وصف المدون

اليوم

أ. أحمد رياض غنام
كاتب ومعارض سوري
تكمن المعضلة في الربط بين العقيدة الراسخة في القلوب ، وبين التيارات والحركات الإسلامية التي تناضل لفرض فكرها السياسي على الجميع .
وهو مذهب ديكتاتوري ، لا يتوافق وحق الأفراد في ممارسة حرية التعبير والنقد من باب التصويب ، وغالبا ما تفضي مساحة الحوار لتعويم مقولة : أنتم ، ونحن !! تعزيزا للفرقة والخلاف بين أصحاب الرأي ، دون الوصول لمشتركات .
أن اكون مسلما ، لا يعني بالضرورة أن اكون مؤيدا لإقامة نظام سياسي أسلامي ، خاصة بعد التشوهات التي رسخت في ذاكرتنا ، نتيجة المثالب ، والهنات الكبرى للأنظمة ، التي صنعت دساتير إسلامية مشوهة تتوافق ومصلحة الحاكم .
حيث تركت آثارها ، على المجتمع الواحد المتنقل ، بين الحداثة والعلم والإنفتاح بالنسبة للفرد ، وهى حالة رغبوية عند الغالبية ، وبين الإنغلاق والإنقياد ضمن المتاح في حدود المسموح به عقائديا .
تأتي الحركات الجهادية لترسم واقع صادم ، يستمد ركوزاته وتمكنه من خلال القوة ، وفرض الهيمنة على الحليف قبل العدو ؟!! وكذلك تيارات الإسلام السياسي الساعية لإقامة نظام إسلامي ( إمارة إسلامية أو دولة إسلامية ) والتي تصطدم برفض مجتمعي يدفعها في معظم الأحيان للعنف أو تبديل الهوية والجلد للوصول للحكم .
إن السعي لإقامة نظام ديمقراطي ، هو عامل جذب لكافة المكونات بمفهومه الواسع ( فالديمقراطية أسلوب حياة ) ويختلف من شعب لآخر ، في حين أن النظام السياسي الإسلامي ، هو قالب جامد ، محدد بخطوط لا يمكن تجاوزها ، كونها تستمد عناصرها من ثوابت العقيدة ، الغير قابلة للتطور ( النص المقدس ) ، وتمس حياة الأفراد الذين لا يحملون فكرها ويعارضونها ، كونه يمثل فكر مكون وحيد له خصوصيته الدينية ، بعيدا عن بقية المكونات ، التي لا تتشارك ذات العقيدة أو الفكر ، ولكنها تعيش بذات الجغرافية الوطنية ، ليس فقرا في التشريع ، بل في التطبيق العادل ، وهو أمر غير متوفر اطلاقا ، فنحن لانعيش في المدينة الفاضلة .
نعتز بديننا وهو مسار لحياتنا الخاصة ، وبذات الوقت نناضل من أجل قيم الحرية والديمقراطية ، التي لا تتعارض والقيم الفضلى للأديان ، وفي حال وجود بعض التعارض ، نتيجة الحريات الغير منضبطة ، يمكن للمشرع أن يضعها في خانة الرفض ، من أجل مجتمع سليم ، خاصة وأن الدساتير الوضعية ، قابلة للتكيف والتطوير ، ضمن مفهوم الإختلاف ، المرعي في صلب النظام السياسي الديمقراطي ، وهو ممايدفعني للقول أن الدين هو منهاج أخلاقي خاص ، ولا يمكن دمجه مع فعل السياسة ، التي تجنح نحو المصلحة والإسفاف ، مما يحوله لمنصة للتراشق والمزايدات والتنازلات .
هذا لا يعني ان النظام الديمقراطي في وضع جيد ، فهو يعاني بشكل كبير من الإباحية ، والشعبوية ، والعنصرية القومية ، ولكن يمكن لشعوب المنطقة ، المزاوجة بين السياسة والثقافة ، والعادات والتقاليد ، وقيم العدالة والحرية ، ضمن نظامها السياسي ، بما يتناسب وخصوصية مجتمعاتنا الساعية للتطور والتقدم .
فطالبان مثال واضح وصادم ، للفكر الرديكالي المتطرف في عنوانه الإسلامي ، والذي يملك مفاتيح القرار فيما يخص حياة الأفراد ، وطريقة معاشهم ، ولباسهم والحدود المسموح بها ، لمشاركة المرأة الأفغانية في السياسة والعمل والتعليم .
إن تقييد المجتمع بقوالب إسلامية ذات بعد تاريخي غير متوافق مع البعد الزماني والمكاني ، هو دعوة للتشدد والإنغلاق الغير مجدي ، في زمن العولمة والإنفتاح العالمي ، نحو التعاون ومد جسور الثقة بين الشعوب .
فالتحكم بحياة الأفراد وخنق الحريات إنما يدل على جهل مطبق في فهم طبيعة الإسلام كدين .
ورغم ذلك فالدساتير الوضعية التي تأخذ بقيم الأديان كافة ، وثقافات الشعوب ، والعادات والتقاليد ، هى الأكثر الحاحا وضرورة في هذه الأيام . ومن هنا تبرز اهمية
النظام السياسي الديمقراطي الأكثر فاعلية في تمكين الأفراد والمجتمعات المتنوعة ، بحياة كريمة وحرة .
أما النظم السياسية التي تجعل من الدين عنوان رئيسي لإدارة شؤون البلاد ، فهى نظم تميل للإستبداد ، لأن النص المشرع تحكمه ( القداسة والقطيعة ) ولباس المرأة خير مثال ، حيث يكون أمير المؤمنين هو المشرع وهو القاضي والحكم ، وهو من يقرر شكل هذا اللباس !
ويعتبر هذا بمثابة إنتقاص مريع لحرية الأفراد .
كما يعيش الفرد في النظام السياسي الديني ، داخل فقاعة شفافة لا يستطيع الخروج منها ، ولكنه يستطيع أن يشاهد تطور المجتمعات الإنسانية الأخرى من بعيد ، كونه يعيش عزلة الإندماج الخلاق والمبدع .
فالفكر الديني يميل للتنظير والحلم بعالم تسوده العدالة والمساواة ، ولكنه يقيد الإجتهاد ، وحرية التفكير والرفض أو القبول . مما يجعل من هذا النظام حالة مرضية تحمل عوامل الإستبداد المقنع ...

إن المقال المكتوب هنا يعبر عن وجهة نظر كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة INFOGRAT الإعلامية وإنما ننشر الأخبار والمقالات الشخصية من منطق حرية الرأي والتعبير ولمزيد من المعلومات أو الإنتهاكات بإمكانكم الإتصال بنا من خلال الموقع
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

شكراً لك على مشاركة رأيك.. لنكتمل بالمعرفة

Back to top button