انتخابات فيينا 2025: تأخر النتائج وآليات التقديرات واستطلاعات الرأي

تشهد فيينا استعدادات مكثفة عشية إجراء انتخابات برلمان الولاية (Landtag)، مجلس البلدية (Gemeinderat)، والمجالس التمثيلية لـ23 مقاطعة (Bezirksvertretungen) يوم الأحد. وفي مقال رأي مشترك، شرح الخبيران كريستوف هوفينغر (Christoph Hofinger) وبيتر فيلزمانير (Peter Filzmaier) أسباب تأخر إعلان النتائج مقارنة بباقي ولايات النمسا، كما قدما شرحًا لآليات التقديرات الانتخابية، أبحاث دوافع التصويت، وتحليل حركة الناخبين بين الأحزاب.

وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، خلال الانتخابات الوطنية النمساوية، نكون عادةً على علم دقيق بالنتيجة النهائية بحلول الساعة الخامسة مساءً، مع استثناء الحالات التي تكون فيها النتائج متقاربة للغاية، حيث يلزم انتظار الفرز الكامل للأصوات، أما في فيينا، فالوضع يختلف؛ إذ أن إعلان النتائج يستغرق وقتًا أطول.

ومع ذلك، توفر هيئة الإذاعة النمساوية (ORF) خلال التغطيات الانتخابية بيانات عن دوافع تصويت الناخبين لصالح الأحزاب المختلفة، وهذا يطرح سؤالًا: كيف تتم التقديرات الانتخابية، أبحاث دوافع التصويت، وتحليلات حركة الناخبين؟

قد يعتقد البعض أن نتيجة الانتخابات سارية لمدة خمس سنوات، وبالتالي يمكن ببساطة الانتظار خمس ساعات إضافية ليلة الانتخابات للحصول على النتائج، إلا أن التطور الحاصل جعل العملية أسرع، حيث يتم عدّ معظم أصوات التصويت بالبريد في اليوم نفسه.

دور التقديرات الإعلامية

لو لم تُجرَ تقديرات مستقلة، لكانت الشخصيات السياسية من مختلف الأحزاب تقدّم تقديرات مبالغًا فيها للنتائج، بهدف التأثير على الرأي العام. كما كان من الممكن أن تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل Facebook وX وغيرها شائعات بهدف تلبية رغبة الناس بمعرفة النتائج بسرعة، لكن تقديرات ORF تتيح ذلك بمهنية وموثوقية أكبر.

في الانتخابات الإقليمية بباقي الولايات وكذلك في الانتخابات البرلمانية الوطنية، تُغلق العديد من مراكز الاقتراع في منتصف اليوم أو خلال ساعات بعد الظهر، وتبدأ عملية عد الأصوات مبكرًا، مما يسمح بإرسال النتائج الجزئية فور إغلاق آخر مركز اقتراع في الساعة الخامسة مساءً، ومنها يتم حساب النتيجة الإجمالية المتوقعة، إلا أن هذه المهمة ليست سهلة، إذ تختلف أنماط التصويت في المناطق الريفية عن المدن الكبرى.

في الخامسة مساءً: لا توجد إلا “توقعات مبدئية”

في فيينا، تُغلق جميع مراكز الاقتراع في تمام الساعة الخامسة مساءً بالتحديد، ولا تكون أي ورقة اقتراع قد فُرِزت بحلول هذا الوقت، لذلك، لا يمكن إجراء تقديرات دقيقة إلا بعد فرز نسبة صغيرة جداً من الأصوات (حوالي عُشر بالمئة)، ويعتمد الوقت الذي ستتوفر فيه أولى التقديرات على عدة عوامل، أهمها نسبة المشاركة، مما يجعل التوقيت الدقيق غير معروف؛ فقد يكون ذلك قبل السادسة مساءً بقليل أو لاحقًا.

وبينما ينتظر الجميع النتائج، لن يقف مقدمو البرامج مكتوفي الأيدي، بل ستقوم هيئة الإذاعة النمساوية (ORF) بالتعاون مع ATV/PULS ووكالة الأنباء النمساوية (APA) ببث “توقعات الاتجاه العام” (Trendprognose) في تمام الساعة الخامسة مساءً، اعتمادًا على استطلاعات رأي وتحليلات مشتركة أجراها كل من بيتر هايك (Peter Hajek) ومعهد فورسايت (FORESIGHT) استنادًا إلى عينة من حوالي 3600 مشارك.

تغطية انتخابات فيينا 2025 عبر ORF

يوم الانتخابات، الأحد 27 أبريل 2025، سيخصص ORF2 فترة بعد الظهر بالكامل لتغطية انتخابات برلمان ومجلس بلدية فيينا، حيث تبدأ التغطية المباشرة من قاعة البلدية (Rathaus) واستوديو ORF الرئيسي عند الساعة 15:30.

حول موثوقية الاستطلاعات

رغم دقة تنفيذ الاستطلاعات، إلا أن هناك هامش خطأ يبلغ حوالي ثلاثة بالمئة زيادة أو نقصانًا. ويرجع ذلك إلى الأخطاء العشوائية المحتملة والانحرافات الناتجة عن أن بعض أنصار الأحزاب يصرحون بميولهم أكثر أو أقل من غيرهم. وبالتالي، في حال كانت النتائج متقاربة، يمكن أن تختلف النتيجة الحقيقية عن التوقعات.

والجدير بالذكر أن جميع الاستطلاعات خلال الأسابيع والأشهر الماضية ليست سوى لقطات لحظية قد لا تعكس بدقة التغيرات الأخيرة، خصوصًا في حال قرر عدد كبير من الناخبين اتخاذ قرارهم النهائي قبل يومين أو حتى يوم الانتخابات.

هل تؤثر الاستطلاعات على التصويت؟

الجواب المختصر هو: نعم ولا. فمن جهة، يميل البعض إلى التصويت للأحزاب المتصدرة (تأثير الانضمام للجماعة)، ومن جهة أخرى، قد تدفع الاستطلاعات المتدنية البعض إلى التضامن مع الأحزاب المتعثرة. ورغم هذا التناقض الظاهري، فإن الواقع يثبت أن الاستطلاعات تؤثر بالفعل؛ كما حدث عندما استفاد سيباستيان كورتس (Sebastian Kurz) وحزبه (ÖVP) في عامي 2017 و2019 من موجة إيجابية عززت مكاسبهم الانتخابية. بالمقابل، تمكن الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPÖ) من تحقيق انتصار مفاجئ سنة 2006 رغم فضيحة BAWAG-ÖGB، بفضل موجة تضامن مع زعيمه ألفريد غوزنباور (Alfred Gusenbauer).

كما ثبت ما يُعرف بتأثير “المقصلة” (Fallbeil-Effekt)، حيث يمتنع الناخبون عن التصويت لأحزاب تبدو استطلاعيًا بعيدة عن اجتياز نسبة العتبة الانتخابية (أربعة بالمئة على المستوى الوطني وخمسة بالمئة في برلمان ومجلس بلدية فيينا) حتى لا يضيعوا أصواتهم.

سيناريو التشويق (“Cliffhanger”)

في نهاية المطاف، تفقد الاستطلاعات أهميتها مع بدء إعلان التقديرات المبنية على الأصوات الفعلية، والتي تتضمن تقديرات التصويت عبر البريد. ورغم أن معظم أصوات التصويت بالبريد تُحتسب مبكرًا، إلا أن بعض الحالات الخاصة قد تؤدي إلى تأخير بسيط؛ مثل أن يقوم ناخب من منطقة Favoriten بتسليم ورقة تصويته عبر البريد شخصيًا في Hütteldorf، أو أن تصل أصوات بريدية بعد موعد إغلاق المراكز يوم الجمعة.

وفي حال كان الفارق بين الأحزاب المتنافسة ضئيلاً للغاية، سواء على صعيد الفوز بالمركز الأول، أو تشكيل ائتلافات الأغلبية، أو اجتياز العتبة الانتخابية، قد تظل الأمور غير محسومة ليلة الانتخابات.

خصوصيات انتخابات المجالس المحلية

بالتوازي مع انتخاب البرلمان المحلي ومجلس البلدية، تُجرى انتخابات المجالس التمثيلية لـ23 مقاطعة في فيينا. وتتميز هذه الانتخابات بأن الحزب الأقوى في كل مقاطعة يحصل تلقائيًا على منصب رئيس المجلس المحلي (Bezirksvorsteher أو Bezirksvorsteherin).

وعلى عكس ذلك، على مستوى مجلس بلدية فيينا وكذلك في ولايتي النمسا السفلى (Niederösterreich) وستيريا (Steiermark)، يتم اختيار رؤساء البلديات ورؤساء الولايات والمستشارين من خلال تشكيل الائتلافات، فيما تعتمد الولايات الست الأخرى أسلوب الانتخاب المباشر.

ميزة إضافية تتمثل في أن حوالي 260 ألف مواطن من دول الاتحاد الأوروبي المقيمين في فيينا يحق لهم التصويت في انتخابات المجالس التمثيلية للمقاطعات، رغم عدم تمتعهم بحق التصويت لبرلمان الولاية أو المجلس البلدي، نظرًا لأن المجلسين ينتخبان عبر نفس الاقتراع.

يقوم معهد فورسايت (FORESIGHT) بإعداد تقديرات مستقلة لكل من المقاطعات الـ23، حيث من المتوقع أن تُفرز نتائجها لاحقًا مساءً، بدءًا من الساعة 21:00 تقريبًا، ما يخفف الضغط عن المحللين الذين يتابعون نتائج المجالس والبرلمان معًا.

تحليل دوافع التصويت قبل إعلان النتائج

تُستند تحليلات دوافع التصويت إلى استطلاعات رأي حديثة تهدف إلى استكشاف الاتجاهات، وليس بالضرورة تقديم نتائج دقيقة. إذ أن معرفة، مثلًا، أن 30% من ناخبي حزب ما يعتبرون شخصية المرشح عاملاً حاسمًا، مقارنة بأقل من 10% لحزب آخر، تظل نتائج تحليلية صالحة حتى مع هامش خطأ صغير.

ويجري خلال ساعات البث الأولى عرض بيانات لا تتعلق بنتائج الانتخابات بشكل مباشر، مثل المواضيع الأكثر نقاشًا بين الناخبين، أو الاتجاه العام (تحسن أو تدهور) الذي يرونه في أوضاع المدينة أو البلاد.

تحليل التصويت حسب العمر والجنس وتنقلات الناخبين

تحليل التصويت حسب الفئات العمرية والجنس لا يكون دقيقًا إلا بعد “معايرة” بيانات الاستطلاع بناءً على النتائج الفعلية أو أفضل التقديرات، عبر تقنية الوزن الإحصائي.

أما تحليلات تنقلات الناخبين (Wählerstromanalysen)، التي غالبًا ما تُعرض في نشرة ZIB2، فلا تعتمد على استطلاعات الرأي بل على منهجية حسابية تعرف بـ”الانحدار المتعدد” (multiple Regression)، حيث تُستخدم نتائج الانتخابات السابقة والحالية لكل مركز اقتراع لمعرفة اتجاهات انتقال الأصوات، وهي أكثر دقة من سؤال الناخبين عن تصويتهم السابق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى