تحذيرات من أزمة طويلة: هل تدخل النمسا أسوأ فتراتها الاقتصادية منذ الحرب؟
فيينا – INFOGRAT:
سجّلت النمسا في عام 2024 تراجعاً اقتصادياً آخر، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.2% بعد انخفاضه بنسبة 1% في عام 2023، وتفاقم هذا الانكماش خلال النصف الثاني من العام الماضي، وما زالت تداعياته مستمرة حتى الآن.
وبحسب التوقعات الاقتصادية لمعهد الأبحاث الاقتصادية (Wifo)، فإن الاقتصاد النمساوي سيواصل تراجعه خلال عام 2025، ليكون بذلك في ثالث عام ركود متتالٍ، وهو أمر لم تشهده أي دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي أو منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بنفس الحدة، وفقاً لرئيس المعهد غابرييل فيلبيرماير.
ركود غير مسبوق يضع خطط الحكومة أمام تحديات كبيرة
هذا التراجع الحاد أربك خطط الميزانية للحكومة الجديدة، إذ قد تحتاج النمسا إلى توفير ما يصل إلى 12.8 مليار يورو بدلاً من 6.4 مليارات يورو المقررة سابقاً، لتحقيق نسبة العجز المسموح بها وفقاً لمعايير “ماستريخت” والتي لا يجب أن تتجاوز 3% من الناتج المحلي الإجمالي، كما تواجه البلاد احتمال الخضوع لإجراءات عجز مفرط من قِبَل الاتحاد الأوروبي.
وقال فيلبيرماير في تحذير صريح يوم الخميس:
“لم يسبق في تاريخ النمسا ما بعد الحرب أن استمر الانكماش الاقتصادي لهذه الفترة الطويلة، إذا لم يتم تنفيذ إصلاحات هيكلية جريئة، فإننا نواجه خطر عقد ضائع بأكمله”.
تراجع الدخل القومي رغم ارتفاع دخول الأفراد
بحلول عام 2025، سيكون الناتج المحلي الإجمالي قد انخفض بنسبة 2.5% مقارنة بعام 2022، أي بمعدل 4% لكل فرد من السكان. ووفقًا لفيلبيرماير، فإن الأداء الاقتصادي الحقيقي تراجع بمقدار 1,700 يورو لكل شخص.
ورغم انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، فإن الدخل الفردي المتاح في ارتفاع، وهو ما يصفه الخبير الاقتصادي بأنه “وهم اقتصادي”، مشيراً إلى أن هذا النمو في الدخل لا يستند إلى تحسن الإنتاجية الفعلية، بل إلى تدخلات حكومية وإجراءات دعم من الشركات.
“حتى الآن، تحملت الدولة والشركات عبء حماية الأسر من تأثيرات الأزمة، لكن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر إلى الأبد.”
بصيص أمل: انتعاش اقتصادي مرتقب في النصف الثاني من 2025
على الرغم من هذا السيناريو القاتم، فإن توقعات (Wifo) تشير إلى بداية انتعاش تدريجي في الاقتصاد بدءًا من منتصف عام 2025، حيث يتوقع الخبير الاقتصادي ماركوس شايبليكر أن تتجاوز النمسا حينها أطول فترة ركود في تاريخ الجمهورية الثانية.
ومن المتوقع أن يعود بعض الزخم إلى الاقتصاد، مع دخول البلاد في مرحلة نمو معتدل. لكن مدى قوة هذا التعافي سيعتمد إلى حد كبير على العوامل الاقتصادية الدولية غير المستقرة.
أزمة المناخ: هدف الحياد الكربوني 2040 يتراجع عن مساره
وبالإضافة إلى التحديات الاقتصادية، تتخلف النمسا بشكل متزايد عن تحقيق هدفها في الوصول إلى الحياد المناخي بحلول عام 2040. وعلى الرغم من التزام كل من الحكومة السابقة والجديدة بهذا الهدف، إلا أن الفجوة بين الواقع والخطط البيئية قد اتسعت إلى 25% عن المسار المطلوب.
وسط هذه التحديات المتعددة، تبقى التساؤلات قائمة حول مدى قدرة النمسا على تنفيذ الإصلاحات الضرورية، واستعادة نموها الاقتصادي، وتحقيق أهدافها المناخية في المستقبل القريب.



