بدء عطلة الصيف في ثلاث ولايات نمساوية وسط دعوات لتخفيف الضغط على العائلات

بدأت عطلة الصيف المدرسية صباح اليوم الجمعة في ولايات فيينا (Wien)، النمسا السفلى (Niederösterreich) وبورغنلاند (Burgenland)، حيث يستعد التلاميذ لقضاء عدة أسابيع بعيداً عن الضغوط الدراسية، بينما يواجه أولياء الأمور تحديات تنظيم الرعاية والبرامج اليومية لأبنائهم خلال فترة إجازة تمتد إلى 14 أسبوعاً. ودعت باربارا بيندر (Barbara Binder)، المستشارة النفسية ومختصة العلاج النفسي لدى منصة “رات أوف درات” (Rat auf Draht)، إلى ضرورة “تخفيف الضغط”، ليس فقط عن الأطفال والمراهقين، بل أيضاً عن الأهالي أنفسهم.

وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، قالت بيندر، إن العديد من الآباء يستقبلون العطلة الصيفية بمشاعر “مختلطة”، فبينما يجلب انتهاء العام الدراسي والطقس الجميل أجواء من الاسترخاء، تبرز في المقابل أعباء تنظيم الرعاية اليومية للأطفال على مدار شهرين، وهو ما يتطلب التفكير في أنشطة وجدولة دقيقة للوقت.

تعتمد إمكانيات هذه الرعاية على عدة عوامل، منها الوضع المالي، وجود الجد والجدة أو أقارب آخرين، إضافة إلى توفر المرافق المحلية كالمخيمات أو مراكز الأنشطة الصيفية.

تناقض بين طول العطلة وإمكانيات الإجازة

وفقاً لدراسة عن تكاليف المدرسة أجرتها غرفة العمل النمساوية (Arbeiterkammer – AK)، فإن الأطفال يقضون في المتوسط أسبوعاً واحداً في رعاية عامة، وآخر في مخيمات أو رعاية خاصة خلال العطلة الصيفية. في المقابل، يقضون سبعة أيام في المنزل دون إشراف مباشر، فيما يتم توفير الرعاية في نحو ستة أسابيع من قبل الوالدين أو الأقارب.

وقد أظهرت الدراسة أن 17% من العائلات يعتمدون على الإخوة الأكبر سناً في الرعاية، بينما لا يملك الآباء والأمهات أنفسهم سوى خمسة أسابيع فقط كإجازة رسمية سنوية. نحو ثلث المستطلعين أشاروا إلى أنهم ينقلون عملهم إلى المنزل (Homeoffice) خلال شهري يوليو وأغسطس، فيما 10% من الأهالي مضطرون لتقليل ساعات العمل خلال هذه الفترة.

نقد لتقاليد العطلة الصيفية الطويلة

أعرب فولفغانغ مازال (Wolfgang Mazal)، رئيس المعهد النمساوي لأبحاث الأسرة في جامعة فيينا، عن انتقاده لطول فترة العطلة الصيفية، متسائلاً في مقابلة مع صحيفة “Die Presse”:
“لماذا تحتاج رياض الأطفال ودور الحضانة إلى أيام إغلاق؟ المستشفيات والإطفاء لا تغلق لعشرين أو أربعين يوماً في السنة”. وأشار إلى أن نظام العطلة الصيفية الطويلة يعود إلى حقبة الإمبراطورة ماريا تيريزا حين كان الأطفال يشاركون في جني المحاصيل، وأضاف: “من الواضح أن هذا التقليد أصبح متجاوزاً”.

التركيز على الجودة لا على الكمية

أكدت بيندر أن الوقت الذي يقضيه الآباء مع أطفالهم يجب ألا يُقاس بعدد الساعات فقط، بل بجودته. فحتى لو لم يتمكن الأهل من قضاء شهرين كاملين مع أبنائهم، يمكنهم إيجاد لحظات ذات معنى خلال عطلة عائلية واحدة أو في أنشطة مشتركة. وشددت على أهمية أن يشعر الأطفال بأن الوقت المشترك هو وقت خاص بعيد عن الالتزامات المدرسية والعملية.

سفر العائلات: وقت عائلي لا “عطلة” للأهل

أشارت بيندر إلى أن العديد من الأهالي لا يعتبرون السفر مع الأطفال عطلة حقيقية، بل “وقتاً عائلياً”. واعتبرت أن الشعار الأمثل هو “الأقل أكثر”: أي عدم حشو الرحلة بالكثير من المحطات، وعدم الانتقال من مكان إلى آخر باستمرار أو زيارة عدد كبير من المعالم السياحية. وبدلاً من ذلك، يُنصح بتحديد مكان يشعر فيه جميع أفراد العائلة بالراحة، مع خلق مساحة للأهل أيضاً ليرتاحوا.

الخبرات المشتركة أهم من الرفاهية

أشارت بيندر إلى أن التكاليف قد تكون عائقاً لدى بعض العائلات، حيث لا يستطيع الجميع تحمل تكلفة السفر. لكن “ليس كل طفل يحتاج إلى الرفاهية”، على حد تعبيرها. الخبرات المشتركة مثل لعب الأطفال سوياً خلال الإجازة، أو ذكرهم لتجاربهم عند العودة إلى المدرسة، هي ما يخلق القيمة الحقيقية للعطلة. وأضافت: “من المهم أن يشعر الطفل أن الوقت المشترك هو وقت خاص، ولا يتعلق الأمر دائماً بالمال، بل بالتجربة والمتعة والاسترخاء الجماعي.”

وسائل التواصل والترفيه الرقمي: جزء من الراحة

أشارت بيندر إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو تشكّل جزءاً من الراحة النفسية لكثير من الأطفال والمراهقين، وحذرت من أن الحظر التام لاستخدام الهواتف الذكية من قِبل الأهل قد يأتي بنتائج عكسية. واقترحت بدلاً من ذلك تقديم بدائل مثل الرحلات والنشاطات الرياضية لجذبهم إلى تجارب جديدة خارج الإنترنت.

حتى من لديهم امتحانات لاحقة بحاجة إلى راحة

وختمت بيندر بالتأكيد على أهمية منح الطلاب استراحة صيفية فعلية، حتى أولئك الذين ينتظرهم امتحان إعادة (Nachprüfung) في الخريف. وأوصت بتخطيط مسبق للدراسة بشكل مشترك بين الأهل والأبناء، بحيث يُخصص وقت للراحة في البداية، ثم يبدأ التحضير التدريجي بوقت كافٍ. وقالت: “نحتاج فعلاً إلى الدخول في حالة استرخاء حقيقي قبل العودة إلى التركيز من جديد.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى