ملف المساعدات الاجتماعية يكشف انقسام في مناظرة انتخابات مدينة فيينا

شهدت العاصمة النمساوية فيينا مساء أمس نقاشًا محتدمًا بين Spitzenkandidatinnen und -kandidaten – المرشحات والمرشحين الأبرز – خلال مناظرة “Elefantenrunde” التي بثتها هيئة الإذاعة النمساوية ORF، وذلك في إطار السباق الانتخابي لانتخابات مدينة فيينا المقرر إجراؤها في السابع والعشرين من أبريل الجاري، حيث تمحور الجدل حول قضيتي الأمن والميزانية وسط تباينات حادة في المواقف والرؤى.

وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، بدأت المناظرة بسؤال ترفيهي حول المعالم السياحية التي يود كل مرشح أن يكونها، وهو ما أضفى طابعًا خفيفًا في البداية. فقد عبّر زعيم حزب الشعب النمساوي (ÖVP) كارل ماهر (Karl Mahrer) عن رغبته في أن يكون برج الدانوب (Donauturm)، لأنه يتيح رؤية شاملة، أما زعيم حزب الحرية (FPÖ) دومينيك نيپ (Dominik Nepp) فقد اختار الأجواء الهادئة في مطاعم “Heurigen”، في حين فضّلت مرشحة حزب NEOS، بيتينا إميرلينغ (Bettina Emmerling)، تمثيل أسواق فيينا بشكل عام، فيما اختارت زعيمة حزب الخضر (Grünen) يوديت بوهرينغر (Judith Pühringer) “Brunnenmarkt” تحديدًا. أما زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPÖ) ورئيس بلدية فيينا الحالي، ميشائيل لودفيغ (Michael Ludwig)، فاختار كاتدرائية القديس إسطفان (Stephansdom) التي يترأس رعايتها الرمزية.

أزمة الميزانية: خلافات جوهرية

المناظرة تحوّلت سريعًا إلى ساحة حوار صاخب عندما طُرحت مسألة العجز في ميزانية فيينا، الذي يُتوقع أن يبلغ هذا العام 3.8 مليار يورو بدلًا من 2.2 مليار كما كان مقررًا، كارل ماهر (ÖVP) أعلن نيته، في حال فوز حزبه، مراجعة برامج الدعم والبدء بإصلاح إداري، أما يوديت بوهرينغر (الخضر) فأكدت رفضها التام لأي اقتطاع في مجالات الصحة والرعاية الاجتماعية.

دومينيك نيپ (FPÖ) رأى إمكانية التوفير في نظام المساعدة الاجتماعية، مشيرًا إلى أن هناك 700 مليون يورو تُصرف على غير المواطنين النمساويين المستفيدين من “Mindestsicherung” – المساعدات الاجتماعية الأساسية، وهاجم لودفيغ بسبب عدم تدخله في ضبط تكاليف الطاقة والسكن، وهو ما وافقته عليه يوديت بوهرينغر، مشيرة إلى تدخل حصل في ولاية النمسا العليا (Oberösterreich).

من جانبها، دافعت إميرلينغ عن سياسة فيينا في دعم من يحتاجون إلى المساعدة، لكنها طالبت بخفض تمويل الأحزاب السياسية وإلغاء مناصب المستشارين غير التنفيذيين كوسيلة للتوفير، لودفيغ أعاد أسباب العجز إلى قرارات اتحادية أثّرت سلبًا على فيينا، معلنًا عزم حكومته على توفير 500 مليون يورو هذا العام.

خلافات حول المساعدات الاجتماعية

الموضوع الأكثر إثارة للجدل كان “Mindestsicherung”، دومينيك نيپ طالب بحصرها في المواطنين النمساويين فقط، معتبرًا أن ذلك يخدم المحتاجين الحقيقيين، فيما دعا لودفيغ إلى حل موحد على المستوى الاتحادي، يشمل “Kindergrundsicherung” (ضمان الطفولة) و”Residenzpflicht” (شرط الإقامة الإقليمية)، مشددًا على أهمية توزيع اللاجئين بشكل عادل بين الولايات.

بيتينا إميرلينغ دعمت منح مزيد من “Sachleistungen” (المساعدات العينية) بدلًا من النقدية، مشيرة إلى “اختلال واضح” في النظام الحالي. أما ماهر، فدعا إلى منع حصول الحاصلين على حماية ثانوية (subsidiär Schutzberechtigte) على المساعدات الأساسية، واقترح منحهم دعمًا أوليًا فقط.

لودفيغ، إميرلينغ، وبوهرينغر شددوا على أن معظم الحالات تتعلق بأوضاع فردية، بينما رفضت الخضر فكرة شرط الإقامة. لكن بوهرينغر أكدت أن جميع الولايات يجب أن تتحمل مسؤولية استقبال اللاجئين.

اللغة والتكامل: إجماع نسبي على تقييم المهارات اللغوية

ملف التعليم وتعلم اللغة الألمانية كان أيضًا من المواضيع الساخنة. إميرلينغ، بصفتها مستشارة التعليم في فيينا، تحدثت عن التحديات الناتجة عن لم شمل الأسر واللاجئين الأوكرانيين، مشيرة إلى نجاحات مثل دورات اللغة الصيفية. وانتقدت وزارة التعليم الفيدرالية التي يديرها حزب ÖVP.

بوهرينغر اتهمت سياسة التعليم في عهد NEOS بعدم تحسين فرص الأطفال، لا سيما في رياض الأطفال. واقترحت أن تؤخذ معرفة الوالدين باللغة الألمانية في الاعتبار عند توزيع الأماكن المدرسية.

ماهر طالب بتقييم مستوى اللغة للأطفال بعمر ثلاث سنوات، وفرض تعليم إلزامي في رياض الأطفال لمن لا يجيدون الألمانية. نيپ أيّد تقييم اللغة لكنه عارض التعليم الإلزامي في رياض الأطفال، مقترحًا دورات ألمانية للأطفال وذويهم. لودفيغ وافق أيضًا على فكرة تقييم اللغة، ما عكس شبه إجماع على هذا الإجراء.

الأمن في فيينا: مقترحات متضاربة

لكن هذا الإجماع لم يدم طويلًا، إذ طغت الخلافات من جديد عند مناقشة الأمن العام. بوهرينغر طالبت بزيادة “Grätzelpolizei” – شرطة الأحياء – والمزيد من الأخصائيين الاجتماعيين، بالإضافة إلى تخطيط حضري يراعي النساء ويمنع نشوء مناطق يشعرن فيها بالخوف.

لودفيغ أشار إلى تفاقم الجريمة بين الأطفال والمراهقين، مبيّنًا أن هناك حوالي 50 طفلًا دون سن 14 ارتكبوا مئات المخالفات، ويجب إبعادهم عن الشارع وإيواؤهم في مراكز رعاية. إميرلينغ وافقته على ضرورة احتجاز هؤلاء في دور رعاية خاضعة لإشراف خدمات حماية الطفولة.

نيپ وصف الوضع الأمني بـ”الكارثي”، منتقدًا تخفيض ميزانية الساعات الإضافية للشرطة من قبل وزير الداخلية (ÖVP). واقترح تعيين 2500 شرطي جديد في فيينا. ماهر طالب بـ1500 شرطي و”Stadtwache” (شرطة المدينة) مكونة من موظفي مراقبة مواقف السيارات، الذين سيتفرغون قريبًا بفضل استخدام سيارات المسح الآلي “Scan-Autos”.

ملف المناخ: مواقف لافتة ومفاجأة من ÖVP

المفاجأة الوحيدة في الأمسية جاءت من كارل ماهر، الذي أعلن أنه “يحلم، مثل الكثيرين، بسطوح خالية من السيارات ومغطاة بالخضرة”، مشيرًا إلى أهمية استخدام الحوافز بدلًا من الفرض لتحقيق الأهداف البيئية، رغم أن شعار حزبه في الحملة هو: “Auto verbieten? Verboten!” (منع السيارات؟ ممنوع!).

بوهرينغر طالبت بزراعة المزيد من الأشجار لمواجهة موجات الحرارة، في حين أشارت إميرلينغ إلى مشاريع التشجير التي نفذتها الحكومة الحالية. أما لودفيغ، فأكد أن فيينا هي الولاية الوحيدة التي تمتلك قانونًا خاصًا بالمناخ. في حين طالب نيپ بتركيب ألواح الطاقة الشمسية على المباني العامة، وتقليص مساحة الأراضي المختومة (المغطاة بالأسفلت أو الإسمنت).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى