وصف المدون

اليوم

INFOGRAT - فيينا:
توالت في الآونة الأخيرة عالميا أحداث متسارعة في وتيرتها وتأثيرها، أثرت بدورها في منطقة الشرق الأوسط كما غيرها، فإمتداد الإصطفافات التي باتت تتكشف وبدون مقدمات تهيأ لها، دعت بالرئيس الأمريكي بايدن إلى العمل على تعزيز منطقة الناتو في مواجهة الدب الروسي، الذي لم يلبث وأن عاند حرصا على أمنه القومي و نفوذه كقوة عظمى، فأدخلت نفسها في صراع إستنزاف مع الغرب ككل، وبدأ بتفاهم مع التنين الصيني بتعزيز مصالحه مع إيران أكثر مما مضى، ليقبل بدوره على التوجه كبايدن إلى الشرق الأوسط لتعزيز مواقعه، محاولا كذلك في مغازلة الخليج العربي، في محاولة منها لإجهاض جهود بايدن في تحركاته الخارجية، والهادفة لتخفيف وطأة إطالة أمد النزاع في أوكرانيا على حليفتها العجوز أوروبا.

نزار موسى - كاتب وسياسي كردي

ما ميز هذه الفترة وخاصة في لقاء طهران، هو الموقف الصريح للقمة الثلاثية من التواجد الأمريكي في سوريا، وإعطاء روسيا ذاك الدور الدولي لتركيا، في أن ترعى الإتفاق مع الأمم المتحدة في السماح لمرور شحنات الحبوب عبر مناطق الصراع على أوكرانيا إلى العالم، تجنبا لأزمة لاتحمد عواقبها على العالم ككل، في محاولة واضحة لكسب تركيا وإطماعها لابل وتحييدها تماما في الصراع، في حين لمح بايدن وقبيل زيارته للمنطقة بالعمل مجددا على إحياء الناتو شرق الأوسطي، تحسبا لإمتداد الصراع الإستنزافي إلى أبعد من ساحتها الحالية، وإختياره للسعودية مكانا للقمة في إصلاح لما أهمل من العلاقة مع السعودية في أعقاب حملته الإنتخابية، وتطمين الحلفاء البقية في ظل الغياب الإسرائيلي والإيراني الظاهر للقمة.

على الساحة السورية، يظهر التناقض في صعوبة إحقاق تحييد اللاعب الإقليمي الأساسي في ضفتي الفرات تركيا، كونها تتلقى دعم أمريكا في الشمال الغربي السوري، وكذلك في قضية المنفذ الدولي هناك، ومن ناحية أخرى تتباين مع أمريكا في دعمها الأخير لقسد في المنطقة، أما روسيا فتختلف مع تركيا في سوريا حول مدى نفوذها على الشريط الحدودي لصالح النظام السوري، وكذلك في قضية معبر باب الهوى الواقع تحت سيطرة الفصائل القريبة من تركيا، والتي أجلت في مداولاتها أمميا، ومددت فقط لمدة 6 أشهر، في ظل إنعدام أي تقارب في الرؤى بين الفاعلين، وخاصة بعد إنتباه تركيا وأمريكا للنجاح الذي حققته روسيا في سوريا، عبر سلاح الحصار والتجويع و الإعداد لمصالحات إستسلامية، في كسب المعارك على الأرض.

من هنا يتضح أن الأزمة الأوكرانية أطالت من أمد الأزمة السورية لابل وأثرت فيها سلبا، مع زيادة حدة الصراع والتباعد بين القطبين، و فقدان بوادر الإلتقاء حاليا على القضايا الخلافية فيما بينها، وخاصة الثانوية منها، و تدحرج الملف السوري في سلم الأولويات لديهم، لتبقى الأنظار موجهة نحو اللاعب الأساسي بين القوتين الرئيسيتين الفاعلتين على الخريطة السورية، في أن تمرر البعض من أهدافها في مرمى الإنشغال الأوكراني، وخاصة بعد تحول في الأولويات السياسية لكل من بايدن وبوتين، وأن تستمر تركيا في إضعاف نفوذ قسد في المنطقة، وهذا مالن يلقى معارضة فعلية من أصحاب النفوذ الرئيسيين في المناطق التي تديرها قسد.

المهمة في سوريا وعلى مايبدو، قد وكلت للوكلاء مؤقتا، وهذا ماينبئ بالمؤشر التصاعدي للتصعيد على الساحة السورية، في ظل تآكل التماسك المجتمعي والكياني فيها، وخاصة في ظل بقاء القوى العسكرية المتصارعة على تركة داعش، نفسها من تتقاسم الإدارة في المناطق المختلفة في سوريا، وعدم وجود نموذج ناجح لأي منها كجزء من الكل السوري، في ظل الحاجة لحل سوري جامع، لكل المناطق الداخلة والخارجة عن كنف النظام السوري، كذلك الحال في شرقي وغربي الفرات وتعميم الحالة عليهما أيضا، لابل والتفاهم المبطن لأغلب القوى الفاعلة في إضعاف قسد تباعا مع الوصول للحل السوري العام، لتلتقي النتيجة بمثيلاتها على الساحة السورية والتي دخلت في جزء كبير منها على الدبابة التركية مؤخرا وبجزئها الآخر في الشمال الغربي السوري والمتعارف عليه غربيا براديكاليتها، ومن هنا تكمن ضرورة أن تخلو سوريا من أي قوى غير سورية في إيديولوجيتها، كإحدى البنود الأساسية لأي حل مرتقب لسوريا المستقبل، وهذا مايستدعي فعلا من القوى الوطنية السورية المعارضة أن تغلب مصلحة سوريا على مصالح القوى الداعمة لها ما أمكن، وكذلك من القوى الكردية في أطر المعارضة السورية، أن تناسب مشروعها الوطني بما يتناسب مع المرحلة، مع العمل على حفظ الخصوصية الكردية و مقوماتها في الحل السوري المرتقب ..

نزار موسى - كاتب وسياسي كردي

إن المقال المكتوب هنا يعبر عن وجهة نظر كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة INFOGRAT الإعلامية وإنما ننشر الأخبار والمقالات الشخصية من منطق حرية الرأي والتعبير ولمزيد من المعلومات أو الإنتهاكات بإمكانكم الإتصال بنا من خلال الموقع.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

شكراً لك على مشاركة رأيك.. لنكتمل بالمعرفة

Back to top button