شبّيك لبّيك… والسعي بين يديك بقلم: لينا جرّار 

لم يكن مارد المصباح ليخرج، لو لم يحاول علاء الدين مسح الغبار عنه.

ولم يكن البساط ليحمله نحو ممالك بعيدة، لو لم يمتلك الكلمات التي تجعله ينصاع لها.

ولم تكن الحكاية لتُروى، لو لم تكن هناك إرادة أولى، وجرأة على المحاولة.

في زاوية ما من هذا الكون، يغرق مصباحك في أَتْرِبَة الرتابة، ويُطفئ وهجه غبار التقاعس، بحجة “لم أجد فرصتي بعد”، وكأن الفرص مخلوقات خارقة تنزل من السماء بلا سابق إنذار، متناسياً أن السماء لا تمطر ذهباً، ولا تمنح عطاياها إلا لمن هيّأ أرضه ونثر البذار وصبر على طول انتظار الحصاد.

لينا جرار
كاتبة فلسطينية

إن انتظار أن تمطر سماؤك دون أن تُعدّ أرضك، لن يمنحك محصولًا، بل سيتركك ترتجف بردًا، وتتضور جوعًا، وتتذمّر من أرض لم تكن يومًا عاجزة، بل كنت أنت من تقاعس عن فلاحتها.

لكن، ورغم كل ما يعتريك من خمولٍ أو يأس، فإن الغيث لا ينقطع.

هو يتجدد

وتلك الأمطار التي تاهت في أعماق سحيقة، ستنبع من جديد، متى ما سعيتَ، ومتى ما أدركتَ أن الفرص التي تعبرنا كالغيم، وإن أمطرت!!لن تطرح قمحًا أو تمرًا، في أرضٍ لم تُهَيَّأ لاستقبالها.

في طريقنا نحو هدف موجَّه، علينا أن نفهم ما وراء الخطوات، لا أن نسير تائهين في زحام الأمنيات. التفاصيل التي نصادفها ليست عبثًا. العثرات، التأخيرات، وحتى الطرق الملتوية، كلها جزء من الحكاية. فالكون، باتساعه، لا يغلق أبوابه أمام من يسعى.

إنه يفتح نوافذه لمن يطرق، ويكشف أسراره لمن يصرّ على الفهم، ويتعلّم من أصغر الكائنات، كنملةٍ تجمع الحبّ في أيام الصيف، لا تزهو بما لديها، بل تُدرك أنها لو تهاونت لحظة، هلكت تحت وطأة الصقيع.

السعي ليس حركة جسد فقط، بل فعل وعي، وتمرين على الالتزام، وتدريب على الاستمرارية.

هو أن تنهض كلّما سقطت، وأن تزيل الغبار عن مصابيحك كلما طمرها الوقت أو نسيت وجودها.

هو أن لا تنخدع ببريق السرعة، بل تفهم أن البناء الحقيقي يبدأ من الداخل: من إدراكك لقدراتك، من تصالحك مع عثراتك، من اقتناعك بأنك لست بحاجة لمعجزة، بل لخطة، وصبر، وقلب لا يلين.

ما بين أول خطوة وآخر إنجاز، مسافة قد تطول، لكنها تروى بالعزيمة.

وما بينك وبين ذاتك المتحققة، سدود وهمية لن تزول إلا بإيمانك أنك تستحق الوصول.

فلتسعَ، ولو بدا الطريق موحشًا.

ولتجتهد، ولو كان الزمن قاسيًا.

ولتؤمن، بأن الله لا يخذل من سعى، ولا يضيع تعب من بذل.

السعي حياة

ومن لم يسع ويرتوِ من بئر التجربة، مات عطشًا وهو يظنّ أنه ينتظر غيمته التي تختبئ خلف أفاق لن يدركها!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى