INFOGRAT - فيينا:
على مدار السنوات القليلة الماضية، شنت حكومات الاتحاد الأوروبي حملة صارمة على تهريب المهاجرين، واعتُقل العديدون.. لكن أولئك الذين يتم احتجازهم هم في الغالب، هم مهاجرون وجدوا أنفسهم في المكان الخطأ بالتوقيت الخطأ، بينما يفلت المهربون الفعليون من العقاب.
infomigrants |
لمدة ستة أشهر، وبينما كان والد الشابة الإيرانية ماهتاب سابيتارا، واسمه هومايون، يخبرها أنه موجود في منزل للاجئين في اليونان، كانت تعلم أن شيئًا ما لم يكن صحيحًا.
ومع مرور الأيام، بدأت ماهيتاب تلاحظ تفاصيل غريبة، إذ لم يكن لدى والدها إمكانية الوصول للهاتف بغالب الأحيان، وهو أمرٌ مستغرب لو كان يقيم بمنزل للاجئين كما كان يخبرها. تحت إلحالها المستمر أخبرها بالحقيقة: لم يكن في منزل للاجئين.. لقد كان في السجن.
وحيداً ومريضاً في إيران ثمّ يائسًا بغابات اليونان
قبل أشهر، في صيف عام 2021، أخبر همايون ابنته، التي تدرس وتعيش في برلين، أنه سيغادر إيران متوجهًا إلى ألمانيا، إذ كان همايون، الذي يعاني من وضع صحي صعب وفقد عمله بتطوير البرمجيات في إيران، يعيش بمفرده بعد سفر ابنتيه منذ نحو سنتين، ووفاة زوجته قبل عقد من الزمان.
لكنه لم يستطع الحصول على تأشيرة للم شمل الأسرة، وعلم أن الطريقة الواقعية الوحيدة التي تمكنه من الوصول إلى ألمانيا كانت عبر الطرق غير القانونية.
مثل العديد من المهاجرين الذين سبقوه، شق همايون طريقه إلى تركيا مع خطط للعبور إلى اليونان. وبعد حوالي ثلاثة أسابيع، وجد شخصًا قال إنه يمكنه تهريبه عبر الحدود.
دفع همايون نصف المبلغ قبل الرحلة، ووعد بدفع الباقي عندما يصلوا إلى اليونان، حيث خطط للقاء ابنته، وبعد ثلاثة أيام في غابة إيفروس، حيث من المعروف أن العديد من المهاجرين يختبئون قبل عبور الحدود اليونانية، أحضر أحد المهربين همايون وسبعة أشخاص آخرين إلى سيارة، وأخبر هومايون أنه سيحتاج إلى القيادة بقية الطريق إلى "تسالونيكي" باليونان، إذ تم اختياره كسائق لأنه دفع نصف السعر فقط وكان أكبر سناً من الآخرين.
زود المهرب همايون بجهاز لتحديد المواقع ليرشده بالرحلة، وأخبره أنه سيقود المجموعة برحلة عبر الحدود مدتها ساعتين تقريبًا، ريثما يصلوا إلى مكان حيث ينتظرهم مهرب آخر.
بحسب ماهيتاب، ابنة همايون، فإن والدها "كان خائفًا، لكن لم يكن هناك الكثير ليفعله"، خاصةً بعد قضاء أيام من المعاناة في غابة إيفروس دون طعام أو ماء أو مكان آمن للنوم، لذا كان جميع من في الرحلة متشوقين لإنهاء الرحلة إلى أوروبا.
لا يمكن العثور على الشهود
بينما كانت السيارة التي يقودها همايون على وشك الوصول إلى "تسالونيكي"، أوقفتهم الشرطة، وأمرت جميع الركاب بالخروج من السيارة.
رغم شهادة جميع الركاب بأن همايون يقود السيارة فقط ولم يكن هو من نظم الرحلة، إلا أن الشرطة سمحت للركاب الآخرين بمتابعة طريقهم بينما احتجز همايون وبقي بالسجن من ذلك الوقت.
وبعدما ترك باقي الرقاب لمتابعة مسيرهم أصبح من الصعب جدًا تحديد أمكنتهم، رغم أنهم يمكن أن يكونوا بمثابة شهود رئيسيين في المحاكمة.
لم يخبر همايون ابنته على الفور عن وضعه لأنه لم يعتقد أن الوضع سيستمر لفترة طويلة، لأنه كان يعلم بأنه بريء، واعتقد أنه سيخرج في غضون أسابيعٍ قليلة.
كذلك اعتقدت ماهيتاب نفس الشيء بمجرد سماعها بما حدث، وعندما جاءت محاكمة همايون، كانت ماهيتاب متفائلة: "كانت لدي جميع الوثائق، وتذاكر الطيران الخاصة به، إذ كيف يمكن لشخص ما تنظيم رحلة عندما لا يكون في تركيا؟ بينما قال كل من في الغرفة إنه من الواضح أنه لم ينظم الرحلة".
وتضيف ماهيتاب لمهاجر نيوز: "لقد اعتقدت أن كل هذا كان نوعًا من سوء الفهم، والآن، بدعم من المنظمات غير الحكومية والمحامي الذي اتصلت به لتولي القضية، اعتقدت أن الأمور ستنتهي من تلقاء نفسها.. لكن لم يؤثر أي من هذه المنظمات أو المحامي ولم يلعبوا أي دور بالإفراج عنه".
تم تحديد محاكمة همايون بعد عام من احتجازه الأصلي، في سبتمبر/أيلول 2022، بينما كانت إجراءات المحاكمة باللغة اليونانية، وكان على ماهيتاب والمحامي تنظيم خدمات الترجمة بأنفسهم.
وفي النهاية، تم تخفيض الحكم على همايون إلى 18 عامًا بتهمة التهريب، فيما اضطرت ماهيتاب إلى العودة لبرلين، أما والدها فعاد إلى السجن.
ناشطة بحكم الظروف
ومن المرجح إجراء محاكمة ثانية لهمايون في ربيع عام 2024، وهو موعد تأخر كما بالمحاكمة الأولى لأكثر من نصف عامٍ تقريبًا، فيما تتوقع ماهيتاب أن يتم تأجيل حتى هذا الموعد.
بينما تركت الابنة بوضعٍ نفسي صعب، وأثرت ضغوط الوضع على دراساتها، وقالت ماهيتاب لمهاجر نيوز إن "صحة والدي العقلية تأثرت أيضاً. وعلى الرغم من إخباره بأني أريد زيارته، إلا أنه لا يريدني أن أقوم بذلك لأن الظروف في السجن سيئة للغاية.. هذا ليس من عادة والدي، فهو عادةً ما يرغب برؤيتي".
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، وجدت ماهيتاب نفسها مجبرة بشكل أو بآخر على التحول لناشطة في محاولة لنشر الوعي حول قضية والدها. حتى أصحبت حملتها تحظى بدعم نحو 50 منظمة غير حكومية من جميع أنحاء أوروبا، ما مكنها من الوصول إلى جميع الموارد المتاحة لتلقي المساعدة في قضية والدها، وجعل القضية عنوانًا للعديد من التقارير الإخبارية في جميع أنحاء ألمانيا.
وبفضل مبادرتهم، مُنح همايون جائزة في حفل أقيم في برلين لدعم موضوع الهجرة، في وقت سابق من هذا الصيف، رغم أنه لا يزال مسجونًا.
"آلاف همايون في جميع أنحاء أوروبا"
موريس ستيرل، الباحث في شؤون الهجرة في جامعة أوسنابروك في ألمانيا، وصف حالة همايون بأنها "غير عادية"، ليس لأنها غير شائعة، ولكن بسبب حجم الاهتمام الذي حظيت به بسبب جهود الحملات التي بذلتها ماهيتاب.
وقال ستيرل لموقع مهاجر نيوز: "هناك الكثير مثل همايون يقبعون في السجون الأوروبية، لقد أصبح تجريم المهاجرين الذين يقومون بالنقل، أمرًا ممنهجًا بشكل متزايد على مر السنين."
وشدد ستيرل، الذي أسس أيضًا الخط الساخن لمنظمة غير حكومية تدعى Alarm Phone لإنقاذ المهاجرين في البحر، على أنه من أجل تبرير تجريم أشخاص مثل همايون، غالبًا ما تسيء السلطات تفسير أشكال معينة من النشاطات الخفيفة، مثل قيادة السيارة أو قيادة القارب أو حمل الهاتف، أو إرسال نداء الاستغاثة، التي تصنف على أنها كمؤشرات للتورط بالتهريب، مضيفًا "لقد تزايدت هذه المحاولات لتجريم الأشخاص المساعدين بالنقل، بينما من الواضح بشكل صارخ أن الغالبية العظمى من هذه القوارب لا يوجد على متنها أي مهرب رسمي".
رادع مضلل
ووفقًا لتقرير بوردرلاين أوروبا الذي نشر في تموز/ يوليو، تم احتجاز أكثر من 2150 شخصًا في السجون اليونانية وحدها بتهمة التهريب في شباط/ فبراير من هذا العام. الغالبية العظمى من هذه الحالات لا يتم الإعلان عنها.
والغرض من هذه العقوبات بحسب ستيرل، لكي تكون أولاً كطريقة لمحاولة تخويف المهاجرين من الشروع في رحلات عبر الحدود من خلال جعل الأشخاص المساعدين بالتنقل عبرة للآخرين، وأن أمرهم سيصل لنهاية محسومة لمجرد تواجدهم بالمكان الخطأ في الوقت الخطأ، وثانيًا إنها وسيلة للحكومات لإظهار أنها تتخذ إجراءات ضد الهجرة غير النظامية من خلال تضييق الخناق على التهريب، حتى لو كان عدد المهاجرين الذين يدخلون الحدود آخذاً في الازدياد بالفعل.
وأضاف ستيرل لـ"مهاجر ينوز": "أعتقد أن الحكومات الأوروبية تشعر أنه يتعين عليها إظهار أنها تفعل شيئًا ما، وهو أمر رمزي للغاية في كثير من الأحيان. ولكن بالطبع بالنسبة للأشخاص المساعدين بالتنقل أنفسهم، يعد الأمر مروعًا - حيث يتم تجريمهم لمدة 30 أو 40 أو 50 عامًا"، مشيرًا إلى أن مثل هذه الممارسات آخذة في الارتفاع في اليونان وإيطاليا على وجه الخصوص.
وبينما من المقرر إجراء محاكمة همايون في أبريل/نيسان 2024، يصف ستيرل ما يتعرض له همايون بـ"عقوبة غير عادية".
infomigrants
شكراً لك على مشاركة رأيك.. لنكتمل بالمعرفة