وصف المدون

اليوم

د ب أ - فيينا:
يشهد مضيق تايوان توترات تتزايد بسرعة وفي طريقها لأن تصل إلى مستويات مفزعة. وكان رد فعل جمهورية الصين الشعبية الشديد إزاء زيارة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي لتايوان مفاجأة للكثيرين من قدامى مراقبي الصين.

Quelle: imago images/CSP_nicholashan

فلم يقتصر الأمر على أن احتجاجات بكين الموجهة لإدارة بايدن أكثر حدة من أي وقت مضى، إنما صدرت بعض التحذيرات من أعلى المستويات. فقد أكد الرئيس الصيني تشي جين بينج للرئيس جو بايدن أن الزيارة من شأنها أن تشجع الانفصاليين في تايوان وأن تلحق ضررا بالغا بالعلاقات بين الصين والولايات المتحدة. وحذر الولايات المتحدة من " اللعب بالنار".

ويقول تيد جالين كاربنتر، الخبير والباحث في مجال دراسات الدفاع والسياسة الخارجية بمعهد كاتو في واشنطن في تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية إنه مما ينذر بعواقب أوخم، قيام وحدات صينية بتدريبات واسعة النطاق بالذخيرة الحية أحاطت بتايوان. وهناك دلائل على أنه في حالة واحدة على الأقل تم إطلاق صاروخ بصورة مباشرة فوق الجزيرة، وسقط على الأرض في الجانب المقابل. وعبرت نحو 68 طائرة حربية و13 سفينة حربية " خط الوسط" غير الرسمي في مضيق تايوان، والذي كان يحظى بالاحترام من الجانبين، والذي يمنع الحوادث التي يمكن أن تؤدي إلى اشتباك مسلح.

وأضاف كاربنتر أن المناورات الحربية لم تكن فقط أكبر وأقرب بالنسبة لتايوان من أي وقت مضى، لكن بدا أنها كانت تهدف إلى إظهار أن الصين قادرة الآن على محاصرة الجزيرة أو حتى غزوها.

وأوضح كاربنتر أنه لو كان رد فعل الصين العنيف إزاء زيارة بيلوسي يهدف إلى ترويع واشنطن أو تايبيه، فإن هذه المحاولة باءت بالفشل. إذ يبدو أن استراتيجية حكومة رئيسة تايوان تساي إنج- وين للسعي للحصول على المزيد من المكانة والاحترام الدولي لتايوان قوية، كما كانت دائما. ويبدو أن أصدقاء تايوان في الولايات المتحدة مصممون على أن تعامل واشنطن الجزيرة كشريك ديمقراطي وحليف اقتصادي وعسكري مهم للولايات المتحدة.

وتعني المسارات الحالية للسياسات الأمريكية والصينية أن قضية تايوان تنطوي على احتمال كبير بأن تؤدي إلى حرب كارثية. ويقول كاربنتر إنه كما حذر في كتاب له في عام 2005 بعنوان" حرب أمريكا القادمة مع الصين: مسار صدام بسبب تايوان" فإنه ما لم تحدث تغيرات كبرى في السياسات في بكين، وواشنطن ستكون الحرب حتمية في وقت ما. وقد زاد احتمال حدوث ذلك ولم ينحسر طوال ذلك الوقت.

ويرى كاربنتر أن هناك حلا يمكن أن يمنع حدوث مثل هذه الكارثة مع الحفاظ على المصالح الأكثر أهمية للولايات المتحدة والصين. وللأسف أنه حل يتطلب تجاهل قدر كبير من الكبرياء الوطني من جانب الصين، والتخلي عن طموحات استغلال تايوان كعنصر رئيسي لاستراتيجية استمرار الهيمنة الأمريكية في شرق آسيا من جانب واشنطن. وبالتالي، فإنه على الرغم من المكاسب المحتملة الكبيرة من وراء هذا الحل بالنسبة لكل الأطراف المعنية، ليس من المرجح تماما موافقة قادة أمريكا والصين على مثل هذا الحل التوافقي الرشيد.

وأوضح كاربنتر أن السبيل الأفضل- وربما الوحيد – لتجنب حدوث كارثة عسكرية تلوح في الأفق بين الولايات المتحدة والصين هو تبني نموذج النمسا بالنسبة لتايوان. ففي استعداد نادر للتوصل لحل وسط، اتفق الاتحاد السوفيتي والدول الغربية على استعادة نمسا موحدة ( والتي كانت مقسمة إلى عدة مناطق، يحكم كل واحدة منها إحدى الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية ولكنهم الآن حلفاء منفصلون).

فقد فرضت معاهدة 1955 الحياد الصارم على النمسا، ومن ثم ظلت فيينا بمعزل حذر عن محتلف صراعات قوى الحرب الباردة التي ابتليت بها معظم الأنحاء الأوروبية الأخرى. وفي حقيقة الأمر حاولت النمسا الحفاظ على وضعها الحيادي حتى اليوم.

وقال كاربنتر إن بوسع واشنطن وبكين التوصل لنتيحة مماثلة بالنسبة لتايوان- تتمثل في الامتناع عن أي محاولات لجعل الحزيرة مخلبا اقتصاديا واستراتيجيا بالنسبة لأي من الجانبين وعلى أي حال، فإن هذا سوف يتطلب تنازلا كبيرا من جانب الصين. إذ سوف يتعين على القادة الصينيين التخلي صراحة عن الهدف الذي يلتزمون به منذ وقت طويل وهو إرغام التايوانيين على إعادة التوحيد السياسي مع البر الرئيسي. وعلى أي حال، أصبح ذلك الهدف غير واقعي بصورة متزايدة.

واختتم كاربنتر تحليله بالقول إنه نظرا لأنه من غير المحتمل أن يوافق قادة الولايات المتحدة والصين في المدى القصير على " حل النمسا" بالنسبة لتايوان، من المهم طرح هذا الخيار للمناقشة. وإذا لم تتفق واشنطن وبكين في نهاية المطاف على جعل تايون "نمسا "شرق آسيا ، فإنه من الصعب معرفة كيف سوف ينتهي المأزق الحالي بشأن تايون بطريقة سلمية.والأمر غير المعروف هو فقط توقيت الصدام العسكري وحجم المأساة الناجمة عن ذلك.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

شكراً لك على مشاركة رأيك.. لنكتمل بالمعرفة

Back to top button