منصب المستشار النمساوي يبتعد عن كيكل.. فهل تكون الانتخابات المبكرة الحل؟
فيينا – INFOGRAT:
فشل زعيم حزب الحرية النمساوي (FPÖ)، هيربرت كيكل، في تحقيق هدفه بدخول المستشارية. وبينما كانت الأحزاب الأخرى ستشهد جدلاً داخلياً حول القيادة في مثل هذا الموقف، لم تصدر أي انتقادات علنية من داخل حزب الحرية. ورغم أن انهيار مفاوضات الائتلاف كان بمثابة انتكاسة لكيكل، إلا أنه وفقاً للمحلل السياسي والخبير في شؤون حزب الحرية توماس هوفر، فإن كيكل “دائماً في وضع الحملة الانتخابية”، ويبعث برسالة واضحة إلى جمهوره بأنه ظل وفياً لنهج الحزب. والمثال التحذيري الذي يستشهد به كيكل هو المستشار الاشتراكي الديمقراطي السابق ألفريد غوزنبور.
وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، في مؤتمر صحفي استمر لأكثر من نصف ساعة يوم الأربعاء، أوضح كيكل، نقطة بنقطة، لماذا كان قرار إنهاء المفاوضات مع حزب الشعب النمساوي (ÖVP) صائباً من وجهة نظره. ورغم توجيهه الشكر لمفاوضه من حزب الشعب، كريستيان شتوكر، لم يتردد في توجيه انتقادات حادة لحزب الشعب، متهماً إياه بالسعي وراء السلطة والمناصب، في حين كان حزب الحرية متمسكاً بمبادئه. وأكد كيكل أنه حافظ على خط الحزب بما يتماشى مع إرادة ناخبيه، حتى ولو كان الثمن هو خسارة منصب المستشار.
استراتيجية كيكل: التركيز على جمهوره الأساسي
بحسب هوفر، فإن هذه الرسالة ستظل محور خطاب كيكل في المستقبل. فهو لا يخاطب الشعب النمساوي بأسره، بل يركز على جمهوره المستهدف، الذي تلقى يوم الأربعاء رواية حزب الحرية عن الأحداث، والتي تحمّل الطرف الآخر مسؤولية انهيار المفاوضات.
“العبء العاطفي” في موقف كيكل
يرى هوفر أن موقف كيكل بعد فشل المفاوضات كان مشحوناً بعوامل عاطفية، كما أشار خصومه السياسيون. لكن لفهم سياقه بشكل أعمق، يجب الرجوع إلى عام 2005، عندما انشق جناح من حزب الحرية ليؤسس حزب التحالف من أجل مستقبل النمسا (BZÖ)، مما أدى إلى تشكيل ائتلاف بين حزب الشعب وحزب التحالف الجديد، بينما لم يبقَ مع حزب الحرية في البرلمان سوى نائبين فقط. هذه التجربة كانت بمثابة “موت سياسي شبه محقق” لكيكل، وهو ما ترك أثراً دائماً على نهجه السياسي.
وفي عام 2017، كان كيكل أحد المشككين في جدوى التحالف مع حزب الشعب بقيادة سيباستيان كورتس، ثم شهد عن قرب انهيار حزب الحرية بعد فضيحة “إيبيزا” في 2019، حيث انهارت حكومة التحالف مع حزب الشعب، وكان كيكل أحد الأسباب الرئيسية في ذلك الانهيار. هذه التجارب شكلت موقفه المتشدد في المفاوضات الأخيرة.
حزب الحرية موحّد خلف كيكل رغم النكسات
وفقاً لهوفر، كان منصب المستشار أقرب من أي وقت مضى لزعيم حزب الحرية، إلا أن صورته كمفاوض قوي، والتي سعى لترسيخها في بداية المحادثات مع حزب الشعب، تضررت. لكن رغم ذلك، لم تصدر أي انتقادات علنية داخل الحزب.
وأضاف هوفر: “بلا شك، هناك نقاشات داخلية، وبعض الشخصيات في الولايات قد تشعر بأن موقفها تأكد، بينما قد يشعر البعض الآخر، ممن كانوا يستعدون لتولي مناصب وزارية، بخيبة أمل، خصوصاً إذا تم تشكيل ائتلاف حكومي دون حزب الحرية، مما يجعل احتمال الانتخابات المبكرة أكثر بعداً”.
إلا أن حزب الحرية معروف بانضباطه، ونادراً ما تخرج الخلافات إلى العلن. وكما يؤكد هوفر: “كيكل يسيطر على الوضع”.
كيكل يرفض التنازل عن قيادة الحزب
خلال المفاوضات، لم يستجب حزب الحرية لأي مطالب داخلية أو خارجية تدعو كيكل للتراجع عن الترشح لمنصب المستشار أو السماح لشخص آخر من الحزب بتولي القيادة. كما أن المخاوف التي أثيرت عند توليه قيادة الحزب في عام 2021، حول كونه متشدداً أو غير قادر على بناء توافق، لم تعد قائمة اليوم، حيث يقف الحزب والكتلة البرلمانية خلفه بقوة.
تحذير كيكل من تجربة غوزنبور
استعداداً لاحتمال فشل مفاوضات الائتلاف، استشهد كيكل مراراً بتجربة حكومة المستشار الاشتراكي الديمقراطي ألفريد غوزنبور عام 2007. حينها، استغرقت مفاوضات تشكيل الائتلاف أكثر من ثلاثة أشهر، تضمنت فترات توقف، ونتج عنها حكومة لم تفِ بوعودها الانتخابية، مثل إلغاء رسوم التعليم الجامعي ووقف شراء الطائرات المقاتلة، بينما تمكن حزب الشعب من الحصول على جميع الوزارات الرئيسية.
وبالمقارنة، يمكن لكيكل الادعاء بأنه لم يصبح مستشاراً، لكنه حافظ على مبادئه، وهو ما قد يكون نقطة قوة في حملته القادمة.
ترقب لانتخابات مبكرة
رغم أن فشل المفاوضات يعني أن حزب الحرية لن يحصل قريباً على فرصة أخرى لتولي المستشارية، إلا أن احتمال الانتخابات المبكرة لا يزال قائماً، رغم أنه غير مضمون حالياً. وإذا جرت انتخابات قريباً، فإن الحزب قد يستفيد من وضعه القوي في استطلاعات الرأي.
وفي حال فشل المحادثات الجارية بين حزب الشعب، الاشتراكيين الديمقراطيين، الخضر، وحزب نيوس، فقد يكون السيناريو الأمثل لحزب الحرية هو الذهاب إلى انتخابات جديدة، حتى لو لم تسفر عن دخوله الحكومة.
لكن هوفر يحذر من أن المشهد السياسي قد يتغير بسرعة، قائلاً: “نحن لا نعلم كيف ستعيد الأحزاب الأخرى ترتيب أوراقها”. أما ناخبو حزب الحرية الذين يشعرون بخيبة أمل لأن كيكل لم يصبح مستشاراً، فمن المرجح أن يتوجهوا إلى معسكر العازفين عن التصويت بدلاً من دعم أحزاب أخرى.



