“الزيادة النمساوية”.. لماذا تُباع المنتجات المتطابقة في ألمانية بأسعار أغلى في النمسا؟
تثير ظاهرة بيع المنتجات المتطابقة في النمسا بأسعار أعلى بكثير مما هي عليه في ألمانيا الجدل والغضب بين التجار والمستهلكين، حيث تشير التقديرات إلى أن العلامات التجارية العالمية الكبرى هي المستفيد الرئيسي من هذه الفروقات السعرية المصطنعة، وسط ضغوط حكومية على بروكسل لإنهاء هذه الممارسات، بحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA).
تدفع الأسر والمتاجر في النمسا ثمناً باهظاً يُعرف بـ “الزيادة النمساوية” (Österreich-Aufschlag) لشراء منتجات متطابقة، لاسيما في قطاعات الأغذية والمنظفات ومستحضرات التجميل، حيث تتجاوز الأسعار في بعض الأحيان الضعف مقارنة بـألمانيا. ووفقاً لغرفة العمال في فيينا (AK Wien)، فإن الأسعار في النمسا تزيد في المتوسط بنحو الربع عن أسعار الدولة المجاورة. ويُعزى السبب الرئيسي لهذه الظاهرة إلى القيود الإقليمية على التوريد التي تفرضها الشركات المصنعة العالمية، والتي تمنع المتاجر من استيراد البضائع مباشرة من الدول التي تُباع فيها بأسعار أرخص.
تجزئة السوق الأوروبية: “جزر سعرية مصطنعة”
يُعتبر السبب الرئيسي لارتفاع الأسعار هو القيود الإقليمية على التوريد (territoriale Lieferbeschränkungen)، التي تفرضها الشركات المصنعة الدولية على التجار، وتُلزمهم بالحصول على البضائع فقط من خلال شركات التوزيع الوطنية الخاصة بكل بلد. وهذا يعني أن التاجر النمساوي لا يمكنه ببساطة الشراء من ألمانيا حتى لو كانت المنتجات متطابقة وأرخص سعراً هناك.
يشير الخبير الاقتصادي Michael Böheim من معهد البحوث الاقتصادية (WIFO) إلى أن هذا الإجراء هو بمثابة “تكتيك لتفريق الأسعار”، حيث تسعى الشركات لاستخلاص أكبر قدر ممكن من القيمة من “استعداد المستهلكين للدفع” في كل دولة على حدة.
ويوضح Böheim أن “التاجر لا يُسمح له بالشراء عبر الموزع الأرخص في ألمانيا؛ فالقيود الإقليمية تمنعه من ذلك. يجب عليه الطلب من الفرع النمساوي الأكثر تكلفة”. وبهذه الطريقة، تستطيع الشركة تقديم سلعها بسعر أغلى في النمسا مقارنة بالدول المجاورة. ويُعتبر هذا الأمر، من الناحية الاقتصادية، منطقياً، ولكنه يمثل مشكلة قانونية لأنه يتعارض مع مبدأ حرية حركة السلع الذي يُعد ركناً أساسياً في السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي.
تحرك حكومي وضغوط على بروكسل لإنهاء “الزيادة النمساوية”
قامت المفوضية الأوروبية بالتغاضي عن هذه الممارسة حتى الآن، لكنها بدأت الآن، تحت ضغط من عدة دول أعضاء أصغر، بما فيها النمسا، بدراسة إمكانية حظر هذه القيود مستقبلاً. وتعمل الحكومة النمساوية على إلغاء ما يُعرف بـ “الزيادة النمساوية” بدعم من تحالف غير مألوف يضم غرفة العمال (AK)، والاتحاد العام للنقابات (ÖGB)، واتحاد التجار.
ويؤكد التجار النمساويون أنهم ضحايا لارتفاع أسعار الشراء. حيث ذكر Rainer Will، المدير الإداري لاتحاد التجار، أن التاجر النمساوي يدفع 3.20 يورو مقابل بخاخ شعر مماثل يدفع مقابله نظيره الألماني 2 يورو فقط، بفارق سعري يبلغ 60%. ومع ذلك، أشارت هيئة المنافسة الفيدرالية (BWB) إلى أن هوامش الربح في تجارة التجزئة الغذائية ضئيلة، وتتراوح بين 0.5% و2.5%، مما يعني أن 97% إلى 99% من المبيعات هي تكاليف أساسية، رغم أن 1% ربح على مبيعات بمليارات اليورو يمثل مبلغاً كبيراً.
صراع بين التجار والمُصنّعين: من المسؤول عن الفروقات؟
في المقابل، تحذر الصناعات الغذائية من فتح السوق دون ضوابط، حيث تشير Katharina Koßdorff، المديرة التنفيذية للاتحاد المتخصص في الغرفة الاقتصادية النمساوية (WKÖ)، إلى أن إلغاء القيود الإقليمية على التوريد سيؤدي إلى “استيراد أرخص الأسعار من الخارج”، مما سيزيد الضغط على المنتجين النمساويين وقد يعرض 150,000 وظيفة للخطر.
وتشدد Koßdorff على أن المنتجين المحليين يبيعون منتجاتهم للتجار النمساويين والألمان بأسعار متطابقة تقريباً، وأن التاجر نفسه هو من يحدد السعر النهائي على الرف بناءً على هيكل تكاليفه وموقعه. وفي هذا تلميح إلى أن التاجر هو المسؤول جزئياً عن فرق السعر وليس بالضرورة المُصنِّع فحسب.
كما أشارت إلى أن عوامل مثل تغير المناخ وتلف المحاصيل العالمية تزيد من تكاليف شراء المواد الخام، مما يضع ضغوطاً إضافية على مصنعي المواد الغذائية. وأضافت أن التجار النمساويين أصبحوا أقوياء أيضاً، فهم يتفاوضون بشكل جماعي عبر تحالفات شراء على مستوى الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى أن منتجات العلامات التجارية الخاصة (Eigenmarken) تشكل الآن ما يصل إلى 45% من المعروض في بعض المتاجر، مما يزيح المنتجات التقليدية.
تكاليف العمالة والطاقة: أيّ منهما عامل حقيقي؟
غالباً ما يجادل التجار والمصنعون بأن ارتفاع الأسعار في النمسا يعود إلى ارتفاع الأجور. إلا أن الإحصاءات لا تدعم هذا الادعاء، إذ تُظهر بيانات عام 2023 أن متوسط تكاليف العمالة في قطاع الصناعات التحويلية كان أعلى في النمسا منه في ألمانيا بفارق ضئيل لا يتجاوز 2%، بينما كانت تكاليف قطاع الخدمات (الذي يشمل التجارة) أعلى قليلاً في ألمانيا. كما أظهر مسح لـAK Tirol أن العاملين في التجارة بالنمسا يتقاضون أجراً يقل بنسبة 20 إلى 25% عن زملائهم في بافاريا، مما يدحض حجة ارتفاع الأجور.
في المقابل، يمثل ارتفاع تكاليف الطاقة (الكهرباء والغاز) لشركات التشغيل في النمسا، التي تزيد بنحو 20% عن ألمانيا بسبب رسوم الشبكة التي تحددها هيئة E-Control، عاملاً حاسماً في المنافسة.
المستفيد والضحية: الكرة في ملعب الاتحاد الأوروبي والمستهلك
يؤكد الخبير الاقتصادي Michael Böheim أن المستفيد الأكبر من “الزيادة النمساوية” هم في المقام الأول الشركات المتعددة الجنسيات التي تعمل في النمسا كهياكل توزيع فحسب. أما المستفيدون من إلغاء القيود فهم في المقام الأول المستهلكون، بينما يُتوقع أن يواجه المنتجون منافسة أقوى وهامش ربح أقل.وفي الختام، يشير Böheim إلى أن السياسة النمساوية لا تملك سوى مساحة محدودة للتحرك، وأن الاتحاد الأوروبي وحده هو القادر على حظر القيود الإقليمية على التوريد. ويشدد على أن أسعار الشركات تتحدد بناءً على استعداد المستهلك للدفع، والذي هو أعلى في النمسا منه في ألمانيا. وينصح المستهلكين بالقول: “من يتذمر ويشتري رغم ذلك، يُعاقب”؛ مشدداً على أن المستهلك اليقظ هو من يستطيع الضغط للحصول على أسعار أقل.



