وصف المدون

اليوم

INFOGRAT - فيينا:
ما هي طبيعة التسويات التي يتسابق النظام السوري على جعلها حافز بالنسبة للكثير من الشباب مع بداية العام الحالي، وهو الذي يحارب المواطن في مأكله ومشربه، ويدير له ظهره في أي خطوة إيجابية يحاول النهوض بها من كبوته؟ ومع ذلك فإن المواطن "المعتّر" ينضوي تحت رغبات عصابة طاغية تحاول بشتى الطرق إذلاله وتسليط الضوء على أنه ما زال يمشي في طريق أعوج، وأن كل ما سبق أن فعله النظام ويمضي في فعله من صور مقرفة ومرفوضة من قبل الأهالي، وتعامل مذل وافقار حقيقي له، فضلاً عن إيذائه والعمل على تشريده والتخلص منه بقتله، وتغييب الكثير من أبنائه في السجون، وكيل التهم لهم على الرغم من كل ذلك يخرج علينا النظام، وبالرغم من كل ما جرى، بالتعريف بنفسه على أنه بريء من دم الناس الأبرياء الذين قتلوا، وهو الذي افتعل كل الأفعال الشائنة بحق شعبه. تلك الأفعال التي تشيب لها الولدان الرضع، ويستعرض، وبكل وقاحة، على أنه الأمين على البلد، والمحافظ على استقرارها، هو وزبانيته من سعى جاهداً على تدميرها وتخريبها، والعودة بها إلى الوراء مئات السنين بعد تجريد أهلها وإفقارهم وتشريدهم.

عبد الكريم البليخ كاتب وصحفي سوري

إنَّ اجراءات التسوية التي يفرضها النظام ترفضها أغلب العشائر السورية، واعتبرت ذلك تهديداً مباشراً لـ "الاستقرار" الذي تعيشه المدن السورية عن بكرة أبيها، وتقوم هذه التسويات على مبدأ "التسوية" مع بقاء عوامل الصراع، مثل بقاء النظام السياسي والهيمنة العسكرية، ومنع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، وتقييد الحريات.

ما بات يحكى اليوم عن خديعة التسويات التي يحاول النظام فرضها على عموم الناس الذين خرجوا أغلبهم عن سيطرته، والركض خلف المواطنين والضحك عليهم بفرض رغبته، وبكل خسّة ودَناءة، في الوقت التي يرفضها أغلب الناس، ولعن كل من يحاول الاقتراب من الحكومة السورية وتجميل صورتها، أو حتى التعامل معها والانضواء تحت رغباتها، التي تحاول امتصاص غضب عموم الناس وإقناعهم بطي صفحات من القهر والتسلط وفتح صفحة جديدة بحسب ما يعتقد ويظن ذلك كثيرون من غير الموالين له، والذين هم أكثر ما تضرروا وعانوا من معاملته لهم وتعنيفهم، وإدخالهم في مشكلات ومآسي هم في غنى عنها.

هناك الكثير من الأسئلة التي يطرحها العامة، وهي في الواقع تظل أسئلة مشروعة ومحقة ومنطقية ومن حق كل مواطن شريف طرحها، ومفادها أنَّ النظام، وبعد كل ما فعله واقترفه بحق أهلنا في سوريا، يدعوها اليوم ـ وبكل وقاحة ـ إلى التسوية معه، وتناسى في الوقت نفسه الماضي الأليم، والاحتكام للحاضر الذي يُعاني من فقر مدقع، فهذا لا يعفي الأهالي من طرح عديد من الأسئلة، ومنها وأهمها لماذا الآن، وفي هذا الوقت بالذات يحاول النظام الفاسد أن يدعو الناس إلى لفظ الماضي برغم جرائمه القذرة، وتشريده للناس واقتلاعهم من منازلهم وطردهم إلى خارج الوطن، بل والعمل على تشريدهم وإذلالهم ودكّهم في السجون والمعتقلات؟ أضف إلى أن هناك الكثير منهم، وإلى اليوم، لا يعرفون عن أبنائهم شيئاً، فهم ما زالوا مغيّبون في السجون، ناهيك عن الدمار والخراب الذي جرّه سفّاح سوريا ونال الكثير من سكن المواطنين وممتلكاتهم، وحتى الأماكن التي يعتاشون منها!

وهل يكفي ما يمكن أن يقوله ونسمعه لذلك المواطن الذي ظل يُعاني من كل أنواع السخط والإذلال، أضف إلى الممارسات والانتهاكات، وإحراق جثث المقتولين تحت التعذيب، وحالات الاغتصابات التي تعرض لها الكثير من الشباب والفتيات والنساء، بالإضافة إلى الاغتيالات السياسية، وتصفية الشباب وتصدير المخدرات بأنواعها؟.

المشكلات والمعاناة التي تعرض لها المواطن في سوريا كثيرة ولا يمكن إحصاؤها، وفي ظل كل هذه المشكلات التي كرستها الثورة وما صاحبها بهذه البساطة، يحاولون إعادة المياه إلى مجاريها، حسب ما يُخيل إليهم، وهذا بعيد عن أحلامهم ورغباتهم، ورمي ما جرى وراء ظهور الناس التي عانت ما عانت، وتحملت الكثير من صنوف العذاب والحاجة ومن ارث النظام القاتل الذي انتقم من الأهالي، وهذا لم يعف أيضاً حتى العاملين معه ويصفقون له، فهم لم يتخلصوا منه ومن ألاعيبه البغيضة، وظل يتعامل مع الناس كحجر شطرنج لا حول له ولا قوة.. وفي المقابل نقرأ هنا وهناك، وفي مواقع وصحف رسمية عن تواصل

الوفود القادمين إلى مراكز التسوية ويتمثل هؤلاء في شيوخ العشائر الذين لا يمثلون إلّا أنفسهم، أضف إلى شخصيات ووجوه اجتماعية ومخاتير، وغير ذلك من المنتفعين من أزلام النظام الفاسد لأجل تقديم الطاعة له بدلاً من التسوية التي يتحدثون عنها لكسب رضا الطاغية وأعوانه المجرمون الذين لم يخلص من اجرامهم أحد، ولن يخلص منهم مادام أنهم قائمين على رأس عملهم، ومثلهم من الموالين لهم الذين ينفخون ـ وللأسف ـ في قربة مقطوعة!

أمثال هؤلاء أكثر من الهمّ على القلب، وهم لا يمكن أن نقول غير أنهم مغلوبين على أمرهم لا سيما أنهم يعيشون بينهم، ويعتاشون من وظائفهم التي يتكسبّون منها قوت يومهم وهذا حالهم، ما يجعلهم يُداهنون لأزلام النظام وعصابته التي تحاول بصورة أو أخرى لجم المواطن السوري وكسر شوكته بإخضاعه تحت رغباتهم وطاعتهم، وهذه بعيدة عنهم، من خلال فرض اشتراطاتهم عليه بقوّة السلاح، وتحت مسميات وذرائع مختلفة.

ويكفي النظام القائم اليوم إدخاله، وفي عزّ النهار، المزيد من القوات الأجنبية لمساعدته في الدفاع عنه، والعمل على قتل شعبه وتشريده، والتخلص من خيرة شباب الوطن الذي سعى عدد كبير منهم البحث عن اللجوء إلى الدول الأوربية وغيرها طلباً للجوء والهروب والاختباء من نيرانه التي أحرقت الأخضر واليابس، ودمّرت البنى التحتية، وقتلت أبنائه العزّل، ولم يكفه ذلك بل سعى ـ وبشكل غريب ـ إلى الاحتماء بحزب الله اللبناني الذي يتبع لإيران وجرّه الخراب والدمار لسوريا وأهلها، والعمل على اسقاطات كثيرة تحاول النيل من ذلك الشعب الأشم، وتجنيد أبناء بعض المحافظات السورية للعمل لصالح إيران وإلى جانبه، إضافة إلى ترويج المخدرات في المنطقة بصورة عامة، وافتتاح مقرات تتبع له مموّله من إيران في ريف القامشلي الجنوبي، وفي مدينة الحسكة، وتمكينه من تجنيده أبناء العشائر بعد إغرائهم بالمال والحماية الأمنية عبر افتتاح مكتب استقطاب لهم، وتوسيع نفوذ الحزب في المحافظة. ذلك الحزب الذي لا أحد يرحب به بالمطلق، ورغم ذلك يسعى النظام السوري جاهداً لاستقطابه والوقوف إلى جانبه ودعمه.

عبد الكريم البليخ
صحافي سوري مقيم في النمسا


إن المقال المكتوب هنا يعبر عن وجهة نظر كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة INFOGRAT الإعلامية وإنما ننشر الأخبار والمقالات الشخصية من منطق حرية الرأي والتعبير ولمزيد من المعلومات أو الإنتهاكات بإمكانكم الإتصال بنا من خلال الموقع.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

شكراً لك على مشاركة رأيك.. لنكتمل بالمعرفة

Back to top button