فلول نظام الأسد في أوروبا بين العمالة والتلون والانفصام

منذ سنوات طويلة، وقبل أن يفر رأس النظام السوري هاربًا، تسللت إلى أوروبا مجموعات من الموالين للنظام، لكنهم لم يأتوا بحثًا عن الحرية أو الكرامة، بل جاؤوا بمهمة واضحة: التجسس على المعارضين السوريين وتشويه صورة اللاجئين. عملوا في الخفاء كأدوات للمخابرات، يراقبون كل صوت حر، ينقلون التقارير، ويبثون الدعاية الكاذبة عن الثورة وأهلها. كانوا الذراع الطويلة للنظام في الخارج، ينقلون تفاصيل حياة كل معارض يحاول بناء مستقبل جديد بعيدًا عن القمع والإذلال. كانوا يجلسون في المقاهي يراقبون الحركات، يسجلون الكلمات، ويرسلون الأخبار إلى السفارات. كانوا عيونًا للنظام في قلب الديمقراطيات الغربية، يعملون على ضرب أي تجمع سوري معارض يحاول بناء مؤسسات حرة تدافع عن حقوق السوريين. كانوا يتسللون إلى الفعاليات، يزرعون الفتن، ينشرون الشائعات، يطعنون في صدق مناضلي الثورة، ويشوهون سمعتهم.

وسيم محمد مطاوع
سوري مقيم في فيينا

لكن الأمر لم يقتصر على السوريين الموالين فقط، بل امتد ليشمل مجندين من لبنان والعراق، جندهم النظام في أوروبا. كانوا في السابق جزءًا من ميليشيات تقاتل مع النظام أو عملاء مخابرات يعملون لصالحه، ثم نقلوا إلى أوروبا ليواصلوا خدمتهم تحت غطاء آخر. بعضهم كان يعمل لصالح حزب الله، وبعضهم لصالح الميليشيات العراقية الموالية لإيران. جاءوا لاستكمال دورهم في ضرب المعارضين السوريين والتأثير على الرأي العام الأوروبي لصالح نظام الأسد. كانوا يروجون للدعاية الإيرانية، ولروايات النظام حول الثورة السورية، وينشرون نظريات المؤامرة حول اللاجئين والمعارضين.

لم يكتفوا بمراقبة المعارضين فقط، بل سعوا لإحداث الفوضى داخل المجتمعات الأوروبية، كي يتهم اللاجئون بعدم القدرة على الاندماج. أشاعوا العنف، افتعلوا المشاكل، وشاركوا في عمليات تهدف إلى زرع الفتنة ليوهموا الحكومات الغربية أن استقبال السوريين كان خطأ فادحًا. كانوا أشبه بخلايا نائمة تتحرك وفقًا لتوجيهات السفارات والمخابرات السورية والإيرانية وحزب الله في محاولة يائسة لضرب صورة الثورة وأهلها. حاولوا ربط اللاجئين بالإجرام، وأشاعوا أنهم سبب الجرائم والمشاكل في أوروبا، مع أن أغلب اللاجئين كانوا هاربين من جحيم الحرب، يبحثون عن حياة كريمة. لكن فلول النظام لا يعيشون إلا في المستنقعات، يريدون تعميم القذارة على الجميع. كانوا ينشرون الشائعات عن أن اللاجئين السوريين يتلقون دعمًا من منظمات مشبوهة، أو أنهم يستفيدون من المساعدات الأوروبية بشكل غير قانوني، ليؤلبوا الرأي العام ضدهم.

المفارقة أنهم كانوا يعيشون في دول تحترمهم، تمنحهم حقوقًا لم يحلموا بها في سوريا ولبنان والعراق. ورغم ذلك، ظلوا يمجدون الطغاة الذين لم يمنحوهم سوى الذل والخوف. كانوا يسكنون في أحياء آمنة، بينما يحاولون إقناع الأوروبيين أن اللاجئين إرهابيون يستفيدون من المساعدات، ومن التعليم المجاني، ومن الرعاية الصحية، بينما يروجون أن الغرب عدو متآمر. كانوا يتقاضون الرواتب من الحكومات الأوروبية، وفي نفس الوقت يدافعون عن أنظمة القتل والقمع. كانوا يسبحون في بحر النفاق، يكذبون كما يتنفسون. يصرخون بأن الغرب فاسد، بينما يعيشون فيه ويأكلون من خيراته. لم يذهبوا إلى روسيا أو إلى إيران، لم يعودوا إلى سوريا أو لبنان أو العراق، بل بقوا هنا متشبثين بأوراق إقامتهم التي حصلوا عليها بادعاءات كاذبة. بعضهم جاء على أنه لاجئ سياسي، بينما هو لم يعرف سوى التصفيق والتطبيل للطغاة.

لكنهم اليوم، وبعد أن سقطت ورقة التوت عن النظام، وبعد أن أدرك الجميع أن بشار الأسد مجرد دمية هاربة، يعيشون في صراع داخلي. فهم لم يعد لهم سيد يأمرهم، ولم يعد لديهم هدف واضح. يحاولون إعادة تدوير أنفسهم. بعضهم بات يتظاهر بأنه مع الثورة، وبعضهم لا يزال عالقًا في نفاقه. يلعن أوروبا في العلن، لكنه يتشبث بجنسيتها وإقامته في الخفاء. كانوا يقولون إن الغرب عدو، لكنهم لم يذهبوا إلى روسيا أو إيران، لم يعودوا إلى سوريا، ولا إلى الجنوب اللبناني، ولا إلى بغداد. بل بقوا هنا يلعنون أوروبا، بينما يرتجفون خوفًا من فقدان أوراق إقامتهم. بعضهم يحاول اليوم أن يندمج بهدوء في المجتمعات الأوروبية، يتظاهر أنه لا علاقة له بالنظام، بينما ماضيه مليء بالتقارير والوشايات على السوريين والعراقيين واللبنانيين المعارضين. بل إن بعضهم لا يزال على اتصال بالمخابرات العراقية والإيرانية، يتلقى الأوامر ليحاول بث الفوضى والتخريب داخل الجاليات الحرة.

الحقيقة أن هؤلاء بلا مبدأ، بلا قضية، بلا كرامة. هم مجرد أدوات احترقت، وسينتهي بهم الأمر كما انتهى بأسادهم في مزابل التاريخ. قد يستطيعون العيش فترة من الزمن بالتلون والخداع، لكن الحقيقة ستكشفهم واحدًا تلو الآخر. فلا يمكن لمن باع ضميره أن يعيش إلى الأبد دون أن ينكشف. فالتاريخ لا يرحم، والخيانة لا تمحى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى