النمسا تدرس آلية تدخل في أسعار الطاقة تحسباً لصدمات جيوسياسية

تصاعدت في النمسا خلال الأيام الأخيرة المخاوف من ارتفاع جديد في أسعار الطاقة على خلفية التوترات الجيوسياسية، الأمر الذي دفع الأحزاب الحكومية، وخاصة حزبي الشعب النمساوي (ÖVP) والاشتراكي الديمقراطي (SPÖ)، إلى عدم استبعاد تدخلات في تسعير الطاقة، بينما أبدى معهد البحوث الاقتصادية النمساوي (WIFO)، من خلال مديره غابرييل فيلبيرماير (Gabriel Felbermayr)، انفتاحاً مشروطاً تجاه مثل هذه التدخلات في حال حدوث قفزات حادة في الأسعار. وفي المقابل، رفض حزب NEOS (الليبرالي) الفكرة، مؤكداً على أولويات تشريعية أخرى.

وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، خلال تقديمه للتوقعات الاقتصادية الصيفية المشتركة مع معهد الدراسات العليا (IHS) في فيينا يوم الخميس، صرّح فيلبيرماير بأنّ “آلية طوارئ ستكون فكرة جيدة، ولكن يجب أن تقتصر على حالات الطوارئ فقط”. وأوضح أن الارتفاعات الحادة في الأسعار عام 2022 كانت مرتبطة أيضاً بـ”مضاربات مبالغ فيها”، وحذر من أن “الشيطان يكمن في التفاصيل”.

كما نبه فيلبيرماير إلى أن بعض منتجي الطاقة قد يتعمدون تقليل الإنتاج من خلال عدم تشغيل عدد كافٍ من محطات الطاقة، مما يؤدي إلى شح في الإمدادات. وأضاف أن توقعات تقديم الدعم الحكومي قد ترفع الأسعار أكثر. ومع ذلك، اعتبر أن الهدف المتمثل في منع تكرار سيناريو 2022 بأسعاره الفاحشة “صحيح من حيث المبدأ”.

مراجعة صيفية إيجابية وتأكيد على خفض أسعار الطاقة

من جهته، شدد هولغر بونين (Holger Bonin)، رئيس معهد IHS، على أهمية خفض المستوى العام لأسعار الطاقة، معتبراً ذلك محورياً في التوقعات الاقتصادية التي تم تعديلها بشكل طفيف نحو الأعلى.

التوترات في الشرق الأوسط تُعيد أسعار الطاقة إلى الواجهة

جاءت هذه النقاشات في ظل تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران مؤخراً، والتي كانت لها انعكاسات مباشرة على أسواق النفط العالمية. وبرزت مخاوف من أن تؤدي إغلاق محتمل لمضيق هرمز من جانب إيران إلى قفز أسعار النفط إلى ما فوق حاجز 100 دولار للبرميل (نحو 85 يورو)، ما دفع النقاشات داخل الحكومة النمساوية إلى السطح مجدداً.

خطط لتعديل قانون الطاقة.. ولا جدول زمني محدد

في هذا السياق، أُفيد أن الائتلاف الحكومي (ÖVP وSPÖ) يبحث تعديل قانون الطاقة (Energiewirtschaftsgesetz) لضمان أسعار معقولة وتنافسية للكهرباء والغاز والتدفئة للأسر والقطاع الاقتصادي. إلا أن مصادر من المستشارية أوضحت أن جدولاً زمنياً محدداً لهذا التعديل لم يُعلن بعد.

تصريحات من قيادات الحكومة.. وانقسام في المواقف

قال المستشار كريستيان ستوكر (Christian Stocker) (ÖVP) يوم الثلاثاء إن “تدخلات في الأسعار يجب أن تكون ممكنة”، واعتبرها أداة مشروعة. وأضاف: “أسعار الطاقة من أهم مسببات التضخم، والنمسا تحتاج إلى أسعار معقولة وتنافسية. وإذا واجهنا زيادات حادة أو صدمات سعرية نتيجة التطورات الجيوسياسية، فسنتدخل.”

من جانبه، صرح نائب المستشار أندرياس بابلر (Andreas Babler) (SPÖ) بأنّ بلاده تحتاج إلى “آلية أزمة تحميها من الأسعار المرتفعة للطاقة”، مضيفاً: “لن نقبل بتحقيق أرباح زائدة على حساب السكان.” وأكد أن أخطاء الماضي، مثل تلك التي حدثت عام 2022 عقب الغزو الروسي لأوكرانيا وارتفاع أسعار الغاز بشكل حاد، “يجب ألا تتكرر”، ولفت إلى أن شركات الطاقة آنذاك حققت مكاسب مفاجئة بمليارات اليوروهات.

NEOS: لا محادثات حالياً حول تعديل القانون

رفض حزب NEOS الانضمام إلى هذا التوجه، موضحاً أنه “لا توجد محادثات حالياً بشأن تعديل قانون الطاقة”، كما اعتبر أن الأولوية في المرحلة الحالية يجب أن تكون لتنفيذ القوانين المخطط لها منذ فترة مثل قانون الطاقة الحرارية المتجددة (Erneuerbare-Wärme-Gesetz) وتشريعات أخرى تدعم مصادر الطاقة المتجددة.

إعادة التأكيد على البرنامج الحكومي

أشارت الحكومة أيضاً إلى البرنامج الحكومي القائم، والذي يتضمن العمل على “إصلاح آلية التسعير الأوروبية (Merit-Order) لضمان استقرار الأسعار”. كما ذُكر أن شركات الطاقة “ملزمة وفقاً لقانون الشركات بتحقيق مصالح عامة، بما فيها توفير طاقة بأسعار معقولة.”

تأثير محدود على المستهلكين حتى الآن

في سياق متصل، أوضح فولفغانغ أوربانتشيتش (Wolfgang Urbantschitsch)، عضو مجلس إدارة هيئة تنظيم الطاقة E-Control، خلال مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء، أن الارتفاع الأخير في أسعار الغاز نتيجة الهجوم على إيران لم ينعكس بعد على أسعار المستهلكين في النمسا. وأشار إلى أن تقلبات الأسعار قصيرة الأجل لا تؤثر على الأسعار النهائية للمستخدمين، ما لم تستمر لفترة طويلة.

وشدد أوربانتشيتش على أن الحل المستدام يتمثل في تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة مثل الغاز والنفط، قائلاً: “زيادة استقلالية الطاقة تحمينا من التعرض لصدمات الأسعار الناتجة عن النزاعات.” وأضاف أن تخزين الغاز في النمسا يسير على المسار الصحيح، حيث تم تخزين 60 تيراواط/ساعة (TWh) حتى الآن، وهو ما يعادل تقريباً استهلاك سنة كاملة (75 TWh).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى