ، والمتأهبة للبروز العنصري عند أول انعطافة .
اما الأفراد المتلبسون بفكرهم العنصري داخل هذه المدن ، فهم ليسوا صناع حضارة ، وهم عالة على مجتمعاتهم ، واحد أسباب تخلفها ، وسبب رئيسي في عزلة شعوبهم ، وهذا ما يحدث في تركيا والعديد من البلدان العربية !!!
ولعل اعتزاز التركي بلغته يدفعه لعدم التعامل مع اللغات العالمية في البيع والشراء ، في دولة تشتهر بكثرة السياح !!! لهو دليل بسيط يشرح طبيعة هذا الشعب الممنغلق لدرجة الإختناق الحضاري المزعوم ....

إن المقال المكتوب هنا يعبر عن وجهة نظر كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة INFOGRAT الإعلامية وإنما ننشر الأخبار والمقالات الشخصية من منطق حرية الرأي والتعبير ولمزيد من المعلومات أو الإنتهاكات بإمكانكم الإتصال بنا من خلال الموقع

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

شكراً لك على مشاركة رأيك.. لنكتمل بالمعرفة

Back to top button