INFOGRAT - فيينا:
في السنوات الأخيرة، تفاقمت في بعض الدول الأوروبية، مثل ألمانيا والنمسا، ظاهرة اجتماعية تعرف باسم "عجيان البانهوف" في النمسا و"تعالهون" في ألمانيا. هذه الظاهرة تشير إلى تجمعات شبابية، معظمهم من أصول مهاجرة، حول محطات القطار والمناطق العامة. تتسم تجمعاتهم بأفعال غير مسؤولة تشمل التسكع، التعاطي،العنف، وأحياناً التخريب. لكن هذه الظاهرة ليست مجرد مشكلة اجتماعية بل أصبحت أيضًا موضوعاً جدليًا يثير قلق المجتمع الأوروبي ويتسبب في تعميق الانقسامات السياسية والثقافية.
1. التهميش الاجتماعي والإقصاء
الكثير من الشباب المهاجرين يعانون من التهميش الاجتماعي في المجتمعات الأوروبية. بسبب العوائق اللغوية والثقافية، يجد هؤلاء المراهقون صعوبة في الانخراط بشكل فعال في المجتمع المحلي. تجمعاتهم في محطات القطار قد تكون بمثابة رد فعل لهذا التهميش، حيث يشعرون بالانتماء داخل مجموعات تحمل نفس التجارب والخلفيات الثقافية. لكن هذا الانتماء البديل غالبًا ما يوجههم نحو السلوكيات السلبية التي تخلق مزيداً من العزلة والرفض المجتمعي.
2. التمييز العنصري والضغط المجتمعي
الشباب من أصول مهاجرة يتعرضون بشكل متكرر للتمييز العنصري في المؤسسات التعليمية وسوق العمل وحتى الحياة اليومية. هذا التمييز يولد شعورًا بالإحباط والغضب، يدفع البعض منهم إلى التمرد والانخراط في سلوكيات غير مقبولة، كتلك التي تمثلها ظاهرة "عجيان البانهوف" أو "تعالهون".
3. فشل سياسات الاندماج
على الرغم من الجهود الحكومية لتحسين أوضاع المهاجرين من خلال برامج الاندماج، إلا أن النتائج لا تزال غير كافية.حيث٠ يجد هؤلاء الشباب أنفسهم في هوة كبيرة بين هويتهم الثقافية وواقعهم الاجتماعي الجديد، مما يعمق أزمة الاندماج ويزيد من شعورهم بالتهميش.
4. انعدام الفرص التعليمية والاقتصادية
الفجوة الواضحة في الفرص التعليمية والمهنية تزيد من شعور الشباب المهاجرين باليأس. فعندما تصبح المدارس غير قادرة على استيعابهم، والوظائف متاحة فقط لذوي الخلفيات الاجتماعية المميزة، يجد هؤلاء المراهقون أنفسهم محاصرين بين فشل النظام التعليمي والاقتصادي، مما يدفعهم إلى اللجوء إلى الشوارع.
مسؤولية الأهل ودورهم في تربية الأبناء
إلى جانب العوامل الاجتماعية والسياسية، فإن مسؤولية الأهل في تربية الأبناء تلعب دورًا حاسمًا في هذه الظاهرة. يمكن القول بأن غياب التوجيه الأبوي الفعّال هو أحد الأسباب الرئيسية التي تسهم في ظهور هذه السلوكيات.
1. التأثير الأسري والضغوط الاقتصادية
في العديد من الأسر المهاجرة، يواجه الأهل تحديات اقتصادية كبيرة تؤثر على قدرتهم على متابعة حياة أبنائهم. الضغوط الاقتصادية تجعل الأهل يعملون لساعات طويلة، مما يترك الأبناء بلا إشراف أو توجيه كافٍ. هذا يؤدي إلى ابتعاد الأبناء عن الأسرة والبحث عن الانتماء في بيئات خارجية غير صحية.
2. ضعف التواصل بين الأجيال
التباين الثقافي بين الأهل المهاجرين وأبنائهم الذين نشأوا في بيئة أوروبية قد يخلق فجوة في التواصل. هذا الافتراق يجعل الأهل غير قادرين على فهم التحديات التي يواجهها أبناؤهم في مجتمع جديد، ويفتقرون إلى الأدوات اللازمة لتوجيههم بشكل صحيح.
3. الاهتمام والرعاية
من الضروري أن يدرك الأهل دورهم في تقديم الدعم العاطفي والنفسي لأبنائهم. تجاهل هذه المسؤولية، سواء بسبب الضغوط الاقتصادية أو الاجتماعية، يترك الأبناء عرضة للتأثيرات السلبية من محيطهم، وقد يقودهم إلى سلوكيات تمردية مثل تلك المرتبطة بظاهرة "عجيان البانهوف" أو "تعالهون".
استغلال الظاهرة سياسيًا
ظاهرة "عجيان البانهوف" و"تعالهون" لم تمر دون استغلال سياسي، حيث استفادت الأحزاب اليمينية المتطرفة من هذه الأحداث لترويج خطاباتها المناهضة للهجرة. هذه الأحزاب تصوّر هذه الظاهرة على أنها تجسيد لفشل سياسات الهجرة في أوروبا وتستخدمها لتعزيز فكرة أن المهاجرين يمثلون تهديدًا ثقافيًا وأمنيًا.
1. إظهار المهاجرين كتهديد ثقافي
اليمين الأوروبي يستخدم هذه الظاهرة لتأكيد أن المهاجرين، وخاصةً من أصول غير أوروبية، غير قادرين على الاندماج في المجتمعات الأوروبية. يتم تصوير هذه التجمعات على أنها "نتاج ثقافة شرقية" لا تتوافق مع القيم الغربية.
2. تغذية الخوف المجتمعي
تضخيم الظاهرة في وسائل الإعلام يؤدي إلى تأجيج مخاوف المجتمع المحلي، مما يدفع الحكومات لتبني سياسات أكثر صرامة تجاه الهجرة. هذا يُحدث توترًا بين المهاجرين والسكان الأصليين، ويزيد من حدة الانقسام الاجتماعي والسياسي.
التأثير على وضع المهاجرين
1. تعميق الصور النمطية
التغطية الإعلامية المكثفة لهذه الظاهرة تزيد من انتشار الصور النمطية السلبية عن المهاجرين. يتم تصويرهم بشكل عام كعناصر غير منضبطة وغير قادرة على الاندماج، مما يزيد من التمييز المجتمعي ضدهم.
2. تصاعد الضغط السياسي
في ظل تزايد الضغط من قبل الأحزاب اليمينية والجماعات المتطرفة، تواجه الحكومات الأوروبية ضغوطًا كبيرة لفرض سياسات أكثر تقييدًا للهجرة. هذا يجعل وضع المهاجرين أكثر تعقيدًا ويزيد من حدة الصعوبات التي يواجهونها في الاندماج.
3. إفشال محاولات الاندماج
بدلاً من معالجة أسباب الظاهرة الجذرية، يتم التركيز على القمع الأمني وتشديد الرقابة. هذا يؤدي إلى إقصاء الشباب المهاجرين بشكل أكبر، مما يزيد من شعورهم بالاغتراب ويعقد جهود الاندماج.
من المسؤول؟ دور الحكومات والسياسات
الحكومات الأوروبية تتحمل مسؤولية كبيرة في ظهور وتفاقم هذه الظاهرة. سياسات الاندماج الفاشلة والتمييز المؤسساتي تجاه المهاجرين أدت إلى خلق بيئة تجعل من الصعب على الشباب المهاجرين الاندماج في المجتمع.
1. قصور سياسات الاندماج
البرامج الحالية التي تهدف إلى دمج المهاجرين غالبًا ما تفتقر إلى الفعالية الحقيقية. هذه البرامج لا تأخذ في الاعتبار الاحتياجات النفسية والاجتماعية للشباب، مما يخلق فجوات كبيرة في المجتمع.
2. التمييز المؤسساتي
التمييز ضد المهاجرين في المؤسسات التعليمية وسوق العمل يؤدي إلى تفاقم شعور الشباب بالعزلة. هذا يدفعهم نحو تبني سلوكيات تمردية كما في ظاهرة "عجيان البانهوف" و"تعالهون".
3. نقص الدعم النفسي والاجتماعي
غياب برامج الدعم النفسي والاجتماعي التي تستهدف الشباب المهاجرين يزيد من تفاقم المشكلة. هؤلاء الشباب بحاجة إلى بيئة داعمة تساعدهم على تجاوز الضغوط النفسية والاجتماعية، وليس قمعهم أو معاملتهم كتهديد.
الحلول الممكنة
لمواجهة هذه الظاهرة والحد من تفاقمها، يجب أن تركز الحكومات الأوروبية على معالجة الأسباب الجذرية بدلًا من الاكتفاء بالحلول الأمنية.
1. تحسين سياسات الاندماج: يجب توفير برامج متكاملة تركز على التعليم، التدريب المهني، والدعم النفسي للشباب المهاجرين.
2. محاربة التمييز: تعزيز قوانين مكافحة التمييز في المدارس وسوق العمل يمكن أن يحد من الشعور بالعزلة لدى المهاجرين.
3. دور الأهل والمجتمع: يجب تمكين الأهل وتقديم الدعم اللازم لهم ليلعبوا دورًا أكثر فعالية في توجيه أبنائهم وتربيتهم.
ظاهرة "عجيان البانهوف" أو "تعالهون" ليست مشكلة عابرة، بل تمثل تحديًا كبيرًا يحتاج إلى حلول جذرية تتعامل مع التهميش الاجتماعي والفشل في الاندماج.
سامر الأسمر. فيينا 15.9.2024
شكراً لك على مشاركة رأيك.. لنكتمل بالمعرفة