النمسا تعاني من موجة جفاف مستمرة وحرائق غابات وسط تحذيرات من موسم صعب

شهدت مناطق واسعة من النمسا استمرارًا في موجة الجفاف، رغم حلول فصل الربيع، حيث بدت المروج ذابلة، والحقول جافة، والغابات متحولة إلى اللون البني. ويؤثر الجفاف على عدة جوانب، إذ يزيد من خطر حرائق الغابات من جهة، ويشكل تحديًا للقطاع الزراعي بسبب جفاف التربة من جهة أخرى، كما أن الطقس الحار والجاف في مارس يمكن أن يكون مرهقًا للجسم البشري، ومع ذلك، فإن نهاية هذه الفترة الجافة لا تلوح في الأفق إلا بشكل محدود وفي بعض المناطق فقط.

وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، بحسب بيانات GeoSphere Austria، فإن معدل الهطول المطري لهذا العام في النمسا أقل بنسبة 54% من المعدل العام، وهو ما وصفه كلاوس هاسلينغر، الباحث في مجال المناخ، بأنه مؤشر مثير للقلق، وأوضح أنه إذا لم تهطل كميات كبيرة من الأمطار خلال الأسابيع الثلاثة أو الأربعة المقبلة، فقد يكون لذلك تأثير سلبي على نمو النباتات والغطاء النباتي.

وأشار هاسلينغر إلى أنه لا يوجد تعريف علمي محدد للجفاف، لكنه يُعرف عمومًا بأنه فترة تمتد لعدة أشهر يكون فيها الهطول أقل بكثير من المعدل الطبيعي، وهو ما ينطبق حاليًا على النمسا. وأضاف: “كان الشتاء الماضي قليل الأمطار للغاية، ونحن ندخل الآن موسم النمو في ظل ظروف جافة جدًا”.

مناطق تعاني من نقص حاد في الأمطار

في بعض المناطق، كانت معدلات هطول الأمطار أقل بكثير من المعدل الوطني. على سبيل المثال، سجلت منطقة Rax نقصًا يتراوح بين 70% و85% من كمية الأمطار المعتادة بين ديسمبر ومارس. وفي محطة الطقس Reichenau/Rax، لم تهطل سوى 30 ملم من الأمطار بين 1 ديسمبر 2024 و10 مارس 2025.

كما شهدت مدن أخرى نقصًا كبيرًا، حيث سجلت سانت بولتن 22 ملم فقط من الأمطار مقارنة بالمعدل الطبيعي البالغ 66 ملم، بينما هطلت في لانغن آم آرلبرغ 103 ملم فقط بدلاً من 239 ملم.

حرائق الغابات تتزايد والخطر مستمر

في ظل الجفاف الشديد، اندلعت حرائق غابات في عدة مناطق متضررة، أبرزها حريق في منطقة راكس Schwarzau im Gebirge يوم السبت، والذي تسبب فيه احتراق سيارة. ولا تزال عمليات الإطفاء مستمرة لعدة أيام. ووفقًا لـ قاعدة بيانات حرائق الغابات في جامعة الموارد الطبيعية وعلوم الحياة (BOKU) في فيينا، فقد اندلع منذ الأول من مارس تسعة حرائق غابات إضافية، ليصل العدد الإجمالي في عام 2024 إلى 28 حريقًا، جميعها ناتجة عن أنشطة بشرية.

وأصدرت الهيئة النمساوية للغابات (ÖBf) تحذيرات متكررة خلال الأيام الماضية من خطر حرائق الغابات. ووفقًا لاستطلاع أجرته الهيئة، فإن 51% فقط من النمساويين يعتبرون حرائق الغابات والتغيرات المناخية تحديًا رئيسيًا، بينما يرى 60% أن الجفاف يشكل تهديدًا رئيسيًا، و58% قلقون من انتشار خنفساء اللحاء.

حذر غورغ شيوبل، المتحدث باسم ÖBf، من أن إشعال النيران أو التدخين في الغابات يجب أن يكون ممنوعًا تمامًا في ظل الظروف الحالية، مضيفًا: “لا يمكننا ري الغابات كما نفعل مع الحدائق، لذا يجب أن نعتمد على التدابير الوقائية وسلوك الناس”.

تأثير الجفاف على الزراعة: بداية الموسم بـ”خزان مياه فارغ”

بالنسبة للقطاع الزراعي، لم يتحول الجفاف الحالي بعد إلى أزمة حادة، وفقًا لغرفة الزراعة النمساوية. وأوضح رئيس الغرفة جوزيف موسبرغر أن المحاصيل لا تزال تتلقى المياه من الأمطار المخزنة من الخريف الماضي. ومع ذلك، فإن الوضع لا يدعو للاطمئنان، حيث أضاف: “نبدأ الموسم الجديد وكأننا بخزان مياه فارغ”.

وفي حال استمر انخفاض هطول الأمطار خلال الأسابيع المقبلة، قد تتفاقم المشكلة وتؤدي إلى خسائر في المحاصيل، خاصة في محاصيل الحبوب الشتوية وزيت الكانولا التي تدخل قريبًا في مرحلة النمو الرئيسية، إلى جانب المحاصيل الربيعية مثل بنجر السكر وفول الصويا والذرة.

وأعرب العديد من المزارعين عن قلقهم العميق بشأن الوضع الحالي، خاصة في مناطق جبال الألب، حيث من المتوقع أن يؤدي نقص الثلوج في الشتاء إلى انخفاض كمية مياه الذوبان، مما يزيد من تفاقم أزمة المياه.

تزايد معاناة مرضى الحساسية بسبب الجفاف

إضافة إلى التأثيرات البيئية والزراعية، يؤثر المناخ الجاف والدافئ في مارس على مرضى الحساسية، حيث بدأت النباتات المسببة للحساسية مثل أشجار البندق (Hasel) والألدر (Erle) في الإزهار مبكرًا هذا العام. وأظهرت بيانات خدمة المعلومات النمساوية حول حبوب اللقاح أن موسم الحساسية بدأ بشكل متقدم بشكل متزايد على مدار العقدين الماضيين، ما يفاقم الأعراض لدى المصابين.

توقعات الطقس: أمطار محلية ضعيفة فقط

بحسب توقعات الأرصاد الجوية في ORF، لن تتحسن الأوضاع كثيرًا في الأيام المقبلة، إذ من المتوقع سقوط زخات مطرية محلية ضعيفة فقط في عدة مناطق من النمسا. بينما سيظل شرق البلاد، بما في ذلك منطقة الدانوب وولايات بورغنلاند وشتايرمارك الجنوبية الشرقية، جافًا تمامًا، مما يزيد من مخاطر الجفاف بسبب الرياح القوية التي تجفف التربة أكثر.

أما بالنسبة للمناطق الغربية والجنوبية من النمسا، فمن المتوقع هطول الأمطار بدءًا من يوم الأربعاء، لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت كافية للتخفيف من حدة الجفاف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى