استمرار أزمة تشكيل الحكومة في النمسا لليوم الـ129 وسط مفاوضات غير محسومة
فيينا – INFOGRAT:
سجّلت عملية تشكيل الحكومة النمساوية رقمًا قياسيًا في طول مدتها، حيث مضى 129 يومًا منذ الانتخابات البرلمانية دون التوصل إلى اتفاق نهائي، وهو الأمر الذي لم يحدث منذ عام 1962. وبعد فشل المفاوضات بين “الشعب”، SPÖ، وحزب NEOS، تستمر المحادثات بين FPÖ و”الشعب” منذ 10 يناير، لكن نتائجها لا تزال غير واضحة، وانتشرت مساء الثلاثاء تقارير حول توقف المفاوضات، إلا أن الحزبين سارعا إلى نفي ذلك.
وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، عُقدت يوم الثلاثاء جلسة للمجموعة المعنية بالشؤون الاقتصادية، أعقبها اجتماع ضم رئيس FPÖ هربرت كيكل، ورئيس “الشعب” كريستيان شتوكر، وعددًا من المقربين منهما، لكن في المساء، أفادت بعض وسائل الإعلام بوجود توقف للمحادثات، مما دفع “الشعب” إلى عقد اجتماع عاجل للهيئة القيادية للحزب، حيث صرّح مسؤولون بأن “المفاوضات الحكومية تمر بمرحلة صعبة”.
ورغم ذلك، أكّد الحزب استمرار المحادثات، حيث جاء في بيان له: “ما زلنا في مفاوضات جارية”، ومن المقرر أن تستأنف المحادثات اليوم الأربعاء، فيما شدّد شتوكر على وجود ثلاث ركائز أساسية للمفاوضات، وهي: حماية سيادة النمسا من التدخلات الخارجية، وضمان دورها البناء داخل الاتحاد الأوروبي، والحفاظ على الديمقراطية الليبرالية وسيادة القانون، وأكد أن هذه الأسس لا تزال قائمة، وتمت الموافقة عليها داخل لجان “الشعب”.
كيكل ينفي توقف المفاوضات ويدعو إلى الهدوء
بدوره، نفى زعيم FPÖ هربرت كيكل صحة التقارير التي تحدثت عن توقف المحادثات، وكتب على فيسبوك: “مجرد إشاعة جديدة! لا يوجد أي توقف للمفاوضات، وإنما يقوم ÖVP بتنسيق موقفه داخليًا، وهو أمر طبيعي في مثل هذه المفاوضات، نحن أيضًا نجري مشاورات داخلية من وقت لآخر، وسنواصل المحادثات غدًا”.
ويُقال إن أحد أبرز نقاط الخلاف، إلى جانب الجوانب السياسية، هو توزيع الحقائب الوزارية، حيث ذكرت صحيفة “Kronen Zeitung” أن “الشعب” يطالب بجميع الوزارات المهمة، بينما أفادت صحيفة “Heute” بأن FPÖ عرض على “الشعب” سبع وزارات، لكنه طالب بالاحتفاظ بوزارة المالية ووزارة الداخلية.
المحللون: المفاوضات رغم التحديات قد تنتهي باتفاق
يرى الخبير السياسي بيتر فيلزماير أن احتمال التوصل إلى اتفاق لا يزال أكبر من احتمال الفشل، رغم الصعوبات. وقال لموقع ORF.at: “في أسوأ الأحوال، قد يتم تأجيل القضايا الخلافية أو استخدام عبارات عامة في الاتفاق الحكومي لتجاوزها”، وأضاف أن رغبة FPÖ في قيادة الحكومة تجعل الاتفاق قريب المنال.
وأشار إلى أن فشل المفاوضات قد يدفع نحو انتخابات جديدة، إلا أن ذلك لن يغير كثيرًا من موقف FPÖ، الذي من المرجح أن يحقق نتائج أقوى، لكنه سيظل بحاجة إلى شريك في الحكم، أما بالنسبة لـ”الشعب”، فإن المشاركة في الحكومة تعدّ “السبب الوحيد المبرر” لتغيير موقفه الحاد تجاه FPÖ، حيث كان الحزب حتى 4 يناير يستبعد تمامًا التعاون مع كيكل، واصفًا إياه بأنه “خطر أمني”.
غياب المشاريع الكبرى وخلافات حول قضايا الاتحاد الأوروبي
على عكس مفاوضات الائتلاف بين “الشعب” وFPÖ في عام 2017، تبدو هذه الجولة من المحادثات أكثر براغماتية، حيث يصفها فيلزماير بأنها “مجرد شراكة مصلحية” بين طرفين يضطران إلى إخفاء خلافاتهما العميقة، كما أن الأزمة المالية تحدّ من إمكانية تقديم مشاريع كبرى.
وبينما يواجه FPÖ و”الشعب” صعوبة في الاتفاق على “رؤية مشتركة” للحكم، إلا أن فيلزماير يرى أن قضية “الهجرة” قد تكون نقطة التقاء واضحة بين الطرفين، حيث يتبنيان موقفًا متشددًا بشأنها.
تاريخ طويل من التأخير في تشكيل الحكومات
يُعزى التأخير في تشكيل الحكومة الجديدة إلى انهيار المفاوضات السابقة بين “الشعب”، SPÖ، وNEOS، حيث انسحب حزب NEOS في 3 يناير، وتلاه قرار المستشار السابق كارل نيهامر بإنهاء المفاوضات مع SPÖ في اليوم التالي. ومنذ ذلك الحين، يجري FPÖ و”الشعب” محادثات ثنائية في محاولة للوصول إلى اتفاق، وهو ما قد يسفر عن تشكيل أول حكومة “زرقاء-سوداء” في النمسا.
يُذكر أنه بعد انتخابات نوفمبر 1962، استغرقت مفاوضات تشكيل الحكومة 129 يومًا، حيث اضطر “الشعب” وSPÖ في النهاية إلى إعادة تشكيل “التحالف الكبير”، الذي تم تنصيبه في مارس 1963.
الخضر يدعون إلى حكومة بدون FPÖ
في سياق متصل، دعا زعيم “الخضر” فيرنر كوغلر أحزاب “الشعب”، SPÖ، وNEOS إلى إعادة فتح قنوات الحوار وتشكيل حكومة بدون FPÖ، وأعلن أن حزبه مستعد لدعم مثل هذه الحكومة حتى من موقع المعارضة، لضمان عدم مشاركة FPÖ في السلطة.



