الصناعة في النمسا تكافح من أجل البقاء وسط ارتفاع التكاليف وتراجع المبيعات

فييناINFOGRAT:

تخوض شريحة واسعة من مصانع الصناعات الصغيرة والكبيرة في النمسا معركة وجودية في الوقت الراهن، بسبب التكاليف المتصاعدة للطاقة والأجور والمواد الخام، إضافة إلى تراجع الإيرادات. وكشفت استطلاعات الرأي عن صورة قاتمة للاقتصاد، بينما تعمل بعض الشركات على التكيف مع التحديات من خلال استغلال الفرص الناجمة عن إفلاس المنافسين أو التحول لقطاعات جديدة، في ظل دعوات للسياسة لتقديم إشارات إيجابية، بحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA).

تعاني الصناعة النمساوية حالياً من أزمة عميقة تعود جزئياً إلى تراجع المبيعات وارتفاع تكاليف الطاقة والأجور والمواد الخام، ما يطال حتى الشركات الأصغر حجماً في البلاد. وللوقوف على كيفية إدارة هذا التحدي، تحدثت ORF مع شركتين للاطلاع على استراتيجياتهما.

شركة METAGRO: نجاح في مواجهة التحديات

في شركة METAGRO في بلدة Hainfeld (قضاء Lilienfeld)، يتم تصنيع أثاث من الفولاذ المقاوم للصدأ (Edelstahl) مخصص للمطابخ الكبيرة، ويمكن وصف عملها كـ “نجارة الفولاذ المقاوم للصدأ”. كما تقوم الشركة بتطوير وبناء أنظمة فولاذية لأغراض الفحص الأمني في مطار Schwechat (قضاء Bruck an der Leitha). وتوظف الشركة 105 موظفين وموظفات.

وعلى عكس العديد من الشركات في البلاد، لا تزال طلبات الشركة مستقرة في الوقت الحالي. ومع ذلك، وصفت الرئيسة التنفيذية Gerlinde Tröstl-Katinger الفترة الممتدة من عام 2022 إلى 2024 بأنها “شديدة الصعوبة”، وذلك بسبب الآثار اللاحقة لجائحة كورونا على قطاع الضيافة واندلاع الحرب في أوكرانيا. وقالت Tröstl-Katinger: “لقد تضاعف سعر مادتنا الخام، الفولاذ المقاوم للصدأ، تقريباً. بالإضافة إلى ذلك، جاءت ثلاثة اتفاقات أجور متتالية، ما رفع تكاليف الأجور بنحو 30 بالمائة، وهو ما لا يمكنك نقله إلى السوق. لقد سبب ذلك ألماً، لكننا خرجنا من هذه الأزمة بنجاح”.

ويُعزى نجاح الشركة في تجاوز الأزمة، جزئياً، إلى قاعدتها الاقتصادية القوية، وسبب آخر أوضحته Tröstl-Katinger بالقول: “عملنا يسير بشكل جيد للغاية أيضاً لأن اثنين من منافسينا، اللذين كانا ينتجان منتجات مماثلة لمنتجاتنا في النمسا، قد أعلنا إفلاسهما وتم إغلاق الشركتين بالفعل في هذه الأثناء”. وبناءً على ذلك، انتقلت العديد من طلبيات هاتين الشركتين إلى مصنع Hainfeld.

استطلاع الأوضاع يرسم صورة قاتمة

على الرغم من حالة الطلبات الجيدة في شركة METAGRO، فإن الحماس يظل محدوداً، حيث يرسم مقياس الأوضاع الاقتصادية الحالي صورة قاتمة تؤثر على العديد من الشركات في البلاد. وعند التحدث مع الشركات الصناعية الصغيرة والكبيرة في ولاية Niederösterreich، يتحدث الكثيرون عن فترة “صعبة للغاية”، لكن قليلاً منهم يفضل إجراء مقابلة مع noe.ORF.at في الوقت الراهن.

ويعزو معظم مديري الشركات هذه الأوضاع إلى حالة عدم اليقين العالمية، بما في ذلك سياسة الرسوم الجمركية للرئيس الأمريكي Donald Trump، والحرب في أوكرانيا، وبؤر الأزمات الأخرى، بالإضافة إلى التوتر العالمي في سوق المواد الخام. ويتحدث العديد من خبراء القطاع ورؤساء الشركات عن “فترة متقلبة للغاية” يصعب فيها تقديم أي توقعات، لدرجة أن البعض يقول: “نحن نخطط من أسبوع لآخر”.

ويُشدَّد على وجود عقبات عديدة في النمسا نفسها، من أبرزها ارتفاع أسعار الطاقة، الذي يسبب تكاليف باهظة للشركات ذات الإنتاج الكثيف للطاقة. كما يُعتقد أن النمسا لم تعد تنافسية بسبب ارتفاع تكاليف الأجور، ما يدفع العديد من العملاء للشراء من الخارج.

موردو السيارات: “صناعة السيارات حفرت قبرها بنفسها”

هذه التحديات تؤثر أيضاً على شركة Fischer&Kral في Hainfeld، التي تنتج قطعاً بلاستيكية لمقاعد السيارات وتبيعها عالمياً. وعلى الرغم من أن العمل كان مربحاً في السابق، إلا أن أزمة صناعة السيارات بأكملها تسببت بمتاعب كبيرة للمورد. ويتحدث المدير التنفيذي Markus Fischer عن انخفاض بنسبة 30 بالمائة في الإيرادات في قطاع السيارات مقارنة بـ “السنوات الجيدة” بين 2015 و 2017.

ويقول Fischer: “صناعة السيارات حفرت قبرها بنفسها. كان الأمر يتعلق بالجشع. الجشع مدفوع بـ: ‘نحن بحاجة إلى هامش ربح أكبر، يجب أن نرضي المساهمين، يجب أن ننتج بتكلفة أرخص’. ولا يمكنك الإنتاج بأرخص من الدول الآسيوية. لكنك عندئذ لا تكون بالقرب من المنتج، وجودة المنتج تسوء أيضاً”، وفقاً لتصريحات Markus Fischer لموقع noe.ORF.at.

يعمل في الشركة العائلية بـ Hainfeld عشرون موظفاً وموظفة. ويقول Fischer: “لا أستطيع أن أزيل خوفهم في بعض الأحيان، لكني أستطيع أن أبث فيهم الثقة وأقول إننا نبذل قصارى جهدنا. نحن حالياً نستهلك الإجازات، ونحاول جزئياً توظيف العمال بدوام جزئي فقط. يجب أن نقلص العمل، هذا هو الواقع”.

وتتأثر الشركة أيضاً بأزمة الرقائق الحالية: “من الطبيعي أن يكون لديك نقص في سلسلة التوريد. ويريدون مواصلة الإنتاج، لكنهم لا يستطيعون. والآن، هناك العديد من السيارات متوقفة في المخازن، وهذا يعرقل العمل بالطبع. لكنها ليست أزمة ستدوم طويلاً، لأن الرقائق ستتوفر مجدداً في غضون أسابيع قليلة”، كما يؤكد Fischer.

وتسعى الشركة للخروج من الأزمة عبر التأسيس في قطاعي البناء أو الطب، إذ يمكن لآلات قاعة الإنتاج الكبيرة إنتاج مكونات بلاستيكية أخرى بجانب قطع غيار السيارات. “لكن هناك أيضاً ضغط هائل على المنتجين في تلك القطاعات، لأن الجميع مجبر على الابتعاد عن صناعة السيارات والبحث عن أسواق حرة”، كما يقول Fischer.

“لن يعود الوضع كما كان عليه”

وتُعد عملية الإنتاج في شركة Fischer&Kral كثيفة الاستهلاك للطاقة، ولذلك قامت الشركة بتركيب أنظمة خلايا شمسية (Photovoltaik-Anlagen) وتجرب شراء الطاقة بأسعار منخفضة. “لكن في مرحلة ما، لن يكون ذلك كافياً”، ويقل تفاؤل Fischer بالنسبة للمستقبل: “سيكون هناك انتعاش، ولكن لن يعود الوضع كما كان عليه”.

وبالعودة إلى شركة METAGRO، التي تقع على بُعد كيلومترات قليلة، يعمل الموظفون حالياً لساعات إضافية للتعامل مع كثرة الطلبات. ومع ذلك، يؤكد المسؤولون هنا أيضاً صعوبة تقديم أي توقعات حالياً، وأن التخطيط يتم “من أسبوع لآخر”. وتعمل الشركة على تدريب كوادرها المتخصصة بنفسها، لكن ارتفاع تكاليف الأجور الجانبية يؤثر عليها أيضاً.

وتختم الرئيسة التنفيذية Tröstl-Katinger بالقول: “علينا إيجاد طرق أخرى للعمل بكفاءة أكبر. الروبوتات هي مواضيع المستقبل، لكن الأمر سيصبح بالتأكيد أكثر صعوبة، لأن منافسينا لم يعودوا من النمسا، بل من دول أخرى لديها تكاليف أجور أقل بكثير”. ورغم ذلك، تظل توقعاتها للاقتصاد النمساوي حذرة ومتفائلة: “أنا مقتنعة بأننا سننجح في أن يعاود الاقتصاد الانتعاش، لكن الأمر يتطلب بعض التغييرات في الظروف الإطارية من جانب السياسيين”.

ويتفق رئيسا الشركتين – شأنهما شأن العديد من غيرهم – على ضرورة وجود إشارات إيجابية من الحكومة، مطالبين بخفض تكاليف الأجور الجانبية وأسعار الطاقة لإعادة القدرة التنافسية للنمسا في السوق الدولية وتحفيز الاقتصاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى