ممثلو الأديان يوقعون “إعلان فيينا” لتعزيز التعايش والسلام ومناهضة الإرهاب والعنف

شهد قصر رئيس الأساقفة في مدينة فيينا بعد ظهر يوم الخميس اجتماعًا استثنائيًا جمع ممثلين عن الديانات الثلاث الكبرى: الإسلام، واليهودية، والكنيسة الرومانية الكاثوليكية، وذلك لتوقيع إعلان مشترك يحمل اسم “إعلان فيينا”. البيان، الذي صدر تحت عنوان “الأديان من أجل السلام”، يُمثل موقفًا موحدًا ضد الإرهاب والعنف المدفوعين بالدوافع الدينية، ويدعو إلى تعزيز التعايش السلمي واحترام التعددية في المجتمع.

وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، وقع على الإعلان كل من كاردينال فيينا ورئيس الأساقفة كريستوف شونبورن، ورئيس الجماعة الدينية الإسلامية في النمسا (IGGÖ) أوميت فورال، والحاخام الأكبر للجماعة اليهودية (IKG) في فيينا، يارون إنغلمان. وقد أكد الإعلان على “رفض مطلق لاستغلال الدين لتبرير الإرهاب أو العنف”، كما دعا الموقعون إلى مواجهة كافة أشكال التمييز أو التهديد التي تستهدف الحياة الدينية، مع التركيز على تعزيز التفاهم والوحدة بين الطوائف المختلفة في فيينا.

جاء في نص البيان: “في فيينا، توجد شراكة قوية وبناءة بين الطوائف الدينية. هذه الشراكة هي ثمرة حوار طويل الأمد ومسؤولية مشتركة، ونحن نعمل انطلاقًا من هذا الواقع على تعزيز السلام، إيمانًا منا بأن الدين يمكن أن يكون أساسًا قويًا للتعايش السلمي.”

كما أضاف البيان: “نرفض بشدة استغلال الدين للتحريض على الإرهاب أو تبريره، ونلتزم بمواجهة أي شكل من أشكال التمييز والتهديد التي تواجه الطوائف الدينية. ونؤكد التزامنا بتعزيز الفهم المتبادل والعمل على بناء مجتمع يتسم بالاحترام والوحدة.”

وفي كلمة ألقاها كاردينال شونبورن على هامش التوقيع، أشار إلى أهمية هذه المبادرة التي تأتي في ختام فترة خدمته التي امتدت لأكثر من ثلاثين عامًا كرئيس أساقفة فيينا، معتبرًا أن “إعلان فيينا” يمثل دعوة متجددة لتعزيز التعايش السلمي بين الأديان، ليس فقط في فيينا، ولكن أيضًا على مستوى أوسع.

وأكد الكاردينال أن الإعلان يُكمل سلسلة من المبادرات السابقة التي أُطلقت في ظروف مختلفة، من بينها البيان المشترك الذي صدر بعد الهجوم الإرهابي الذي وقع في 2 نوفمبر 2020، إضافةً إلى التعاون بين الأديان خلال فترة جائحة كورونا.

وفي تصريح له، أشار شونبورن إلى أن التعاون بين الأديان في النمسا لم يكن دائمًا خاليًا من التحديات، حيث شهدت البلاد تاريخًا مؤلمًا، خاصة فيما يتعلق بمعاناة اليهود، بالإضافة إلى علاقة معقدة مع الإسلام تعود إلى قرون من التاريخ المشترك. وأضاف قائلاً: “في ظل وجود جالية مسلمة قوية في النمسا اليوم، من المهم أن نعترف بأن هؤلاء المواطنين هم جزء لا يتجزأ من هذا البلد. هذه الأرض هي وطنهم كما هي وطننا.”

من جهته، أعرب رئيس الجماعة الدينية الإسلامية في النمسا، أوميت فورال، عن شكره لكاردينال شونبورن على دعوته لهذه المبادرة، مشددًا على أهمية الحوار بين الأديان كركيزة أساسية لتعزيز السلام والوحدة. وأضاف: “الإسلام هو جزء من هذا البلد، ونحن نعمل معًا من أجل مستقبل يسوده الاحترام والإنسانية.”

أما الحاخام الأكبر يارون إنغلمان، فقد أشاد بمبادرة الكاردينال، مؤكدًا أن التعاون بين الطوائف في النمسا ليس أمرًا بديهيًا، بل هو نتيجة جهود متواصلة من الحوار والتفاهم. وقال: “هذا الإعلان يُظهر أن الأديان يمكنها أن تتعايش بسلام واحترام متبادل، وأن تسهم في بناء مجتمع متناغم.”

واختُتمت الفعالية برسالة واضحة من الموقعين تحث سكان فيينا على الحفاظ على التعايش السلمي والعمل من أجل مجتمع يُقدر التعددية ويحترم الاختلافات، مؤكدين أن “إعلان فيينا” ليس مجرد موقف آني، بل رسالة مستدامة تعكس أهمية الدين كجزء من الحل وليس سببًا للمشكلات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى