اليمين، اليسار، والإسلاميون: تزايد التطرف والعنف في النمسا وتنامي التجنيد عبر الإنترنت
فيينا – INFOGRAT:
سجّل تقرير حماية الدستور لعام 2024 ارتفاعًا في عدد الأعمال المتطرفة في جميع الاتجاهات، وتزايدًا في الاستعداد لممارسة العنف، وذلك في النمسا، كما عُرض صباح الإثنين في فيينا من قبل وزير الداخلية النمساوي Gerhard Karner (غيرهارد كارنر) من حزب الشعب النمساوي (ÖVP)، بمشاركة سكرتير الدولة Jörg Leichtfried (يورغ لايشتفرايد) من الحزب الاشتراكي (SPÖ)، ومدير هيئة حماية الدولة والاستخبارات (Direktion Staatsschutz und Nachrichtendienst – DNS) Omar Haijawi-Pirchner (عمر حيجاوي-بيرشنر).
وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، أظهر التقرير زيادة بنسبة 23 في المئة في عدد الجرائم المتطرفة المسجلة مقارنة بعام 2023، وُثّق خلالها ارتفاع واضح في قضايا الاعتداء الجسدي، وتخريب الممتلكات، وانتهاكات قانون الأسلحة. وقد أُجريت 260 عملية تفتيش منزلية، و53 عملية توقيف.
ووفقًا لـ Haijawi-Pirchner، ما يزال اليمين المتطرف يمثل أكبر تهديد من حيث عدد الجرائم، حيث تم تسجيل 1,486 حالة. وأشار إلى أن كلًا من “اليمين التقليدي” و”اليمين الجديد” أظهرا درجة متزايدة من التواصل الدولي، سواء على الإنترنت أو خارجه.
التطرف عبر الإنترنت واستهداف القُصّر
واعتبر Haijawi-Pirchner أن مشهد اليمين المتطرف “مستعد لاستخدام العنف”، وأورد كمثال مجموعة على تطبيق Telegram تضم حوالي 150 عضوًا معظمهم من القُصّر، يديرها شاب يبلغ من العمر 16 عامًا من ولاية النمسا السفلى (Niederösterreich). وهدفت المجموعة، بحسب التقرير، إلى “مقاومة” المواطنين الأجانب و”الخصوم السياسيين”، كما تضمن نشاطها تمجيدًا للنازية، ونشر مقاطع فيديو تحتوي على مشاهد قتل موجهة ضد “People of Colour” (أشخاص من ذوي البشرة الملونة)، ويهود، ومسلمين، وأشخاص من مجتمع LGBTQ.
وحذر Karner من أن جماعات اليمين المتطرف تُبدي ميلاً متزايدًا نحو التسلح، حيث صودرت كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة. وأضاف Haijawi-Pirchner أن المجموعات الشابة تتحضر لما يُعرف بـ “Tag X” (يوم الحسم أو الانقلاب)، مستعينة بروايات المؤامرة المنتشرة عبر الإنترنت والتي تسهم في تجنيد الأفراد.
الإسلاميون: “أكبر تهديد”
وفيما يتعلق بالتطرف الإسلامي، أكد وزير الداخلية أنه ما يزال “بلا شك الأخطر”، حيث سجل التقرير ارتفاعًا بأكثر من 40 في المئة في عدد الحوادث، بواقع 215 حادثة عام 2024. وقد أُوقف 28 شخصًا، ونُفذت عمليات تفتيش في 68 موقعًا. ولفت Karner إلى أن مستوى التحذير من الإرهاب لا يزال عند “الدرجة العالية”.
ورأى الوزير أن الهجوم الذي نفذته حركة Hamas (حماس) على إسرائيل بتاريخ 7 أكتوبر 2023 ساهم في “تسريع عملية تطرف الشباب عبر الإنترنت”، مشيرًا إلى أنهم يُستدرجون إلى مجموعات تقدم لهم تعليمات حول تنفيذ هجمات.
الذكاء الاصطناعي في خدمة الدعاية الإرهابية
حذّر Haijawi-Pirchner من أن الجماعات الإرهابية باتت تستعين بالذكاء الاصطناعي (KI – Künstliche Intelligenz) في إنتاج مواد دعائية. من جهته، أوضح السكرتير Leichtfried أن عمليات التلاعب عبر الإنترنت تتم “بشكل تدريجي وشبيه بالطرق الطائفية”، وأضاف: “لكنها فعالة”.
وأكد Leichtfried أنه جرى إحباط ثمانية اعتداءات ذات خلفية إسلامية خلال عام 2024، من بينها مخططات استهدفت محطات قطارات وحفلًا موسيقيًا للمغنية Taylor Swift (تايلور سويفت). وأشار Haijawi-Pirchner إلى أنه رغم تزايد عدد الأفراد الذين يُصنّفون كـ”خطرين” منذ هجوم حماس، فإن عددهم لا يزال ضمن “النطاق المئوي المنخفض”.
تصاعد في اليسار المتطرف
أما بالنسبة لليسار المتطرف، فقد أورد التقرير أن عدد الأفراد المنتمين إليه لا يزال “في نطاق الأرقام الثنائية المنخفضة”، إلا أن عدد الجرائم المرتبطة به ارتفع بنسبة 120 في المئة مقارنة بالعام السابق، ليبلغ 214 حالة، تركزت خصوصًا في سياق الصراع في Gaza (غزة). وأبرز الجرائم الموثقة شملت اعتداءات جسدية وتخريب ممتلكات، واستهدفت غالبًا خصومًا سياسيين ومرافق عامة.
تصاعد في أعمال التجسس
كما أشار التقرير إلى زيادة في أنشطة التجسس، خصوصًا ضد مؤسسات اقتصادية وبحثية نمساوية. واتهم التقرير أجهزة استخبارات من روسيا، الصين، إيران، كوريا الشمالية، وتركيا بتكثيف محاولاتها لاستخلاص معلومات اقتصادية وعلمية من النمسا.
وفي ما يتعلق بتجارة الأسلحة غير المشروعة، وُصفت النمسا بأنها بلد عبور ومصدر في آن، وأكد التقرير أن الأفراد باتوا أكثر انخراطًا في هذا النوع من التجارة، وليس فقط الجماعات المنظمة.
الحروب تُعقّد الوضع الأمني
وأفاد Karner بأن الهجوم الروسي على أوكرانيا وهجوم حماس على إسرائيل قد غيّرا الوضع الأمني في البلاد بشكل دائم، وجعلاه “أكثر تعقيدًا وترابطًا”. وأعلن عن خطط لتوسيع الموارد البشرية في جهاز حماية الدولة، مشددًا على ضرورة منح الـ DNS صلاحيات إضافية، مثل مراقبة تطبيقات المراسلة، وهي نقطة لا تزال تُقابل بتحفظ داخل الحكومة من قبل حزب NEOS.
ورفض Haijawi-Pirchner التعليق على طبيعة التعاون مع الأجهزة الأمنية الأمريكية بعد تولي Donald Trump (دونالد ترامب) الرئاسة، مكتفيًا بالقول: “لا نعلّق أبدًا على التعاون مع شركائنا”. لكنه أكد أن تعاونًا مكثفًا حصل في عام 2024، وما زال مستمرًا.
مواقف الأحزاب السياسية
وصرّح الأمين العام لحزب FPÖ، Michael Schnedlitz (ميخائيل شنيدليتز)، أن “النمساويين لم يعودوا آمنين، لا في أي مكان ولا في أي وقت”، محمّلًا الأحزاب الأخرى، وعلى رأسها حزب ÖVP، المسؤولية الكاملة، واصفًا ذلك بـ”الإخفاق الصارخ”.
أما NEOS، فأكد على لسان أمينه العام Douglas Hoyos (دوغلاس هويوس) ضرورة مضاعفة الجهود في مجال مكافحة التطرف والوقاية، لا سيما عبر التعليم والتوعية.
من جهته، عبّر Die Grünen (حزب الخضر) عن ارتياحها لأن مقترحهم القاضي بفرض حد أدنى للعمر على وسائل التواصل الاجتماعي (16 عامًا) بدأ يُؤخذ بعين الاعتبار من قبل الحكومة، كما صرّحت بذلك المتحدثة باسم شؤون الشباب Barbara Neßler (باربارا نيسلر)، والمتحدث باسم الشؤون الرقمية Süleyman Zorba (سليمان زوربا).



