بعد خمس سنوات على هجوم فيينا.. هل استطاعت النمسا تقييد المتطرفين عن بث سمومهم؟

فييناINFOGRAT:

قبل خمس سنوات بالضبط، قتل إسلامي يبلغ من العمر 20 عاماً أربعة أشخاص وجرح عدداً آخر في هجوم إرهابي استهدف وسط فيينا، قبل أن يتم قتله على يد الشرطة، لقد كان وقع الصدمة عميقاً: بوصول موجة الإرهاب الإسلامي إلى النمسا متأخرة. وبهذه المناسبة، جاءت كلمات إحياء الذكرى يوم الأحد على لسان الرئيس الاتحادي Alexander Van der Bellen، فيما تُقام فعالية تأبين صباح اليوم، بحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA).

وكتب Van der Bellen على منصة X (تويتر سابقاً): “إن ذكريات يوم 2 نوفمبر 2020 تلازمنا، ولكن تلازمنا أيضاً قناعة مفادها أن الكراهية لن تكون أبداً أقوى من مجتمعنا القائم على الحرية والديمقراطية والتسامح والمحبة”.

لقد كانت ليلة الهجوم ليلة خريف معتدلة بالنسبة لهذا الوقت من العام. واغتنم عدد كبير من الأشخاص الفرصة للقاء أصدقائهم، إذ كان من المقرر أن يدخل “إغلاق جزئي” (“Lockdown light”) حيز التنفيذ في اليوم التالي، مع توصية بعدم مغادرة المنزل بعد الساعة 20:00. وكانت المطاعم والمقاهي في “Schanigärten” (مناطق الجلوس الخارجية) ممتلئة عندما سُمعت الطلقات الأولى قرابة الساعة 20:00.

لم يستغرق الأمر سوى حوالي تسع دقائق بعد تلقي السلطات إنذار الهجوم الإرهابي حتى قُتل المهاجم. وكان قد قتل في طريقه عبر وسط فيينا أربعة أشخاص أبرياء وأصاب 17 آخرين بطلقات نارية. ولم تُعرف هذه التفاصيل وتُؤكد بالكامل إلا في اليوم التالي.

تكهنات طويلة حول وجود عدة مهاجمين

في مساء يوم الهجوم، ساد الغموض لفترة طويلة حول ما كان يحدث في المدينة، حيث ترددت تكهنات حول استهداف مؤسسات يهودية. وانتشرت على الشبكات الاجتماعية وخدمات المراسلة وبعض وسائل الإعلام مقاطع فيديو حقيقية ومزيفة تضمنت مشاهد مزعجة، بالإضافة إلى الشائعات والأخبار الكاذبة.

حتى رسمياً، تحدثت السلطات والمستشار الاتحادي آنذاك Sebastian Kurz (من حزب ÖVP) ووزير الداخلية آنذاك Karl Nehammer (من حزب ÖVP) عن وجود عدة مهاجمين حتى صباح اليوم التالي. وبما أن إطلاق النار وقع في مواقع متعددة، اعتقد شهود العيان أيضاً في خضم الفوضى العامة أنه يجب أن يكون هناك أكثر من مهاجم واحد.

نشأ في النمسا ومعروف لدى السلطات

في الساعات الأولى من صباح يوم 3 نوفمبر، تم التعرف على المهاجم: وهو شاب يبلغ من العمر 20 عاماً من أصول مقدونية شمالية، ولد ونشأ في Mödling وكان يقيم آنذاك في فيينا. وإلى جانب صدمة وصول الإرهاب الإسلامي إلى النمسا، كما كان معروفاً في دول أوروبية أخرى، ظهرت صدمة ثانية.

لقد كان إرهاباً “محلي الجذور” (homegrown)، ارتكبه مرتكب نشأ في النمسا وتطرف فيها، وكان أيضاً معروفاً للسلطات. ففي عام 2019، حُكم عليه بالسجن لمدة 22 شهراً لمحاولته السفر إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم “داعش” (IS) هناك. وبعد بضعة أشهر، أُطلق سراحه تحت شروط. وقد نجح في التظاهر أمام ضابط المراقبة بأنه ابتعد عن أيديولوجية التنظيم الإرهابي.

عدم إدراك خطورة الإرهابي

استمر التحقيق السياسي والقضائي لفترة طويلة لمعرفة كيفية وصول المهاجم إلى وسط فيينا، وما إذا كان يتصرف بمفرده، وكيف تمكن من إخفاء خططه عن مكتب حماية الدستور. فقد قامت لجنة عينتها وزارتا الداخلية والعدل برئاسة خبيرة القانون الجنائي Ingeborg Zerbes بالتحقيق في سلوك الشرطة وأجهزة أمن الدولة في الأسابيع والأشهر التي سبقت الهجوم.

أظهرت اللجنة أن هذه الأجهزة “لم تدرك الإمكانات الخطرة” للمهاجم المستقبلي. على سبيل المثال، التقى المهاجم في الصيف الذي سبق الهجوم بالعديد من الإسلاميين من ألمانيا و سويسرا في فيينا، وبعد ذلك بوقت قصير سافر إلى براتيسلافا لشراء الذخيرة. وأشارت اللجنة لاحقاً إلى أن الأجهزة الأمنية لم تستخلص النتائج الصحيحة من ذلك.

إدانة المتواطئين

حُكم في فبراير 2023 على أربعة من ستة متهمين بالتواطؤ بأحكام سجن عالية، لمساعدتهم المهاجم بطرق مختلفة، مثل توفير الأسلحة. وبعد أن ألغت المحكمة العليا أجزاء من الحكم بسبب نقص التوجيه القانوني لهيئة المحلفين، وأُعيدت محاكمة بعض الأجزاء، صدرت بحق جميع المتورطين الأحكام القصوى الممكنة قانوناً: ثلاث مرات السجن المؤبد ومرة واحدة 20 عاماً، لأن المتهم الأخير لم يكن قد بلغ 21 عاماً وقت ارتكاب الجريمة. أما الاثنان الآخران فحُكم عليهما بالسجن لعدة أشهر بسبب العضوية في منظمة إرهابية، لكنهما بُرئا من تهمة المشاركة في جرائم القتل المتعددة.

أفلت تاجر الأسلحة الفعلي بعقوبة مع وقف التنفيذ لمدة تسعة أشهر، إذ أُسقط تحقيق يتعلق ببندقية هجومية عن طريق الخطأ، ولم يتمكنوا من مقاضاة السلوفيني إلا بسبب مسدس. وقد وصفت وزيرة العدل آنذاك Alma Zadic (من حزب الخضر Grüne) خطأ هيئة الادعاء في فيينا بأنه “خطأ غير مقبول يجب أن تترتب عليه عواقب واضحة”.

أما “عملية الأقصر” (Operation Luxor)، فتبين أنها كانت مجرد ضجة لا طائل من ورائها، والتي نُفذت في أعقاب الهجوم بأسبوع واحد، وشملت أكثر من 60 عملية تفتيش لمنازل في جميع أنحاء النمسا ضد متعاطفين مزعومين مع جماعة “الإخوان المسلمين” و”حماس”. لم تكن هناك أي صلات ملموسة بالهجوم الإرهابي، لكن التحقيق استمر بشأن الاشتباه في تمويل الإرهاب، من بين أمور أخرى. ومع ذلك، أُغلقت جميع التحقيقات عملياً، وأعلنت محكمة الاستئناف الإقليمية في Graz أن بعض عمليات تفتيش المنازل غير قانونية.

تحسينات في أمن الدولة

ترى خبيرة القانون الجنائي ورئيسة لجنة التحقيق Zerbes “تحسينات واضحة” في جهاز أمن الدولة ومكافحة الإرهاب. فقد قالت لوكالة الأنباء النمساوية APA إن مديرية أمن الدولة والاستخبارات (DSN) “أصبحت أكثر احترافية”، على الرغم من أن “جميع المشاكل لم تُحل بعد”، ولا يوجد تبادل آلي للمعلومات بين سلطات حماية الدستور الفردية على سبيل المثال.

من وجهة نظر وزارة الداخلية، فقد استُخلصت وطُبقت استنتاجات جوهرية من تقرير Zerbes. وقد أمكن منذ ذلك الحين إحباط خطط هجمات إسلامية محتملة، مثل الهجوم على “مسيرة قوس قزح” (Regenbogenparade) في فيينا في يونيو 2023 وحفلات المغنية Taylor Swift الموسيقية في فيينا صيف 2024.

قصص بطولة ومقولة شهيرة

بعد مأساة ليلة الإرهاب، ظهرت أيضاً جوانب أخرى بعثت على الأمل. واحتُفل بثلاثة شبان، اثنان منهم من أصل تركي وواحد من أصل فلسطيني، كأبطال لمساعدتهم امرأة مسنة مصابة، وإنقاذهم ضابط شرطة مصاب بجروح خطيرة من وابل الرصاص على ساحة Schwedenplatz معرضين حياتهم للخطر. ومُنح الثلاثة “ميدالية إنقاذ ولاية فيينا” (Rettungsmedaille des Landes Wien).وعلى الرغم من أن القصة الأصلية لظهورها تبدو أسطورة، أصبحت عبارة “Schleich di, du Oaschloch!” (بمعنى “اغرب عن وجهي أيها الوغد/الأحمق!” بلهجة فييناوية) مقولة شهيرة تُستخدم في التعامل الفيناوي مع الإرهاب. وقد نُسبت إلى رجل اختار هذه الكلمات في مواجهة الإرهابي، لكن لم يتسنّ إثبات ذلك في مقطع فيديو كان متداولاً حينها. وانتشرت المقولة في الشبكات الاجتماعية ووسائل الإعلام حول العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى