ايران تستغل معابد الشيعة وشخصيات سياسية ووسائل اعلام نمساوية كواجهة لتوسيع نفوذها

نشرت هيئة حماية الدستور النمساوية بتاريخ 27 مايو تقريرًا شاملاً حول الإرهاب والأنشطة الاستخباراتية التي ينفذها نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وسعيه المستمر نحو امتلاك أسلحة نووية، كاشفةً عن تفاصيل دقيقة توضح مدى التهديد الذي تشكله إيران لأمن النمسا وأوروبا عامة.

نشاط استخباراتي مكثف لحماية النظام وقمع المعارضة

أفاد التقرير بأن أجهزة الاستخبارات الإيرانية الناشطة في النمسا تسعى بشكل أساسي إلى حماية النظام الإيراني من التهديدات المحتملة، وذلك من خلال تحديد ومراقبة المعارضين السياسيين ووسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية والأقليات. كما تبحث هذه الأجهزة عن وسائل لقمع هذه الأصوات أو إسكاتها، سواء عبر الترهيب أو أساليب أخرى.

ويبرز في هذا السياق الدور المحوري الذي تؤديه السفارة الإيرانية في فيينا، التي تُعد واحدة من أكبر السفارات التابعة للجمهورية الإسلامية الإيرانية في أوروبا. وأوضح التقرير أن ضباط الاستخبارات يختبئون خلف غطاء مناصب دبلوماسية داخل السفارة، مستفيدين من الحصانة الدبلوماسية التي تشكل درعًا ضد الملاحقة القانونية. ويُسهّل هذا الغطاء تنفيذ أنشطة استخباراتية معقدة، مثل ما حدث مع أحد “المستشارين” السابقين في السفارة، الذي كان يعمل لصالح وزارة الاستخبارات الإيرانية، ويشغل منصب ضابط ورئيس محطة يشرف على شبكة من العملاء المنتشرين في عدة دول أوروبية.

وكشف التقرير عن أن هذا الضابط خطط لهجوم إرهابي حكومي كان يستهدف مؤتمرًا للمعارضة الإيرانية نُظم في ضواحي باريس بتاريخ 30 يونيو 2018، غير أن الأجهزة الأمنية أحبطت الهجوم. وأبرز التقرير هذه الواقعة كمثال على الدور المحوري الذي تلعبه السفارة الإيرانية في فيينا كمركز رئيسي للأنشطة الاستخباراتية الإيرانية في أوروبا، وكذلك كمؤشر خطير على حجم التهديد الذي تشكله أجهزة الاستخبارات الإيرانية.

المراكز الشيعية كأدوات قوة ناعمة

أشار التقرير إلى امتلاك إيران عددًا كبيرًا من المعابد الشيعية في أوروبا، تقع في مدن مثل فيينا، لندن، باريس، ستوكهولم، كوبنهاغن، وسراييفو. وتُستخدم هذه المراكز كأدوات للقوة الناعمة، تخدم مصالح النظام الإيراني، حيث توفر غطاءً دينيًا وثقافيًا يُستغل لتبرير النظام الاستبدادي القائم. كما تستخدم الدولة الإيرانية الممارسات الدينية المشروعة لتوفير قاعدة أيديولوجية تدعم أهداف النظام وتُسهم في ترسيخ سلطته.

سجل دموي من الاغتيالات والهجمات في أوروبا

وخلال أكثر من 45 عامًا منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، استهدفت أجهزة الاستخبارات الإيرانية ووكلائها حول العالم أشخاصًا يُنظر إليهم على أنهم تهديد للسلطة، أو كأهداف لعمليات انتقامية. وشملت هذه الاستهدافات المراقبة، التهديد، الاختطاف، الإصابة أو القتل، ووقع العديد منها في قلب أوروبا.

وفي قسم خاص من التقرير بعنوان “الوكلاء بالنيابة في شبكة الاستخبارات الإيرانية”، رصد التقرير تطور أساليب إيران الإرهابية، موضحًا أن الفترة الممتدة من الثورة وحتى تسعينيات القرن الماضي شهدت تنفيذ عدد من الاغتيالات التي استهدفت معارضين في أوروبا. وقد تم توجيه الاتهام للمسؤولين عن هذه العمليات، وأُثبتت صلتهم المباشرة بالنظام الإيراني.

إلا أن التقرير يلفت إلى تحول استراتيجي لاحق، حيث بدأت الشبكات الإجرامية تدريجيًا في تولي مهمة تنفيذ الهجمات العنيفة بدلًا من الأجهزة الإيرانية الرسمية. وتشمل هذه الشبكات جماعات الجريمة المنظمة، كارتلات المخدرات، ميليشيات موالية لإيران، منظمات إرهابية، ومجرمين أفراد وأعضاء عصابات يتصرفون كوكلاء نيابة عن النظام.

وتتم العديد من هذه العمليات عبر وسائط لتفادي الكشف أو الربط المباشر بأجهزة الاستخبارات الإيرانية، كما أن غالبية هذه الهجمات تُخطط من داخل إيران، ما يحمي المنفذين من الاعتقال والإدانة.

واجهات مدنية تُستخدم لجمع المعلومات

كشف التقرير أن النظام الإيراني يستخدم مؤسسات مدنية تبدو غير ضارة، مثل مكاتب شركات الطيران، الأندية، وكالات الأنباء، فروع الشركات، البنوك والمراكز الثقافية، كواجهات لأنشطة سرية أو مرتبطة بجمع المعلومات والتأثير بما يتماشى مع أيديولوجيا النظام الإيراني.

وأكدت الهيئة أن النظام الإيراني بات يعتمد بشكل متزايد على أساليب غير مباشرة لمواجهة أعدائه الأقوياء، معتبرة أن الهجمات الإرهابية أداة فعالة لبث عدم الاستقرار، واستعراض القوة، وتنفيذ أعمال انتقامية، لا سيما في أوروبا. ومن بين أكثر من 200 هجوم جسدي موثق منذ عام 1979 نُسبت إلى النظام الإيراني، وقعت أكثر من 100 هجوم داخل أوروبا، ويعود حوالي نصفها إلى الفترة ما بين 2021 و2024، ما يدل على تصاعد هذا النمط العنيف من السلوك.

تطور برنامج التسلح النووي

وفي القسم الأخير، سلط التقرير الضوء على سعي الجمهورية الإسلامية إلى إعادة تسليح شاملة من خلال تطوير برنامجها النووي. واعتبر التقرير أن امتلاك أسلحة نووية يُعد وسيلة استراتيجية لضمان مناعة النظام، وتوسيع هيمنته إقليميًا ودوليًا. وأكد أن برنامج تطوير الأسلحة النووية الإيراني أحرز تقدمًا كبيرًا، مشيرًا إلى توفر ترسانة من الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية لمسافات طويلة.

ورغم الجهود الدولية لردع إيران عبر العقوبات والاتفاقيات، فإن النظام الإيراني لا يزال مستمرًا في تطوير الأسلحة وأنظمة إيصالها على نطاق واسع.

وتضطلع أجهزة الاستخبارات الإيرانية بمهمة إنشاء وتنفيذ بنى تحتية تُستخدم للالتفاف على العقوبات، بغرض تأمين المعدات والتقنيات المرتبطة بتوسيع الأسلحة النووية، بما في ذلك المواد اللازمة لصنع أسلحة دمار شامل. وتُستخدم في ذلك شركات وهمية وشبكات تغطية داخل وخارج إيران، تعمل لخدمة أهداف التوسع النووي.

وبأوامر من النظام، تعمل هذه الأجهزة على تأمين التكنولوجيا، المواد ذات الاستخدام المزدوج، والخبرة التقنية اللازمة لتصنيع أسلحة الدمار الشامل وأنظمة إيصالها، دعمًا لطموحات الجمهورية الإسلامية.

وأشار التقرير إلى مؤشرات جديدة في مجال الانتشار النووي، منها تزايد طلبات التوظيف المقدمة من إيرانيين إلى شركات نمساوية تنشط في مجالات الصناعات المعدنية والهندسة الكهربائية، ويُعتقد أن هذه الخطوة تهدف إلى الوصول إلى معرفة حساسة تفيد في البرنامج النووي العسكري الإيراني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى