وصف المدون

اليوم

INFOGRAT - فيينا:
تتالى الارتدادات الزلزالية في الجنوب التركي والشمال السوري بعد الزلزال الكبير الذي تجاوز عدد ضحاياه على الجانبين خمسين ألف قتيل، الضحايا السوريين في الداخل التركي بلغت أعدادهم خمس أعداد الضحايا بواقع 6100 قتيل، منهم 3800 دفنوا في تركيا وأكثر من 2300 نقلت جثامينهم إلى وطنهم الأم عبر معبري باب الهوا وكيليس، وفي استطلاع بين أن 20% من العائلات السورية في منطقة الزلزال فقدوا أشخاصا من عائلاتهم. 

الزلزال السوري من الكارثة الى الكارثة.. في عين مغترب

وهناك 3800 قتيل في الداخل السوري، ماعدا الذين يقبعون حاليا في المشافي، منهم حالاتهم خطيرة بسبب ضغط السقوف والأحجار لأيام أدت للكثير منهم لبترفي الأطراف.

أرقام مهولة .. مع إضافة أيتام جدد من الذين فقدوا أهاليهم في الزلزال، يضافون لأيتام الحرب والذين فاق عددهم عدد سكان بعض الدول لما يفوق المليون يتيم.

ياسر السيد عيسى
كاتب سوري مقيم بالنمسا
الزلزال لم يكن على الارض فقط .. كان في قلوب وأكباد جميع السوريين، هي أمنا الأرض من تحتهم هذه المرة تستهدفهم بمجزرة مروّعة، وهم الذين خبروا المجازر سايقا فتعايشوا معها حين جربوا حميع أنواع القصف بالقذائف من الجو والبر وحتى البحر، وهي ملتصقة بتفاصيلها بذواكرهم.

ولأن الموت هذه المرة كان بالجملة، فبدل النعوات سابقا بالأشخاص أصبحت النعوات بالعائلات، وبدل التفاف الناس للتعازي بأحدهم صاروا يتبادلونها فيما بينهم، بينما تحول الدفن الى مقابر جماعية بما يذكرهم بأيام الموت بالغازات والكيماوي، حيث تتزاحم فيها الأجساد بقرب بعضها بعد أن لفظتهم اقدار الحياة، ومع ذلك هناك من بقي ودفن بين الأنقاض بدون غسل وكفن وبدون حتى صلاة ووداع وقبر.

الزلزال والموت معه هذه المرة لم يلحظ خطوط الجدار التركي الفاصل بين السوريين، من كان منهم داخل ذاك الجدار بالطرف السوري كان متاحا للبراميل والصواريخ الفراغية والعنقودية وحتى البالستية أن تسقط فوق رؤوسهم منذ 12 عاما، بينما سورببن هربوا منها كما تخيلوا الى داخل الحدود التركية فعاجلهم الموت بانفلاق صدوع الأرض تحتهم.

فعلى الطريق من تركيا الى سورية عبر معبر باب الهوا كانت تنتشر مئات سيارات الاسعاف مترادفة تحمل أكثر من 1800 جثة من الياسمين السوري قادمة من تركيا لمن هربوا من الموت في بلادهم الى تركيا طلبا للأمان، فلاحقهم الموت باهتزاز الأرض تحتهم والموت القادم معها وبنفس الطريقة .. أي الهدم، لكن هذه المرة من الأسفل بفعل تحرك طبقات الأرض، بينما كانت سابقا من الأعلى بفعل البراميل التي تقذف من الطائرات، وهنا الفرق واضح بالعجلة بالموت، فالأقل نجاة في البراميل كانت الطوابق العليا، بعكس الزلازل.

كل السوريين الذين تحدثنا معهم من الناجين من الزلزال من الأصحاب والأقارب سواء كانوا يقيمون في ادلب والشمال السوري او في تركيا، حاولوا توصيف لحظة الزلزال بشعورهم حينها بأن القيامة قد قامت، وسماع صوت يشبه نهاية العالم، كانت أصوات متجمعة من كل الاتجاهات في صوت واحد، وأن السماء هي التي تسقط أيضا، كانت الأبنية تصرخ وليس البشر فحسب، في حين كانت تتوارد أسئلة الجواب عليها يحتاج لعدة ثوان فقط، من قبيل كيف يمكنني إنقاذ عائلتي؟ كيف يجب عليّ إتخاد القرار الصائب بالنزول أو البقاء مكوما داخل المنزل، هل استخدام المصعد أفضل أم الدرج، كيف يجب علي إعادة إنتاج أفكاري في تلك اللحظة بشكل ملموس.

لم تكن إقامة عدة سنوات للمهاجرون السوريين الهاربين من الحرب إلى مدن الجنوب التركي كافية لإعادة ترميم أنفسهم وعوائلهم، وترتيب بيوتهم الجديدة ومحلات التي استأجروها أو تملكوها بتوفير أتعابهم، في أجواء بيئات مدن مختلفة في الثقافة الاجتماعية واللغة، ولاتحمل طرقاتها روائح ذكرياتهم، حتى باغتتهم أمنا الأرض هده المرة لتصفر عليهم عداد حياتهم من جديد.

في المدن التركية الجنوبية والتي تعرضت للزلزال، كان الذين سنحت لهم الفرصة في طرفة عين بالنزول للشوارع في منتصف الليل وتركوا خلفهم كل شيء ، كانوا يتجمدون من البرد القارس الآتي من الثلج الذي يغمر الأرض مختلطا مع العواصف المطرية ودخان المباني المهدمة ، مع انبعاث اصوات الصراخ والاستغاثات والتكبير من كل مكان ، ثم بقائهم لايام في العراء مع اطفالهم وعجائزهم أو داخل السيارات يتدفئون بأنفاس بعضهم البعض ، ثم بحثهم عن وسائل تتكفل بنقلهم لمدن اخرى أبعد عن مناطق الزلزال ، في بيوت أقاربهم أو الفنادق وبيوت الايجارات التي تضاعفت أسعارها ، بعد ان فقدوا بالزلزال كل ماجنوه في سنوات اغترابهم القسري من اثاث بيوت واغراض شخصية واموال ومحلات يستعينون بها في غربتهم ، دفنت جميعها تحت الأنقاض أيضا ، وهذا قد لايكون أقل صعوبة من فقدان الأحبة لمن لايملك غيرها في بلاد غريبة ، ليجدوا انفسهم مجددا تحت الصفر كما لحظة خروجهم الأولى من أوطانهم ، ويتشتت التفكير بالحلول ، والمستقبل القادم .. عن السؤال وماذا بعد؟ وعن طريق الاغتراب الجديد ، بعد أن فقدوا عناوين إقاماتهم السابقة وعادوا ليعلقوا في فراغ هذا العالم الذي لايعترف بهم ، وما أصعب حال الحيرانين .

بينما هناك أبناء عائلات قدموا للبحث عن أهاليهم ومنهم قادمين من أماكن بعيدة كأوربا وأمريكا ، منهم من ظلوا لأكثر من عشرة أيام قرب أنقاض البيوت المدمرة والتي كان يسكن فيها أحبائهم .. آباء وأمهات وأبناء وإخوة ، منتظرين بصيص أمل يخفوا كشمعة مع الوقت في أن يجدوهم أحياء ، أو في أحسن الأحوال يوفروا لهم قبورا في مقابر الغرباء في الداخل السوري أو تركيا بدل أن يدفنوا تحت الأنقاض تبتلعهم أرض غريبة عنهم في جوفها.

وحدهم السوريين في الشمال الخارج عن سلطة الأسد كانت النكبة مضاعفة بالنسبة لهم ، بيوت بنيت للنازحين على عجل وبتكاليف بسيطة وبدون رقابة هندسية وبلدية اختصارا للنفقات ، من سلم من الزلزال منهم وجدوا أنفسهم بالعراء في ظروف الثلج والسيول التي فاضت من الأنهار والبرودة القاسية لشهر شباط ، لم تكن هناك خيم كافية للإيواء يساعدهم بها أحد ، ولا منقذين أجانب مع أجهزتهم كما قدمت للجارة تركيا من أغلب دول العالم.

بينما كان السوريين المهجرين البعيدين عن الزلزال وهم يتابعون أخبار موت أقاربهم وجيرانهم وأصدقائهم بتواتر الصور والفيديوهات عبر نشرات الأخبار ، ترافق ذلك مع انقطاع الانترنيت وكل طرق التواصل في مناطق الزلزال لأيام ، كان البعد بجسدهم عن أهاليهم وأحبائهم ، لكن قلوبهم كانت تتشارك تحت الركام مع الضحايا ، فلا مسافة تفصل بين السوريين قربهم وبعدهم عن هول المصاب ، جميعهم تكوموا على أنفسهم بانتظار فتح شبكات التواصل لمعرفة مصير أحبابهم ، حتى بدأت تنجلي الصورة شيئا فشيئا وتتعاظم معها المأساة ، وتتحول صفحات الفيسبووك لحائط تعازي لاينتهي ، لكن مهما حاول الاعلام نقل الصورة كانت الحقيقة أقسى وأمر.

المصيبة الكبيرة أن زلزالا مدمرا قد يتكرر كل مئات الأعوام على تلك المنطقة جاء في زمن الحرب والموت والفقد والتشتت والتهجير والنزوح ، جاء ليكمل الدورذاك على السوريين ، وعلى من استطاع النجاة من الموت ، كان موتا جماعيا كما في المرات السابقة في فصول الجحيم السوري ، موت جديد وفقدان ثم تهجير جديد ، حيث لم يكن قد بقي إلا الزلزال ليقول السوريون إنهم رؤوا كل شيء ، سواء تحت القصف ، أو في زوارق الموت بالبحر وطرقات غابات الدول ، أو بالزلازل ، هو الظلم العبثي حين تصل الفجيعة الى منتهاها .

لذلك يقال وإذا سألوك عن سورية فقل لهم نجا من مات ، ومات من نجا ، وكسوري أنت لوحدك دائما ، كما يقال الجرح لايؤلم الا أصحابه . سواء كان تحت البراميل او الزلزال ، عليك ان تستقبل كل تلك الضربات لوحدك ، وهي لاتعطيك حتى فرصة للغفوة او الراحة ، تماما كلكمات وصفعات متتالية بكامل قوتها وجبروتها ، وانت تهوي من شدتها على الارض ، وما إن ترفع راسك ستصطدم باللكمة الثانية ، ثم الثالثة وحتى المئة ، ولن تجد حكما يوقف اللعبة إذا لم تعلن الاستسلام التام والرضوخ للنتائج بعدها.

تبقى الصور المضيئة لنكبة الزلزال لأولئك الشباب من الخوذ البيض والمتطوعين معهم في الداخل السوري ، أبطال سورية الذين لم يساندهم من العالم أحد لا بالمنقذين أوالمعدات ولا بالدعم ، المتجردين من السياسة والأعراق والأديان ، والذين رابطوا الليل بالنهار ليساعدوا على انتشال الضحايا ، نتمعن بالصور والفيديوهات ونتخيل مشاعرهم حينما تصل مسامعهم الأصوات الخافنة تحت المباني ، ثم نجاحهم في انتشالهم بأيد حانية ، وخاصة الأطفال منهم ، ثم تقبيلهم وحضنهم ورفعهم على الأيادي للأعلى كمن وجد كنزا ، مترافقة بأصوات التكبيرات من الجموع .

إن المقال المكتوب هنا يعبر عن وجهة نظر كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة INFOGRAT الإعلامية وإنما ننشر الأخبار والمقالات الشخصية من منطق حرية الرأي والتعبير ولمزيد من المعلومات أو الإنتهاكات بإمكانكم الإتصال بنا من خلال الموقع.


4 تعليقات
إرسال تعليق

شكراً لك على مشاركة رأيك.. لنكتمل بالمعرفة

  1. ياربي دخيلك .. الله يراف بحال السوريين

    ردحذف
  2. مقال طويل بس فصا الحالة

    ردحذف
  3. اصعب شي الايتام اللي فقدوا اهاليهم ، او الاب او الام اللي فقدت عيلتها وضلوا لحالهم

    ردحذف
  4. وين يروحوا السوريين اللي بتركيا بعد الزلزال وفقدان بيوتهم ووظايفهم .. سوريا بلد غير آمن وطريق الهجرة لاوربا خطر

    ردحذف

Back to top button