سقف للإيجارات وتمديد العقود المؤقتة.. هل تحقق الحكومة النمساوية توازنًا في سوق العقارات؟

أدرجت الحكومة النمساوية المستقبلية، المكونة من حزب الشعب النمساوي (ÖVP) والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPÖ) وحزب نيوس (NEOS)، موضوع “السكن الميسور التكلفة” في برنامجها، وبهذا السياق، سيتم إنشاء وزارة جديدة يشرف عليها زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أندرياس بابلر (Andreas Babler)، لأول مرة منذ سنوات، وستُعنى بشؤون الإسكان إلى جانب الفن والثقافة والإعلام والرياضة، ورغم هذا المزيج غير المعتاد من الاختصاصات، يُنظر إلى الخطوة بإيجابية، ومع ذلك، يرى الخبراء أن بعض التدابير الواردة في البرنامج تمثل بداية جيدة، بينما تحتاج أخرى إلى مزيد من التطوير.

وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، تلقى البرنامج الحكومي، الذي قُدم يوم الخميس، آراءً متباينة، فقد صرّح خبير المعهد النمساوي للبحوث الاقتصادية (WIFO)، مايكل كلين (Michael Klien) قائلًا:
“هذا البرنامج لن يكون بمثابة قنبلة في سوق الإسكان، إذ لا يتضمن إصلاحًا جذريًا لقانون الإيجارات، وبالتالي لا يُتوقع أن تكون له تأثيرات ضخمة على سوق العقارات”.

وأضاف كلين، أن الاتجاه العام يسير نحو تعزيز حماية المستأجرين، وهو تطور إيجابي.

إحدى أبرز الإجراءات المخطط لها هي تحديد سقف لزيادة الإيجارات في السوق المنظمة خلال السنوات الثلاث المقبلة. واعتبارًا من عام 2028، سيتم تقييد زيادات الإيجار في جميع قطاعات الإسكان عند حد أقصى يبلغ 3%. وإذا تجاوز معدل التضخم هذا الحد، فسيتم تقاسم الزيادة بين الملاك والمستأجرين، بحيث يتحمل المستأجرون فقط نصفها، ويهدف هذا الإجراء إلى الحفاظ على السكن في متناول الجميع.

تأثير محدود بسبب العقود المؤقتة

رغم هذه الإجراءات، لا يُتوقع أن تحدث تغييرات كبيرة في السوق، حيث تُعزى معظم الزيادات في الإيجارات إلى تغيير العقود وليس إلى التعديلات داخل نفس العلاقة الإيجارية. وأوضح كلين أن العديد من العقود محددة المدة، وبالتالي غالبًا ما تُفرض زيادات جديدة عند توقيع عقود جديدة، وهو أمر لا تعالجه اللوائح الجديدة.

كذلك، فإن ما يُسمى بـ “مؤشر السكن”، الذي سيتدخل فقط في فترات التضخم المرتفع، قد لا يكون له تأثير كبير، خاصة إذا استقر التضخم في السنوات القادمة عند 2% إلى 3%.

إجراءات الحكومة: نتائج متباينة وفقًا للخبراء

من المقرر أيضًا أن يتضمن البرنامج الحكومي سقفًا للإيجارات، لكنه لن يشمل قطاع الإسكان الجديد، بل سيقتصر على الإيجارات الخاضعة لقانون الإيجارات النمساوي (MRG)، أي إيجارات الفئات، والإيجارات الموجهة، وأجزاء من الإسكان التعاوني. ووفقًا للخطة، لن يتم تطبيق أي تعديلات على الإيجارات هذا العام، وسيُسمح بزيادة 1% فقط في 2026 و2% في 2027.

لكن عدم تطبيق سقف الأسعار على قطاع الإسكان الجديد أثار انتقادات، لا سيما من قبل الجمعيات التعاونية السكنية. فوفقًا لهم، ستؤدي هذه الإجراءات إلى خسارة 160 مليون يورو من الاستثمارات في الفترة بين 2024 و2026، بينما يُستثنى الإسكان الخاص غير المنظم، الذي يُعتبر المحرك الرئيسي لارتفاع الأسعار، من أي تنظيم.

كما يرى خبير الإسكان فولفغانغ أمان (Wolfgang Amann) من معهد IIBW أن هذا يمثل مشكلة، حيث تحتاج الجمعيات التعاونية والبلديات إلى هذه الأموال لتمويل عمليات التجديد والصيانة.

الإبقاء على العقود المؤقتة مع زيادة الحد الأدنى للمدة

أحد التغييرات المهمة هو رفع الحد الأدنى للعقود المؤقتة إلى خمس سنوات. ومع ذلك، لا يُتوقع أن يؤدي ذلك إلى تقليل استخدام العقود المؤقتة، وفقًا لما ذكره كلين.

من جانبه، أكد الباحث الحضري روبرت تيميل (Robert Temel) أن هذه الخطوة تمثل تحسنًا لكنه غير كافٍ، مشيرًا إلى أن 75% من العقود الجديدة محددة المدة، مما يجعل من الضروري تقييد العقود المؤقتة بشكل أكبر.

ضرورة تخصيص موارد إضافية لتجديد المباني

يرى الخبراء أن هناك حاجة إلى التزامات أقوى في بعض المجالات، خصوصًا في قطاع التجديد والتحديث. فبينما ينص البرنامج الحكومي على تعزيز إزالة الكربون، وتحفيز التجديد الحراري-الطاقي، وتقديم حوافز لاستبدال أنظمة التدفئة، فإن مجرد “إجراء دراسة” حول حملة تجديد المباني لا يعد كافيًا، وفقًا لتيميل، بل يجب تخصيص ميزانيات مناسبة لضمان تنفيذ هذه المشاريع.

ضريبة الأراضي: مطلب لم يُلبَّى بعد

أحد أكبر العيوب في البرنامج الحكومي، بحسب أمان، هو عدم معالجة قضية الضرائب على الأراضي. فقد أشار إلى أن النمسا لديها واحدة من أدنى معدلات الضرائب على الأراضي في العالم، لكنها من بين الأعلى من حيث الضرائب على العمل. ويرى أن فرض ضريبة أعلى على الأراضي غير المستغلة يمكن أن يساعد في تنشيط السوق ومنع الاحتكار غير المنتج للأراضي، خاصة أن 20% من الأراضي المخصصة للبناء لم يتم استغلالها حتى الآن.

ردود فعل متباينة من الجمعيات العقارية

بشكل عام، تلقت الإصلاحات ردود فعل إيجابية إلى حد ما من الجهات الفاعلة في قطاع العقارات. فقد أشاد جيرالد غولنز (Gerald Gollenz)، رئيس اتحاد الوسطاء العقاريين والمستشارين الماليين (WKO)، ببرنامج الحكومة باعتباره “طريقًا وسطًا” يشمل العديد من المطالب الأساسية للقطاع.

أما اتحاد جمعيات البناء التعاونية (GBV)، فقد رحب بإعادة تخصيص أموال الدعم السكني، في حين دعت جمعية مطوري المشاريع العقارية النمساوية (VÖPE) إلى تنفيذ سريع للبرنامج.في المقابل، أعرب اتحاد ملاك العقارات (ÖHGB) عن استيائه من تحديد سقف للإيجارات، معتبرًا أن هذه الخطوة قد تؤثر على الاستثمارات المستقبلية في السوق العقارية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى