برلمان النمسا السفلى يقرّ تعديلات مثيرة للجدل ضمن “خطة مكافحة الإسلام الراديكالي”

أقرّ برلمان ولاية النمسا السفلى يوم الأربعاء في مقره المحلي خمسة تعديلات قانونية ضمن ما يُعرف بـ”خطة العمل لمكافحة الإسلام الراديكالي”، في محاولة لمواجهة مظاهر الإسلام السياسي في المجتمع، وذلك رغم محدودية الصلاحيات الإقليمية مقارنة بالسلطات الفدرالية، وفي ظل انتقادات من خبراء اعتبروا أن الخطة تخلط بين قضايا متعددة وتستهدف فئة بعينها، مما يفاقم الانقسام الاجتماعي.

وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، صادق البرلمان الإقليمي على تغييرات في خمسة قوانين محلية تمثل جزءًا من خطة العمل التي تدفع بها حكومة الولاية التي يقودها تحالف فعلي بين حزب الشعب النمساوي (ÖVP) وحزب الحرية اليميني (FPÖ). إلا أن الصلاحيات المحدودة للإقليم تجعل بعض الإجراءات المقترحة مجرد توصيات، كما هو الحال في قطاع التعليم الإجباري، حيث تكثر العبارات مثل “يُوصى” و”دعوة للحكومة الفدرالية” بدلًا من الالتزامات الصارمة.

انتقادات لخلط المواضيع واستهداف المسلمين

انتقد عالم الاجتماع وخبير الاندماج Kenan Güngör من مركز الأبحاث think.difference الخطة، معتبرًا أنها تخلط بين مواضيع متعددة وتوحي بأن المشاكل المطروحة مرتبطة فقط بالمسلمين، وقال: “بهذا النهج غير الدقيق نفقد المسلمين الذين اندمجوا منذ وقت طويل، ونكرّس مزيدًا من الانقسام المجتمعي”.

من جانبها، شدّدت Lisa Fellhofer، مديرة Dokumentationsstelle Politischer Islam (وهي جهة وثائقية ممولة من الدولة لمراقبة الإسلام السياسي)، على ضرورة اتخاذ إجراءات على المستوى المحلي، خصوصًا في المدارس وجمعيات المساجد، لكنها نبهت إلى أن معظم النشاطات المتطرفة تحدث عبر الإنترنت، محذّرة في الوقت نفسه من تعميم الاتهامات على دين بأكمله.

تغييرات رئيسية في دور الحضانة

أكبر التعديلات تمسّ قطاع رياض الأطفال، حيث بات من الممكن إصدار “أنظمة داخلية” لكل مؤسسة، وتبقى التفاصيل متروكة لكل روضة على حدة، كما تم توسيع واجب مشاركة أولياء الأمور، متضمّنًا إلزامية حضور لقاءات تربوية إذا دُعوا إليها، مع فرض غرامة تصل إلى 2,500 يورو في حال عدم الالتزام، تُعدّ مخالفة إدارية وتدخل حيز التنفيذ بدءًا من العام الدراسي الجديد في 1 سبتمبر.

Güngör أشار إلى أن حالات قلة الاحترام تجاه المربيات ليست مرتبطة بالدين، بل بالفئة الاجتماعية، موضحًا أن الظاهرة تعود إلى ظروف عائلية هشة ومستويات تعليم متدنية وتدهور اجتماعي، وقال: “المربيات في الروضات لا يعتبرن أن الأمر ديني، بل يتعلق بالفئات الهشة”.

رغم إقراره بخطورة الإسلام السياسي في أوساط الشباب في Wiener Neustadt وSt. Pölten، اعتبر Güngör أن قضية رفض مصافحة المربيات أُعطيت حجمًا مبالغًا فيه.

أما Fellhofer فأكدت أنه لا توجد دراسات أو بيانات رسمية حول مسألة قلة الاحترام في الروضات، وإنما مجرد روايات فردية.

حظر النقاب رغم عدم وجود حالات

شملت التعديلات أيضًا القوانين الخاصة بموظفي الدولة الإقليميين، حيث تم حظر أي وظائف جانبية في جمعيات وُصفت بأنها “راديكالية إسلامية”، كما تم إدخال حظر تغطية الوجه (النقاب) في قوانين موظفي الدولة المتعاقدين والأطباء في المستشفيات، ليُصبح أيضًا سببًا قانونيًا لإنهاء الخدمة.

لكن الواقع يشير إلى عدم وجود أي موظفة ترتدي البرقع أو تغطي وجهها في الخدمة العامة. وعلّق Güngör: “نحن نعدّل قانونًا دون وجود حالة واحدة، فهل هذا استجابة لمشكلة حقيقية أم مجرد سياسة رمزية؟”.

تعديلات على الدستور المحلي

تم تعديل المادة 4 من دستور الولاية بإضافة “القيم والتقاليد” إلى مجالات “الثقافة، والعلوم، والتعليم”، إلى جانب إدراج مبادئ “الإنسانية، والتضامن، والعدالة، والتسامح”، مستفيدين من الأغلبية المطلوبة لحزبي ÖVP وFPÖ.

ما يقع خارج صلاحيات الإقليم

لا يستطيع البرلمان الإقليمي فرض حظر ارتداء الحجاب للفتيات دون سن العاشرة، لذا طالبت الحكومة الإقليمية الحكومة الفدرالية بإصدار قانون دستوري لتحقيق ذلك. Güngör اقترح تأجيل السماح بارتداء الحجاب إلى سن 14 عامًا، وهي السن التي يُعتبر فيها الشخص “ناضجًا دينيًا” بحسب القانون.

كما طالبت الحكومة الإقليمية بوضع صليب في جميع المباني العامة، لكن هذه المسألة تبقى ضمن اختصاص الحكومة الفدرالية.

الإسلام السياسي على الإنترنت: التحدي الحقيقي

أكدت Fellhofer أن معظم نشاطات الإسلام السياسي تحدث عبر الإنترنت، وأن معالجتها لا يمكن أن تتم إلا على المستوى الأوروبي بالتعاون مع المنصات الرقمية، وليس على المستوى الإقليمي. من ناحيته، دعا Güngör إلى الاستثمار في العمل مع الشباب داخل المدارس والجمعيات، لأن التطرف ينتشر أيضًا عبر المجموعات الاجتماعية (Peer-Groups).

نقاط لم تُناقش بعد

لم تشمل جلسة الأربعاء نقطتين من “خطة العمل”: الأولى هي إنشاء “مرصد للإسلام الراديكالي” في الولاية، على غرار الوثائقية الفدرالية الحالية، مع الحرص على تجنب التكرار في المهام. وقالت Fellhofer إن التعاون في هذا الإطار قد يكون مفيدًا.

أما النقطة الثانية فهي التوصيات الخاصة بالمدارس الإلزامية، مثل إدخال “محاور في مادة المعرفة العامة”، والتي سبق وأن تم إقرار “مجلس الأمن” بشأنها في مارس الماضي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى