النمسا وأوروبا على شفا ركود اقتصادي بسبب الرسوم الأمريكية الجديدة

حذّر خبراء اقتصاد من تداعيات كارثية على الاقتصاد العالمي إثر فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسومًا جمركية جديدة، واعتبروا أنها تمثل منعطفًا في تاريخ التجارة الدولية وتهديدًا مباشرًا للعولمة كما نعرفها

وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، اعتبر خبراء اقتصاديون أن الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس الأمريكي Donald Trump تمثل تدخلًا بالغ التأثير في مسار الاقتصاد العالمي، وسط تحذيرات من أضرار جسيمة قد تلحق بالنمو العالمي، لا سيما إذا طال أمد ما بات يُوصف بـ”الحرب التجارية”. وذهب بعض الخبراء إلى اعتبار هذه الخطوة بداية نهاية العولمة بشكلها الحالي. وقال مدير معهد البحوث الاقتصادية النمساوي Gabriel Felbermayr، يوم الخميس، إن “الرسوم الجمركية الأمريكية لا تعني شيئًا جيدًا”.

انعكاسات متوقعة: تباطؤ النمو وارتفاع الأسعار

رغم أن كل الأبعاد الكاملة للتأثيرات لم تتضح بعد، إلا أن هناك اتفاقًا بين المتخصصين حول بعض النتائج المؤكدة: فارتفاع الرسوم الجمركية يزيد من تكلفة التجارة الدولية، ويخلق حالة من اللايقين في الأسواق، ويؤدي إلى زيادة أسعار السلع للمستهلكين، ويُبطئ وتيرة النمو الاقتصادي.

كما تتزايد احتمالات ركود عالمي، إذ أن نقل مواقع الإنتاج لتفادي الرسوم قد يؤدي إلى اختلال في سلاسل التوريد. وبالنسبة للقطاعات المعتمدة على التصدير، فإن خسارة الطلبات المحتملة قد تترجم إلى تسريح للعمال.

تأثير مباشر على سوق العمل الأوروبي

وفي تصريحاته لإذاعة Ö1 النمساوية، أوضح Felbermayr أن تأثير الحرب التجارية في أوروبا سيظهر أولًا على سوق العمل، مستشهدًا بتداعيات محتملة على قطاع صناعة السيارات الأوروبية. وذكر أن انخفاض الطلب الأمريكي على المنتجات الأوروبية بسبب الرسوم قد يؤدي إلى وفرة في المعروض داخل أوروبا، ما قد يسبب انخفاضًا مؤقتًا في الأسعار. إلا أن الرد الأوروبي برسوم مضادة قد يعيد الأسعار إلى الارتفاع. وشدد على أن الرسوم “ضربة جديدة” للصناعة، داعيًا إلى عدم التسرع بردود فعل مفرطة، بل اعتماد نهج مدروس.

استهداف شركات التكنولوجيا الأمريكية

وفيما يتعلق بإجراءات الرد المحتملة، اقترح Felbermayr أن تركز أوروبا على شركات التكنولوجيا الأمريكية، مشيرًا إلى أن فرض ضريبة على الإيرادات الإعلانية الرقمية على مستوى الاتحاد الأوروبي قد يكون وسيلة فعالة “لضرب الأمريكيين حيث يؤلمهم”.

من جانبه، أعلن وزير الاقتصاد النمساوي Wolfgang Hattmannsdorfer (من حزب ÖVP) عن دعمه لهذا النهج يوم الأربعاء، مؤكدًا ضرورة توجيه الإجراءات نحو عمالقة التكنولوجيا الأمريكيين الذين يعتمدون بشكل كبير على سلاسل التوريد الآسيوية، من إنتاج الشرائح إلى تصنيع أجهزة مثل iPhone في الصين.

رسوم ضخمة وتداعيات عميقة

وكان ترامب قد أعلن، يوم الأربعاء، عن فرض رسوم جمركية بنسبة 20% على واردات من الاتحاد الأوروبي و34% على واردات من الصين، إلى جانب رسوم بنسبة 25% على واردات السيارات دخلت حيز التنفيذ. كما حدّد رسومًا دنيا بنسبة 10% على واردات من جميع دول العالم. وأكد وزير التجارة الأمريكي Howard Lutnick يوم الخميس لشبكة CNN أن ترامب لن يتراجع عن هذه الرسوم.

توقعات بتباطؤ الاقتصاد النمساوي والعالمي

وفق تقديرات أولية من معهد الدراسات العليا (IHS) في فيينا، ستؤدي الرسوم الأمريكية الجديدة إلى تراجع في النمو الاقتصادي النمساوي لعامي 2025 و2026 بنحو 0.2 نقطة مئوية. ومن المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.4% في عام 2025، ما سيفاقم من عجز الموازنة العامة. وأشار Klaus Weyerstrass، خبير التجارة الخارجية في IHS، إلى أن التباطؤ الاقتصادي العالمي إضافة إلى الرسوم سيؤثران سلبًا على النمسا.

تغيير في تدفقات التجارة

توقع صندوق النقد الدولي في يناير 2025 أن يبلغ نمو الاقتصاد العالمي 3.3%. لكن Weyerstrass يتوقع أن تؤدي الرسوم الأمريكية إلى تراجع هذا النمو بنسبة تتراوح بين 0.2 و0.3 نقطة مئوية هذا العام، وبنسبة 0.5 نقطة مئوية في عام 2026.

كما حذر الخبراء من أن السياسة الجمركية الأمريكية قد تؤدي إلى تحويل مسارات التجارة العالمية، ما قد يتسبب في تدفق كميات إضافية من البضائع الآسيوية إلى أوروبا. وقد طالب اتحاد التجارة النمساوي بإلغاء الإعفاءات الجمركية للبضائع التي تقل قيمتها عن 150 يورو.

خطر داهم على الصناعات الرئيسية

حذر معهد الاقتصاد الدولي في فيينا (wiiw) من تعمق الركود في النمسا. وقال Robert Stehrer، الخبير في التجارة، إن الرسوم الجمركية بنسبة 20% ستؤدي إلى انخفاض صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة، مما سيؤثر سلبًا على المنتجين النمساويين، خصوصًا في ظل تسجيل نمو سلبي بالفعل. ووفق Stehrer، تشكل صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة حوالي 7% من مجمل صادراته.

كما حذر المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية (DIW) من احتمال انخفاض صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة على المدى الطويل إلى النصف، مع تداعيات على صناعات رئيسية مثل الدواء، ومعدات النقل، والسيارات، والإلكترونيات.

لحظة فاصلة في تاريخ التجارة العالمية

أوضح Sebastian Dullien، المدير العلمي لمعهد الاقتصاد الكلي والبحوث الاقتصادية (IMK)، أن هذا اليوم قد يُسجل في التاريخ كنقطة تحول، قائلًا: “الرسوم الأمريكية بلغت مستويات لم نشهدها منذ 100 عام”، مضيفًا أن هذه الحرب التجارية “قد تمثل نهاية العولمة كما نعرفها”.وتوقع Dullien أيضًا فقدان الولايات المتحدة لدورها المحوري في التجارة العالمية. وفي السياق ذاته، وصف Moritz Schularick، رئيس معهد كيل للاقتصاد العالمي (IfW)، الحزمة الجمركية الأمريكية بأنها “صدمة قاسية للاقتصاد العالمي”، مضيفًا: “إنها لحظة مؤلمة – حتى للأمريكيين أنفسهم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى