فيينا الحمراء تخون مبادئها: تقشف يهدد “الحصن الاجتماعي” ويترك الأضعف خلف الركب
كشفت حكومة مدينة فيينا، بقيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPÖ) ونيوس (Neos)، عن برنامج تقشف واسع النطاق يطال بشكل خاص الفئات الأقل حظاً، من إعانات الحد الأدنى للمعيشة إلى المساعدات للمشردين وخدمات الرعاية الصحية. وقد أثار هذا البرنامج حالة من القلق والاستياء بين منظمات الإغاثة، ما يضع الوعد الذي رفعه حزب SPÖ – “بألا يترك أحداً خلف الركب” – على المحك، ويثير تساؤلات حول مدى التزام العاصمة النمساوية بتقاليدها الاشتراكية العريقة، بحسب صحيفة derstandard النمساوية.
خطة التقشف وتأثيرها على الفئات الاجتماعية
بدأ الجدل يتصاعد حول مدى حكمة و”حصافة” الإجراءات التي تتخذها حكومة المدينة، خاصة بعد تصريحات عضو مجلس المدينة للشؤون الاجتماعية، Peter Hacker، الذي أكد أن الاشتراكيين الديمقراطيين لن يتخلوا أبداً عن المبادئ التي تميز المدينة، مشيراً إلى أن التخفيضات التي فرضتها ضائقة الميزانية “تتم بعين فاحصة”.
1. المساعدة الاجتماعية (الحد الأدنى للمعيشة): تعتزم المدينة تخفيض النفقات على الحد الأدنى للمعيشة (المعروفة بـ Mindestsicherung أو Sozialhilfe) بنحو السدس، أي ما يقارب 200 مليون يورو، للعودة بها إلى ما دون المليار يورو في العام المقبل. ويتمثل أبرز المتضررين في مجموعة الحاصلين على الحماية الفرعية (subsidiär Schutzberechtigten)، وهم الأفراد الذين لم تعترف بهم الدولة كلاجئين ولكن تم قبولهم في النمسا.
- التأثير المباشر: اعتباراً من العام الجديد، سيحصل الفرد الواحد من هذه المجموعة على “الرعاية الأساسية” التابعة للحكومة الفيدرالية بقيمة 425 يورو شهرياً، بدلاً من 1209 يورو التي كانوا يحصلون عليها سابقاً من المساعدة الاجتماعية.
- التحذيرات: حذر المعنيون ومناصروهم من أن هذا التخفيض سيؤدي إلى وقوع الكثيرين في براثن الفقر وطردهم من منازلهم لعدم قدرتهم على دفع الإيجارات.
- رد المدينة: قال Stadtrat Hacker إن فيينا، إلى جانب ولاية Tirol، كانت الولايتين الوحيدتين اللتين ما زالتا تمنحان هذا المبلغ الأعلى، وهي تستضيف حالياً نحو 10.000 شخص من هذه الفئة. وأشار إلى أن المدينة لم يعد بإمكانها تعويض المهام التي تقع على عاتق جهات أخرى، مطالباً الحكومة الفيدرالية بوضع إطار جديد للضمان الاجتماعي تماشياً مع توجيهات الاتحاد الأوروبي الجديدة. ومن المتوقع أن يوفر هذا الإجراء على ميزانية المدينة 75 مليون يورو اعتباراً من عام 2026.
2. تخفيض مخصصات العائلات الكبيرة: تعتبر فيينا صاحبة المخصصات الإضافية الأكثر سخاءً ضمن المساعدة الاجتماعية. ولتقليل الانتقادات الموجهة من أحزاب FPÖ و ÖVP والإعلام الشعبي بأن هذه الإعانات تشجع طالبي اللجوء على تجنب البحث عن عمل، قررت المدينة تقليص هذه المخصصات.
- التغيير: حالياً، يمكن لعائلة مكونة من أبوين وثلاثة أطفال عاطلين عن العمل أن تحصل على دخل صافٍ يناهز 4000 يورو شهرياً بفضل المساعدة الاجتماعية وإعانة الإيجار والمخصصات الفيدرالية. في المستقبل، سيتم تخفيض هذا المبلغ بما يصل إلى 350 يورو.
- الهدف: يأتي هذا الإجراء تمهيداً لتوحيد المساعدة الاجتماعية على مستوى النمسا بالكامل، ما يتطلب من فيينا الاقتراب من المستوى الأدنى المطبق في الولايات الأخرى.
3. إيقاف الإعانات لمتلقي الدفعات الدائمة (المعاقين): سيتم إلغاء الدفعة الشهرية الإضافية (الشهر الـ 13) التي كانت تُمنح لمتلقي المساعدة الاجتماعية غير القادرين على العمل بشكل دائم، وهم غالباً من ذوي الإعاقة.
- التأثير: يمكن لهذه المجموعة أن تخسر ما يقارب 2900 يورو سنوياً، شاملاً طريقة حساب أقل ملاءمة لإعانة الإيجار.
- توضيح: يرى Hacker أن هذا التخفيض يبدأ من مستوى سخي لم يكن له مثيل في الولايات الأخرى، مؤكداً أن مستوى الخدمات الاجتماعية في فيينا سيبقى أعلى بكثير من بقية الجمهورية.
منظمات الإغاثة تحذر من التداعيات
أعرب مدير منظمة Caritas، Klaus Schwertner، عن صدمته من شمول التقشف حتى الخدمات الموجهة للمشردين، مشيراً إلى أن فيينا، بالتعاون مع المنظمات، كانت نموذجاً يحتذى به في توفير مأوى دافئ لكل مشرد.
- الإجراءات المتضررة: رغم توفير Fonds Soziales Wien (FSW) (صندوق فيينا الاجتماعي) لـ 1000 مكان إضافي ضمن “مساعدة الطوارئ الشتوية”، إلا أن وجبة الغداء الساخنة في هذه الملاجئ ستُلغى مستقبلاً.
- تحذير Schwertner: وصف الإجراءات بأنها “تحركات قصيرة الأجل تُنفَّذ في وضع من الذعر”، محذراً من أنها تفرض أعباء على الفئات التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها، ما يؤدي إلى “أزمات وجودية” وتحويل التكاليف على المدى المتوسط إلى قطاعات أخرى، مثل الرعاية الصحية.
- إغلاق مراكز الدعم: ستضطر منظمة Caritas لإغلاق مركزها الاجتماعي والنفسي الذي يعمل منذ 40 عاماً في شارع Wiedner Straße، بسبب توقف تمويل المدينة. كما ستشمل التخفيضات خدمات الإدمان والمخدرات، وخاصة المشاريع التي تساعد المدمنين على العودة إلى سوق العمل.
التهديد الذي يواجه “صندوق فيينا الاجتماعي” (FSW)
يُعد صندوق FSW المؤسسة المركزية التي تدير العديد من الخدمات الاجتماعية في المدينة، بدءاً من استشارات الديون والرعاية المنزلية وصولاً إلى مساعدة المشردين، بالإضافة إلى تمويل عدد كبير من المنظمات الشريكة.
- الضائقة المالية: خصصت المدينة لـ FSW زيادة في الميزانية بنسبة 1% فقط، في حين من المتوقع أن يتجاوز التضخم هذا العام 3%.
- المخاطر: حذر Schwertner من أن عدم تعديل رسوم الخدمات لتواكب التضخم سيخلق “فجوة هائلة”، ما يعني أن مقدمي خدمات الرعاية والإعاقة والخدمات الأخرى لن يتمكنوا من الحفاظ على نفس الجودة بسبب الانخفاض الفعلي في الموارد.
- رد Hacker: أعلن Hacker عن مناقشات قادمة مع المنظمات الشريكة حول كيفية “زيادة الكفاءة في ظل الميزانية المحدودة”، مشيراً إلى أن التخفيضات في فيينا تشبه تلك التي تحدث في الولايات التي يحكمها تحالف “الأسود-الأزرق” (المحافظون واليمين المتطرف).
إنهاء تمويل دورات اللغة الألمانية للاجئين
يعتزم صندوق FSW التوقف عن تمويل دورات اللغة الألمانية للاجئين، وذلك ضمن مبدأ Hacker الجديد لعدم الدفع مقابل ما هو مسؤولية جهات أخرى.
- التفاصيل: قام FSW العام الماضي بتمويل نحو 1700 مقعد في دورات اللغة. في العام المقبل، سيتم إنهاء هذه الدورات، مع استكمال الدورات الجارية حالياً.
- حجة المسؤولية: يجادل Hacker بأن المسؤولية تقع على عاتق “الصندوق النمساوي للاندماج” (ÖIF)، وهي مؤسسة فيدرالية تلقت أموالاً إضافية لهذا الغرض.
- رد ÖIF: رفض الصندوق النمساوي للاندماج انتقادات Hacker وأبدى “استغرابه” من قرار فيينا إلغاء الدورات، دون أن يبدي استعداده للتدخل.
النتيجة والوضع المالي للمدينة
تظهر مؤشرات الميزانية لعام 2026 أن مدينة فيينا تواجه تحديات مالية ضخمة.
- عجز الميزانية: على الرغم من بدء برنامج التقشف، من المتوقع أن يبلغ العجز 2.63 مليار يورو، مع إجمالي دين يناهز 15 مليار يورو. ويتوقع أن يسجل عجز عام 2025 وحده رقماً قياسياً قدره 3.25 مليار يورو.
- تبرير Hacker: يرجع Hacker الأزمة إلى التوقعات “الخاطئة بشكل دراماتيكي” للحكومة الفيدرالية السابقة بخصوص حصص الولايات من الإيرادات الضريبية العامة، مؤكداً أن “الخدمات الأساسية ستبقى دون مساس”.
انتقادات داخلية: علقت Tanja Wehsely، المدير الإداري لمنظمة Wiener Volkshilfe وعضو سابق في المجلس البلدي، بأن فيينا قررت “ألا تكون بعد الآن الـ ‘Depp’ (الأحمق) للأمة”، ما يعني أنها لم تعد “مختلفة في جميع الشؤون الاجتماعية”. وأضافت أن “هذا الملاذ الآمن والموثوق به سيفتقده المنظمات، وقبل كل شيء، الأشخاص الذين نرعاهم وندعمهم، وبشكل مؤلم”.



