وصف المدون

اليوم

INFOGRAT - فيينا:
حلّت تركيا في الموقع الحادي والعشرين على مستوى العالم حول ترتيب الدول الأكثر عنصرية هذه السنة، فيما إحتلت الهند المرتبة الأولى يليها لبنان! 

twitter.com/Bundesheerbauer

ليست العنصرية، إذاً، أمراً عرضياً في تركيا، بل حالة مُعمّمة بشكل أو بآخر، وهي نتيجة طبيعية للسياسات الرسمية للدولة المختلِفة مع الكثير من الدول والشعوب الأخرى. 

هذا في أيام الهدوء والسكينة، فكيف في أيام الأزمات والكوارث، كالزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا في السادس من شباط/فبراير الماضي، والذي زاد منسوب العنصرية وعمّمه أكثر فأكثر. 

إكتشفت “وحدة الإغاثة” التابعة للجيش النمساوي هذا الواقع سريعاً، إذ أعلنت تعرّضها لـ”مخاطر أمنية” في منطقة هاتاي خلال محاولتها إنتشال الجثث من تحت ركام العمارات المنهارة، مُعبّرة عن مخاوفها من التعرض إلى “هجمات متزايدة.. وحالات إطلاق نار”، حسبما جاء في بيان رسمي نشرته الوحدة النمساوية. 

لم يرُق للدولة التركية هذا “التشويه للسمعة”، فصب وزير الداخلية التركي سليمان صويلو جام غضبه على الوحدة النمساوية، ورأى أن موقفها هو “مجرد محاولة رخيصة للاستفادة السياسية وتشويه سمعة البلاد في أسوأ أزمة تمر بها”، دون أن ينسى التهجّم، كذلك، على بعض المنظمات الألمانية التي علّقت عملها الإغاثي أيضاً، واتهمها صويلو بأنها تريد العمل تبعاً لهواها الخاص. 

وتشهد تركيا حالة من الفوضى العارمة إثر الزلزال الذي وقع في جنوب شرقها وأدى إلى مقتل أكثر من أربعين ألفاً حتى الآن وتدمير أكثر من 270 ألف وحدة سكنية، وسط صعوبة في تنظيم عمليات الإغاثة، فيما كانت الوحدات النمساوية وبعض الجمعيات والمنظمات الغربية قد تعرضت إلى مضايقات عديدة من قبل السكان أثناء عملها، وسط رفض بعض الأهالي لوجودها في هاتاي والمناطق المتضررة.. 

وللأتراك حسابٌ مفتوحٌ وثأرٌ قديمٌ مع النمساويين، وذلك نتيجة الأزمة الدبلوماسية بين البلدين طوال السنوات الست الأخيرة. 

تعود هذه الأزمة إلى مواقف وتصريحات حكومة رئيس وزراء النمسا السابق سيباستيان كورتس المنتمي إلى تيار اليمين الشعبوي تجاه أنقرة وتجاه المسلمين والمهاجرين في بلاده، علماً أن تركيا كانت ترد عليها بلغة عدائية، وبتنظيم بعض المظاهرات الصاخبة أمام السفارة النمساوية في أنقرة. 

وعلى الرغم من هول الكارثة الزلزالية وفداحتها، لم ينسَ بعض الأتراك تصفية حساباتهم مع الدولة النمساوية، فرموا حجراً في بئر من قدِم لمساعدتهم، لا بل أعادوا العلاقات التركية النمساوية إلى حالتها القديمة، بعد وساطات غربية كثيرة لمحاولة إصلاحها خلال الأشهر الماضية. 

في المقابل، تقبّل الأتراك عمل بعثات أخرى من دون أي أزمة تذكر، وخاصة البعثة القطرية التي تنشط بشكل استثنائي في تركيا، تليها بعثات الهند وإسرائيل والصين وروسيا واليونان ولبنان وغيرها. 

وأُطلقت حملات مكثفة على مواقع التواصل الاجتماعي تتهم السوريين بسرقة المحلات التجارية والمنازل المهدمة، وخاصة على موقع “تويتر” الذي غصّ بالشعارات المناهضة للسوريين وإطلاق حملات تطالب بترحيلهم القسري إلى بلادهم.

وعلى مقلب آخر، تعرّض الكثير من السوريين والأتراك على حد سواء إلى ضرب مبرح واعتداءات جسدية قاسية بعد ضبطهم يسرقون محلات ومؤسسات ومنازل وممتلكات في المناطق المدمرة، حيث إستفادت العصابات المحلية الصغيرة من حالة الفوضى والضياع، فيما كان نصيب من ضُبط منهم الضرب بالعصي والإهانات العنصرية. 

وتعرض السوريون بشكل أساسي، لعنف مفرط عند ضبطهم بالجرم المشهود، وخاصة في أطراف مُدن غير كثيفة بالسكان. 

وفي جنوب شرق تركيا تنشط الميليشيات المحلية بشكل كبير، ولو بقدر أقل من وسطها الأناضولي ومدنها البحرية. 

فيما تم تأسيس بعضها من قِبل القوات الرسمية التركية، ومنها “ميليشيا حراس القرى” ذات الغالبية الكردية والعشائرية، وهي الجماعة المسلحة التي أنشأتها الدولة التركية عام 1985 لمحاربة “حزب العمال الكردستاني” وحماية المرافق الحيوية والعامة.

وقدّرت وزارة الداخلية التركية عدد الاعتداءات والحوادث التي وقعت في اليوم الأول الذي أعقب الزلزال بـ 416 حادثاً، فيما كان مجموعها في ستة ايام سبقت الزلزال 586 حادثة في الولايات المتضررة نفسها، أي بمعدل أقل من 100 حادثة يومياً، وذلك في إشارة واضحة إلى نسبة ارتفاع كبيرة للحوادث الأمنية المرتبطة بالأعمال المخالفة للقانون بعد وقوع الزلزال. 

وأثار الزلزال موجة استياء عارمة جيّشت المشاعر العنصرية التركية ضد اللاجئين السوريين، فأُطلقت حملات مكثفة على مواقع التواصل الاجتماعي تتهم السوريين بسرقة المحلات التجارية والمنازل المهدمة، وخاصة على موقع “تويتر” الذي غصّ بالشعارات المناهضة للسوريين وإطلاق حملات تطالب بترحيلهم القسري إلى بلادهم، علماً أن هذه الموجة لطالما تجدّدت في السنوات الأخيرة، كلما وقعت أحداث أمنية في تركيا. 

في المقابل، اقترحت الحكومة التركية على لسان وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو فتح معبرين جديدين بين الحدود التركية – السورية ووضعهما في تصرف الأمم المتحدة لإرسال المساعدات إلى المناطق السورية المتضررة من الزلزال. 

لكن الوزير أكّد، في الوقت عينه، وبشكل حازم لا يقبل الشك، أن بلاده “لن تستقبل المزيد من اللاجئين السوريين على أراضيها”.

شتّان ما بين الأب والإبن أمام العنصرية المتزايدة من بعض الأتراك تجاه السوريين، تقف السلطات التركية حائرة في منتصف الطريق، فلا تقبل الرضوخ لدعوات بعض جمهورها المتطرف من جهة، كما لا تقبل باستقبال المزيد من اللاجئين السوريين من جهة أخرى. 

فيما الأكيد، أنها لن ترضى أن تعمل النمسا أو غيرها داخل أراضيها على منوالها الخاص، خاصة وأن معظم دول العالم عرضت وتعرض تقديم مساعدات كثيرة وسخية إلى تركيا.

180post - جو حمورة

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

شكراً لك على مشاركة رأيك.. لنكتمل بالمعرفة

Back to top button