براءة المستشار النمساوي الأسبق كورتس من تهمة الكذب أمام لجنة “إيبيزا”
فيينا – INFOGRAT:
صدر، اليوم الإثنين، حكم نهائي عن محكمة الاستئناف العليا في فيينا (OLG Wien)، قضى ببراءة المستشار النمساوي الأسبق ورئيس حزب الشعب (ÖVP) السابق سيباستيان كورتس (Sebastian Kurz) من تهمة الإدلاء بإفادة كاذبة أمام لجنة التحقيق البرلمانية المعروفة بـ”لجنة إيبيزا (Ibiza-U-Ausschuss)”، فيما أُبقي على الحكم بالإدانة الصادر بحق رئيس ديوانه السابق بيرنهارد بونيلي (Bernhard Bonelli).
وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، جرت المحاكمة صباح اليوم وسط اهتمام إعلامي واسع في القاعة الكبرى لقصر العدل في فيينا، حيث بدأ النظر في استئناف الحكم الابتدائي الصادر في فبراير 2024، والذي أدان كلاً من كورتس وبونيلي بـ”الكذب أمام لجنة تحقيق برلمانية”، وهي تهمة يُعاقب عليها القانون النمساوي لما تفرضه تلك الجلسات من واجب قول الحقيقة (Wahrheitspflicht).
تعود القضية إلى تصريحات أدلى بها كورتس وبونيلي عام 2020 أمام لجنة التحقيق التي تم إنشاؤها بعد فضيحة “فيديو إيبيزا”، حين سُئلا عن مدى تدخل كورتس في تعيين توماس شميد (Thomas Schmid) رئيسًا لمجلس إدارة شركة ÖBAG (الهيئة النمساوية لإدارة الاستثمارات الفيدرالية). أنكر كورتس آنذاك أي دور له في التعيين، بينما صرح شميد لاحقًا، في إفادته للنيابة، أن “أي قرار لم يكن ليتخذ دون موافقة كورتس”.
الحكم الابتدائي والاستئناف
في الحكم الابتدائي، قضى القاضي ميخائيل راداشتِتش (Michael Radasztics) على كورتس بعقوبة ثمانية أشهر مع وقف التنفيذ، وعلى بونيلي بستة أشهر، استنادًا إلى أن كلاهما حاول التقليل من مشاركته في عملية التعيين.
إلا أن كورتس وبونيلي تقدما باستئناف ضد الحكم، مؤكدَين أن إفاداتهما لم تكن كاذبة، وأن ظروف التحقيق لم تسمح لهما بشرح موقفيهما على نحو وافٍ.
محكمة الاستئناف تبرئ كورتس وتدين بونيلي
قضت محكمة الاستئناف، التي يرأسها هيئة من ثلاثة قضاة، اليوم بإلغاء الحكم الصادر بحق كورتس. وقال القضاة في حيثيات الحكم إن جلسة لجنة التحقيق لم تُتح لكورتس فرصة تقديم إجابة وافية، وإنه لا يمكن الجزم بأنه تعمد الإدلاء بمعلومة غير صحيحة. وقد أشار الحكم إلى أن النائبة عن حزب NEOS، ستيفاني كريسبِر (Stefanie Krisper)، كانت قد قاطعت كورتس خلال إجابته، مما حال دون تقديم إفادة مكتملة.
بالمقابل، أُبقي الحكم الابتدائي الصادر بحق بونيلي دون تغيير، إذ رأى القضاة أن الأخير امتلك الوقت الكافي للإجابة وأنه قال بوضوح إن تعيين شميد تم “بصورة حصرية داخل وزارة المالية”، في حين أظهرت الأدلة أن المشاورات شملت جهات أخرى. واعتبرت المحكمة أن مزاعم بونيلي بأنه كان تحت ضغط شديد أثناء الاستجواب غير صحيحة.
دفوع الدفاع: التحيز والإخلال بالإجراءات
احتج فريق الدفاع عن كورتس بأن القاضي الابتدائي ميخائيل راداشتِتش كان متحيزًا، مستندين إلى تورطه في تسريب معلومات إلى السياسي بيتر بيلتس (Peter Pilz)، الذي يُعد من أشد خصوم كورتس السياسيين، وقد أدين القاضي لاحقًا تأديبيًا لهذا السبب. وأوضح الدفاع أن هذا الحكم التأديبي صدر بعد يوم واحد فقط من إدانة كورتس.
لكن النيابة، ممثلة في ماتياش بوركارت (Matthias Purkart) ورولاند كوخ (Roland Koch)، رفضت هذه المزاعم، مؤكدَين أن العلاقة بين راداشتِتش وبيتر بيلتس “لم تكن صداقة أو تعاونًا مهنيًا”، وأن الحكم الابتدائي كان قانونيًا ومُعللاً بدقة.
تصريحات كورتس وبونيلي أمام المحكمة
في مداخلته أمام المحكمة، قال كورتس:
“لقد كان من الخطأ أنني لم أُحضّر نفسي على نحو أفضل لجلسة لجنة التحقيق. حاولت أن أكون صادقًا خلال أربع ساعات مليئة بالأسئلة المتنوعة، لكنني بالتأكيد لم أكذب”.
وأضاف:
“أجد أنه من غير المفهوم أن أُدان لأنني لم أُدلِ بإفادة كاملة، في حين أنني قُوطعت ولم تُتح لي فرصة ذلك”.
أما بونيلي، فاستند في دفاعه إلى اقتباسات من كتاب “الاعترافات” للقديس أوغسطين (Augustinus)، قائلًا:
“حيث وجدت الحقيقة، وجدت ربي، الحقيقة ذاتها، التي لم أنسها منذ بدأت أتعلمها”.
تبعات “فيديو إيبيزا” وملفات أخرى ضد كورتس
تعود أصول التحقيقات إلى ما سُمي بـ”فيديو إيبيزا”، الذي ظهر فيه زعيم حزب الحرية السابق هاينتس-كريستيان شتراخه (Heinz-Christian Strache)، وهو يتحدث عن إمكانية شراء وسائل إعلامية وتوزيع عقود حكومية بطرق غير قانونية. أدى الفيديو إلى فتح تحقيقات واسعة النطاق ومصادرة هواتف محمولة وبيانات إلكترونية، منها بيانات توماس شميد، التي كشفت عن مراسلات تثبت تدخلات سياسية.
في عام 2020، أُنشئت لجنة التحقيق البرلمانية بشأن “شبهات الفساد في الحكومة الائتلافية بين حزب الشعب وحزب الحرية”، وخلالها تم استجواب كورتس وبونيلي وشميد، حيث نفى كورتس علاقته بتعيين شميد رئيسًا للهيئة الاستثمارية.
إلى جانب هذه القضية، لا تزال هناك تحقيقات جارية ضد كورتس منذ عام 2021 في ما يُعرف بـ”قضية استطلاعات الرأي (Beinschab-Tool)”, حيث يُتهم باستخدام أموال الدولة من وزارات يقودها حزب الشعب لدفع تكاليف استطلاعات رأي نُشرت في وسائل إعلام محسوبة على الحزب. وقد أظهرت التحقيقات أن سابينه باينشاب (Sabine Beinschab)، الباحثة المسؤولة عن هذه الاستطلاعات، أقرت بالتهم الموجهة إليها وأصبحت شاهدة ملك. بينما يواصل كورتس إنكار كل التهم المنسوبة إليه، مع سريان قرينة البراءة.



