ائتلاف ÖVP-SPÖ-Neos في الحكومة النمساوية.. مهمة مستحيلة أم بداية مشروع طويل الأمد؟
فيينا – INFOGRAT:
مرت قرابة 100 يومًا على تشكيل الحكومة الثلاثية الأولى في تاريخ النمسا والتي تضمّ أحزاب: الشعب (ÖVP)، والاشتراكيين الديمقراطيين (SPÖ)، والليبراليين (Neos)، لكن هل انتهت مرحلة “شهر العسل” السياسي؟ وكيف يمكن أن تستمر التجربة في ظلّ ميزانية متقشفة وتناقضات أيديولوجية بين الأطراف الثلاثة؟
وطرحت صحيفة Der Standard النمساوية تقرير لخمس فرضيات حول مستقبل الائتلاف الحكومي الجديد.
الحكومة الثلاثية في النمسا: خمسة سيناريوهات لمستقبل ائتلاف ÖVP وSPÖ وNeos
بعد مرور ما يقرب من 100 يوم على تشكيل أول حكومة ائتلافية ثلاثية في تاريخ النمسا، والتي تضم حزب الشعب (ÖVP)، والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPÖ)، وحزب Neos الليبرالي، بدأت التساؤلات تُطرح حول مستقبل هذا التحالف السياسي غير المسبوق.
1. العدو المشترك “هيربرت كيكل” يوحد التحالف – إلى حين
على الرغم من الاختلافات الجوهرية بين مكونات الحكومة، إلا أن معارضة رئيس حزب الحرية (FPÖ)، هيربرت كيكل، تجمع بين أطراف التحالف. إذ يُقال في أروقة الحكومة: “ما يوحدنا هو الإيمان بسيادة القانون والديمقراطية، وهو ما تفتقر إليه الحرية مع كيكل.” وفي صيغة أخرى أكثر واقعية: “لدينا عدو خارجي مشترك – وهذا وحده كافٍ حالياً.”
يتصدّر FPÖ استطلاعات الرأي بنسبة تفوق 30%، ما يُبقي القلق داخل الحكومة محدودًا في الوقت الراهن، غير أن الموقف المستقبلي لحزب الشعب (ÖVP) تجاه التعاون مع الحرية قد يُشكّل عاملًا حاسمًا في مصير الحكومة الثلاثية، وتُطرح في كواليس الحزب نقاشات جدية حول ما إذا كان من الممكن منع حزب الحرية من دخول الحكومة مجددًا، أو ما إذا كان لا بد من تقبّل عودته في حال فوزه في الانتخابات القادمة.
2. الحكومة الثلاثية مترابطة قسرًا – ومن غير المرجّح أن تنفك قريبًا
برغم التحفظات، يدرك الجميع أن الائتلاف الحالي لا بديل له على المستوى الواقعي. ويُقال إن ذكرى المفاوضات الائتلافية الشاقة لا تزال حية لدى المشاركين، ما يجعل خيار الانسحاب مستبعدًا.
تُدار الأمور وفق مبدأ غير رسمي: “عيش ودع غيرك يعيش”، حيث يحصل كل طرف على مكاسب رمزية ضمن حدود خطة التقشف. على سبيل المثال، يعتبر حزب الشعب إيقاف لم شمل العائلات إنجازًا، وهو ما أثار استياء الاشتراكيين. أما SPÖ فتُفاخر بقرار تجميد أسعار الإيجارات، بينما تواصل Neos الترويج لأفكارها في قطاع التعليم، كما يقول أحد المخططين في الحكومة:”الخلافات موجودة بكثرة، لكننا نحلّها داخليًا.”
3. الخلافات الأيديولوجية عميقة – ولا يمكن أن يصمد الائتلاف خمس سنوات!
رغم الخطاب البراغماتي السائد، فإن التناقضات الجذرية بين الأحزاب الثلاثة لا يمكن إنكارها. يقول أحد أعضاء الحكومة: “نحن ثلاث قوى ذات رؤى مختلفة تمامًا، وغالبًا ما نضطر لكبح أنفسنا.”
ظهر الخلاف علنًا عندما وقع المستشار الاتحادي كريستيان شتوكَر (ÖVP) وثيقة تدعو إلى إعادة النظر في تفسير الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، لتسهيل ترحيل الأجانب مرتكبي الجرائم. هذا القرار أثار استياء كل من SPÖ وNeos اللذَين لم يُستشارا.
كما يشعر حزب Neos بالإقصاء من خلال مشروع مراقبة تطبيقات الرسائل المشترك بين ÖVP وSPÖ، ما يعكس مدى هشاشة الائتلاف. ويُعلق أحد المخططين: “الفجوات كبيرة، وهناك خطر حقيقي في الأفق. لا يمكن لشهر العسل أن يدوم إلى الأبد.”
4. حزب Neos هو الطرف الأضعف – لكنه قد يخرج رابحًا
Neos هو أصغر شريك في الحكومة، وقد انسحب سابقًا من المفاوضات في يناير بسبب ضعف موقفه. ومع ذلك، يُفاجأ بعض المراقبين من النجاح النسبي للحزب في جذب الانتباه الإعلامي، خاصة من خلال ملف التعليم.
ويقول المحلل السياسي بيتر فيلتسمايير إن مشاركة Neos في الحكومة تُشكّل فرصة استراتيجية: “قد تحتاج ÖVP وSPÖ إلى Neos لاحقًا في حكومات الولايات، خصوصًا مع استبعاد التعاون مع الخضر.”
ويرى فيلتسمايير أن المجال الاقتصادي أو الضرائب سيكون الأنسب لتميّز Neos في نهاية الدورة البرلمانية. ذلك لأن أسوأ سيناريو قد يواجهه الحزب هو أن يُنظر إليه كـ”ذيل ملحق” دون تأثير فعلي.
5. العداء التاريخي بين ÖVP وSPÖ قد يتحول إلى شراكة استراتيجية
قال أحد المخططين بصراحة: “لقد كنا نكره بعضنا البعض.”، في إشارة إلى العداء العميق الذي أعقب انهيار التعاون بين ÖVP وSPÖ في عام 2017، حينما اتجه حزب الشعب إلى تحالف ثانٍ مع FPÖ.
لكن بعد الانتخابات الأخيرة، وفي سياق تشكيل الحكومة الجديدة، اضطر الحزبان إلى التفاوض دون ثقة متبادلة تُذكر. ورغم ذلك، وبعد 100 يوم من العمل المشترك، تسجل أوساط الحكومة “تقدماً مذهلاً” في تنسيق العمل.
فالعلاقة بين المستشار شتوكَر ونائبه أندرياس بابلر (SPÖ) قد لا تصبح يومًا صداقة شخصية، لكنها باتت فعّالة على المستوى المهني، كما تعمل فرق التنسيق والكتل النيابية بشكل متزايد بسلاسة.
تقول إحدى النائبات عن SPÖ: “من الناحية المثالية، يغلق ÖVP الجبهة من اليمين، ونحن من اليسار، لكن بالطبع، سنتصادم مرارًا خلال ذلك.”



