الانتخابات الألمانية المبكرة: صعود اليمين المتطرف وانعكاساته على الحكومة المقبلة والسياسة الدولية
فيينا – INFOGRAT:
جاءت نتائج الانتخابات الألمانية المبكرة متوافقة إلى حد كبير مع استطلاعات الرأي، حيث كشفت عن تحولات كبيرة في المشهد السياسي، كان أبرزها التراجع الحاد للحزب الحاكم بقيادة المستشار أولاف شولتس، مقابل صعود قوي لليمين المتطرف، مما يفتح الباب أمام مرحلة سياسية معقدة في ألمانيا.
إعادة تشكيل البرلمان وتحديات الحكومة الجديدة
شهدت نتائج الانتخابات تغيرات كبيرة في البوندستاغ (البرلمان الألماني)، حيث تم إعادة توزيع واسعة للمقاعد، مما سيؤثر مباشرة على تشكيل الحكومة المقبلة. حصل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU)، الحزب اليميني المحافظ، على 211 مقعدًا، ليصبح القوة الأكبر في البرلمان، فيما حل حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD)، المعروف بتوجهاته اليمينية المتطرفة، في المركز الثاني بحصوله على 142 مقعدًا، وهو ما يعكس التنامي المستمر لنفوذه السياسي.

محامي يمني
مقيم في فيينا
في المقابل، مُني الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD)، الذي يقود الحكومة الحالية، بانتكاسة كبيرة بعدما حصد 116 مقعدًا فقط، في تراجع واضح مقارنة بالانتخابات السابقة، مما يعكس خيبة أمل الناخبين تجاه سياسات شولتس. كما تراجع حلفاؤه في الحكومة، حيث حصل حزب الخضر على 98 مقعدًا، فيما خرج الحزب الديمقراطي الحر (FDP) بالكامل من المشهد البرلماني بعد فشله في تجاوز العتبة الانتخابية.
السيناريوهات المحتملة لتشكيل الحكومة
مع هذه النتائج، يواجه المشهد السياسي الألماني تحديات معقدة في تشكيل الحكومة المقبلة. من الناحية النظرية، يمتلك حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي عدة خيارات، أبرزها إقامة تحالف يميني مع AfD، إلا أن ذلك قد يثير ردود فعل قوية داخليًا وخارجيًا، نظرًا للجدل الكبير حول مواقف الحزب المتطرف، كما قد يُعيد سيناريو المشاورات في النمسا.
البديل الآخر يتمثل في تشكيل تحالف موسع مع الأحزاب الوسطية، مثل الحزب الاشتراكي الديمقراطي أو الخضر، وهذا الأقرب رغم الخلافات العميقة التي قد تجعل هذا الخيار صعبًا. ويُعتقد أن الظروف الجيوسياسية قد تدفع الجميع لتغليب مصلحة ألمانيا العليا.
أما الخيار الثالث، وهو الأسوأ، ففي حال تعذر تشكيل حكومة مستقرة، قد تجد ألمانيا نفسها أمام احتمال إعادة الانتخابات في ظل الاستقطاب السياسي المتزايد.
التأثير على العلاقات مع الولايات المتحدة وروسيا
من المتوقع أن تترك هذه التغيرات السياسية بصمة واضحة على السياسة الخارجية الألمانية، لا سيما في ظل التحولات القادمة مع ترامب، خاصة فيما يتعلق بعلاقاتها مع القوى الكبرى. في حال مشاركة حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) في الحكومة أو تشكيلها بتحالف يميني، قد تشهد العلاقة مع الولايات المتحدة بعض الفتور، نظرًا لمواقف الحزب المتحفظة تجاه واشنطن، ودوره المشكك في بعض السياسات الغربية، مثل العقوبات على روسيا ودعم أوكرانيا.
في المقابل، قد تنفتح الحكومة الجديدة على تعزيز العلاقات مع موسكو، خصوصًا أن بعض قيادات اليمين المتطرف سبق أن أبدوا مواقف داعمة لروسيا، مما قد يؤدي إلى تغيرات في موقف ألمانيا من الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على موسكو.
ملف اللاجئين على طاولة المراجعة
مع صعود اليمين المتطرف والمحافظين، قد يكون ملف الهجرة واللجوء أحد أبرز القضايا التي ستشهد تغييرات جذرية. من المتوقع أن تتبنى الحكومة المقبلة سياسات أكثر صرامة تجاه اللاجئين، تشمل تشديد إجراءات اللجوء، وزيادة عمليات الترحيل، وإعادة النظر في سياسات الدعم الاجتماعي والاندماج. هذه التوجهات قد تؤدي إلى احتجاجات واسعة من قبل المنظمات الحقوقية، كما قد تؤثر على علاقة ألمانيا بدول المصدر التي تستقبل المرحّلين.
ألمانيا والشرق الأوسط: مراجعة المواقف التقليدية
السياسة الألمانية تجاه الشرق الأوسط قد تكون على أعتاب تحول جديد. مع صعود الأحزاب اليمينية، قد نشهد انخفاضًا في المساعدات الإنسانية التي تقدمها ألمانيا للدول المتضررة في المنطقة، إلى جانب تغير في الموقف من القضية الفلسطينية، حيث قد تتبنى الحكومة المقبلة نهجًا أقل انخراطًا في جهود السلام أو تقليص دعمها لحل الدولتين.
في الوقت ذاته، قد تسعى ألمانيا إلى تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية مع بعض الأنظمة المحافظة في المنطقة، خاصة في مجالات الطاقة والاستثمارات، مع تركيز أكبر على المصالح الاقتصادية بدلاً من النهج القائم على القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ختامًا: مرحلة جديدة من التحولات السياسية
تكشف هذه الانتخابات عن مرحلة جديدة من التحولات السياسية العميقة في ألمانيا، حيث أصبح الناخب الألماني يميل بشكل متزايد إلى الأحزاب اليمينية والمحافظة، مما يعكس حالة من عدم الرضا عن السياسات الحالية، سواء في الاقتصاد أو الهجرة أو العلاقات الخارجية.
مع التحديات الكبيرة التي تنتظر الحكومة المقبلة، ستبقى الأسابيع القادمة حاسمة في تحديد شكل التحالفات الجديدة، وما إذا كانت ألمانيا قادرة على تجنب مزيد من الانقسام السياسي، والاحتفاظ بمكانتها كإحدى القوى الرائدة في أوروبا والعالم.


