INFOGRAT - فيينا:
نجح باحثون من جامعتي فيينا وزيورخ في الوصول إلى حلقة مفقودة، تكشف عن أصل الخلايا حقيقيات النوى، ويمثل خطوة علمية متقدمة في دراسة منشأ الكائنات الحية بما في ذلك البشر، كما يمثل تأكيدا للنموذج الافتراضي الذي اقترحه باحثون يابانيون سنة 2020، مفاده أن حقيقيات النوى تأتي من الخلايا البدائية "أسغارد".
باحثون يابانيون اقترحوا سنة 2020 أن حقيقيات النوى تأتي من الخلايا البدائية "أسغارد" (جامعة فيينا) |
ويعتبر ظهور وتطور الكائنات الحية من أكبر الأسئلة المطروحة في علم الأحياء، وأكثر المواضيع إثارة للنقاش من قِبَل الباحثين على مدار عقود من الزمن.
واقترب فعليا فريق العمل الذي يضم باحثين تحت إشراف كريستا شليبر في جامعة فيينا (University of Vienna) ومارتن بيلهوفر في زيورخ (ETH Zurich) من الإجابة عن هذا السؤال، بعدما نجح في اكتشاف سلالة جديدة من الخلايا البدائية (العتائق) بفضل زراعة ممثل خاص لها وتوصيفه بدقة أكبر باستخدام الأساليب المجهرية، حسب نص البيان الذي نشرته جامعة فيينا في 21 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ويُظهر هذا العضو من عتائق أسغارد (Asgard) خصائص خلوية فريدة تعتبر بمثابة "حلقة مفقودة" في سلسلة تطور أشكال الحياة الأكثر تعقيدا مثل الحيوانات والنباتات، بحسب ما جاء في دراسة نشرت في دورية "نيتشر" (Nature).
بداية الجدل حول أصل الكائنات الحية
إذا كانت شجرة الأحياء تنقسم تقليديا إلى 3 فروع رئيسية تتمثل في البكتيريا، والخلايا البدائية أو ما يعرف بالعتائق، والخلايا حقيقيات النوى، فإن هذا الفرع الأخير-وإن لم يكن الأكبر- يظل الأكثر دراسة باعتباره المجموعة الوحيدة التي شهدت ظهور تعدد الخلايا، وبالتالي فهي تشمل البشر، والحيوان، والنبات، والطحالب والفطريات، وتتميز ببنية خلوية معقدة.
ويعتبر هذا النوع من البحوث أساسيا في فهم آلية عمل الخلايا وانقسامها، وبالتالي المساهمة بشكل غير مباشر في فهم مراحل نمو وتطور الكائنات، وظهور بعض الأمراض.
والبحث للوصول إلى أصل الخلايا حقيقيات النوى، ينطلق من تحديد حلقة الوصل بين الخلايا البدائية (العتائق) والخلايا حقيقيات النوى، حيث يعود أصل الجدل إلى السمة الأساسية للخلايا حقيقية النواة (Eukaryote) والمتمثلة في "وجود نواة" مغلفة بغشاء مزدوج يحتوي على المادة الوراثية.
وتفترض معظم النماذج أن العتائق والبكتيريا لعبت دورا رئيسيا في تطور حقيقيات النوى، أي أن الخلية حقيقية النواة تطورت من تكافل وثيق بين العتائق والبكتيريا منذ حوالي ملياري سنة.
واكتشفت الدراسات الجينية لعينات بيئية في أعماق البحار سنة 2015، مجموعة ما يسمى بـ"عتائق أسغارد"، التي تعتبر الأقرب إلى الخلايا حقيقية النوى. وقد نُشرت الصور الأولى لعتائق أسغارد سنة 2020 من قِبَل باحثين يابانيين، ومنذ ذلك الوقت وهي تثير جدلا واسعا.
زراعة ممثل لعتائق أسغارد
نجح فريق العمل في جامعتي فيينا وزيورخ -ولأول مرة- في زراعة ممثل لمجموعة "عتائق أسغارد" بتركيزات أعلى. ويوجد هذا الممثل في الرواسب البحرية على ساحل بيران، بدولة سلوفينيا ورواسب ضفة نهر الدانوب.
يقول، تياغو رودريغيز-أوليفيرا باحث ما بعد الدكتوراه في جامعة فيينا وأحد المؤلفين الأوائل للدراسة "كان الحصول على هذا الكائن الحي شديد الحساسية في مزرعة مستقرة بالمختبر، صعبا ومرهقا للغاية"، حسب ما جاء في بيان صحفي لجامعة فيينا.
وسمح نجاح فريق عمل جامعة فيينا في زراعة "ممثل أسغارد" عالي الخصوبة بدراسة أكثر تفصيلا للخلايا عن طريق الفحص المجهري، حيث استخدم الباحثون في زيورخ مجهرا إلكترونيا حديثا لالتقاط صور لخلايا مجمدة بالصدمات. ويقول بيلهوفر "تمكننا هذه الطريقة من رؤية ثلاثية الأبعاد للهياكل الخلوية الداخلية".
من جهته، يقول فلوريان وولويبر، الذي قضى عدة أشهر في تعقُّب الخلايا تحت المجهر "تتكون الخلايا من أجسام خلوية مستديرة ذات امتدادات رفيعة وطويلة جدا في بعض الأحيان. ويبدو أن هذه الهياكل تربط أجساما خلوية مختلفة مع بعضها".
ويضيف "تحتوي الخلايا أيضا على شبكة واسعة من خيوط الأكتين التي يُعتقد أنها فريدة من نوعها في الخلايا حقيقية النواة".
ويشير هذا إلى أن التركيبة الهيكلية الخلوية الواسعة نشأت في العتائق قبل ظهور أولى حقيقيات النوى. وهو ما يدعم النظريات حول هذا الحدث المهم والمذهل في تاريخ الحياة.
تطلعات مستقبلية
حسب عالمة الأحياء الدقيقة كريستا شليبر، قائدة فريق العمل من جامعة فيينا، فإن هذا الكائن الجديد المزروع والمسمى "لوكيارشايوم أوسيفيروم" (Lokiarchaeum ossiferum)، لديه إمكانات كبيرة لتوفير مزيد من الرؤى الرائدة في التطور المبكر لحقيقيات النوى، مستقبلا.
وتؤكد شليبر حسب ما ورد في بيان الجامعة "استغرق الأمر 6 سنوات للحصول على مزرعة مستقرة وعالية الخصوبة، لكن الآن يمكننا استخدام هذه التجربة لإجراء العديد من الدراسات البيوكيميائية ولزراعة عتائق أسغارد أخرى".
إضافة إلى ذلك، يمكن للعلماء الآن استخدام طرق التصوير الجديدة التي تم تطويرها في زيورخ للتحقق، على سبيل المثال، من التفاعلات الوثيقة بين عتائق أسغارد والبكتيريا.
ويمكن أيضا دراسة العمليات البيولوجية للخلية الأساسية مثل انقسام الخلايا في المستقبل من أجل تسليط الضوء على الأصل التطوري لهذه الآليات في حقيقيات النوى.
وكالات
شكراً لك على مشاركة رأيك.. لنكتمل بالمعرفة