النمسا مهددة بفرض رقابة مالية عليها من الاتحاد الأوروبي بعد ارتفاع العجز والدين العام
فيينا – INFOGRAT:
أكدت الخبيرة في الميزانية بمعهد البحوث الاقتصادية (WIFO)، مارجيت شراتزينشتالر، أن الحكومة النمساوية “لا تزال تمسك بزمام الأمور”، رغم التحديات المالية المتزايدة التي قد تجعل إجراء عجز مالي من قبل الاتحاد الأوروبي أمرًا لا مفر منه، يأتي ذلك بعدما فشلت محادثات تشكيل الائتلاف بين حزب الحرية النمساوي (FPÖ) وحزب الشعب النمساوي (ÖVP) في تجنب مثل هذا الإجراء، في حين أن الحكومة الحالية التي تضم حزب الشعب، الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPÖ) وحزب النيوز (NEOS) قد أدرجت هدف تجنب إجراء العجز المالي في برنامجها.
وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، كشفت بيانات صادرة عن هيئة الإحصاء النمساوية يوم الاثنين أن العجز في الميزانية لعام 2024 بلغ 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما وصلت نسبة الدين العام إلى 81.8%. وبهذا تتجاوز النمسا حدود معاهدة ماستريخت التي تحدد سقف العجز بـ 3% والدين العام بـ 60% من الناتج المحلي الإجمالي.
ورغم تخفيف قواعد العجز المالي في العام الماضي، مثل السماح بفترات أطول لتقليص الديون وأخذ الاستثمارات المهمة في الاعتبار، إلا أن النمسا قد تواجه إجراءً رسميًا من الاتحاد الأوروبي بشأن العجز المالي.
إجراء العجز المالي: آلية الاتحاد الأوروبي لمراقبة الديون
سبق أن خضعت النمسا لإجراء عجز مالي بعد الأزمة المالية العالمية، في محاولة لإعادة ميزانيتها إلى معايير ماستريخت. وتظل إمكانية بدء إجراء جديد قيد تقييم المفوضية الأوروبية، التي ستصدر في مايو تقريرًا عن الوضع الاقتصادي للدول الأعضاء. إذا تبين أن النمسا خالفت القواعد، قد توصي المفوضية مجلس وزراء المالية في الاتحاد الأوروبي ببدء الإجراء.
حاليًا، هناك ثماني دول تخضع لإجراءات العجز المالي، منها فرنسا، بولندا وإيطاليا، مما يجعل النمسا في حال انضمامها إلى القائمة ليست حالة استثنائية داخل الاتحاد الأوروبي.
حزب الحرية يعترض: “فقدان السيادة المالية”
يعارض حزب الحرية النمساوي (FPÖ) بشدة احتمال بدء الإجراء، محذرًا من “فقدان السيادة المالية” و”فرض وصاية من بروكسل”، غير أن الخبيرة شراتزينشتالر نفت هذه المخاوف، مشيرة إلى أن الإجراء يفرض فقط متطلبات تقارير موسعة، لكنه لا يفرض سياسات تقشف محددة من الاتحاد الأوروبي.
التزامات النمسا ضمن الإجراء المحتمل
إذا تم اتخاذ القرار بإطلاق الإجراء، فسيتعين على النمسا تقديم تقارير فصلية إلى بروكسل حول التقدم في تقليص العجز، كما قد تواجه غرامات مالية في حال عدم الامتثال أو الانحراف الكبير عن الخطط المتفق عليها، رغم أن الاتحاد الأوروبي لم يفرض مثل هذه الغرامات على أي دولة حتى الآن.
نقاش محتدم في الأوساط السياسية والاقتصادية
على الرغم من أن الإجراء يظل إداريًا بحتًا، إلا أن الجدل في النمسا حوله أخذ طابعًا عاطفيًا، حيث وصفته بعض الأحزاب بأنه “مشكلة سياسية حساسة”. يرى وزير المالية الجديد، ماركوس مارتر باور (SPÖ)، أن بدء الإجراء “ليس كارثة”، بينما أكدت سكرتيرة الدولة للشؤون المالية، باربرا أيبينغر-ميدل (ÖVP)، أن استبعاده لم يعد ممكنًا.
الجدل حول استراتيجيات التعامل مع العجز
يعتقد بعض الاقتصاديين أن الخضوع لإجراء العجز قد يكون أكثر فائدة للنمسا في الوضع الاقتصادي الحالي، إذ سيمنحها مرونة أكبر في تقليص العجز بمرور الوقت. ويشير رئيس المجلس المالي، كريستوف بادلت، إلى أن الإجراءات التقشفية الصارمة قد تضر بالنمو الاقتصادي وتؤدي إلى مزيد من العجز.
من جانبه، دعا هانو لورينز، نائب مدير مركز الأبحاث الليبرالي “أجندة النمسا”، إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية عاجلة بدلًا من زيادة الديون، مشددًا على أن تقليل الإنفاق لا يعني بالضرورة خنق الاقتصاد.
الأسواق المالية: لا مخاوف كبيرة بشأن الفوائد
رغم بعض المخاوف بشأن تأثير الإجراء على سمعة النمسا في الأسواق المالية، يرى الخبراء أن تأثيره على أسعار الفائدة سيكون محدودًا، فقد صرح الخبير الاقتصادي في “معهد المقارنات الاقتصادية” فيينا، فيليب هايمبرغر، بأن وكالات التصنيف الائتماني قد تخفض تصنيف النمسا بسبب التوقعات الاقتصادية المتدهورة، لكن ليس بسبب الإجراء ذاته.
كما أكد ماركوس ستيكس، رئيس وكالة التمويل الفيدرالية النمساوية، أن المستثمرين لا يعتمدون فقط على التصنيفات، بل يراقبون أيضًا الأداء الاقتصادي الفعلي للبلاد.
النظرة المستقبلية: فرصة للإصلاحات أم ضغط مالي إضافي؟
بينما يرى بعض الاقتصاديين أن الخضوع لإجراء العجز المالي قد يوفر مرونة أكبر للإصلاحات المالية، يعتقد آخرون أن تجنب الإجراء عبر خفض النفقات سيكون الخيار الأفضل. في جميع الأحوال، ستظل الحكومة النمساوية أمام تحديات كبيرة في إدارة الأزمة المالية، سواء خضعت للإجراء أم لا.



