تقرير رسمي يؤكد ارتفاع حرارة النمسا بمقدار 3,1 درجات مع تصاعد مخاطر المناخ
فيينا – INFOGRAT:
كشف التقرير الثاني حول حالة المناخ في النمسا (AAR2)، الذي قُدّم يوم الثلاثاء، عن حجم التأثيرات الواسعة لأزمة المناخ على البلاد، إذ ارتفعت درجة حرارة النمسا بمقدار 3,1 درجات مئوية، أي ما يقارب ضعف المتوسط العالمي، مما يجعلها من الدول الأوروبية الأكثر تضررًا. وقد سلّط التقرير الضوء على ما تعنيه هذه الزيادة في درجات الحرارة، وما الخطوات الممكن اتخاذها، والدور الذي تضطلع به السياسات العامة.
وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، وصَف معدّو التقرير هذا الإصدار بأنه «الأساس العلمي الأكثر شمولاً حتى الآن» لفهم أزمة المناخ في النمسا. وشارك في إعداد التقرير، الذي امتد العمل عليه لمدة ثلاث سنوات، أكثر من 200 عالمة وعالم من أكثر من 50 مؤسسة، إضافة إلى أكثر من 100 مراجعة خارجية. واعتمد التقرير في منهجيته على النموذج المتّبع من قبل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، وامتد على 800 صفحة، ليكون أول تقرير من نوعه يصدر بعد أكثر من عقد من الزمن.
وقد أجرت منصة ORF.at، بالتعاون مع science.ORF.at، مقابلات مع رؤساء التقرير المشاركين: Daniel Huppmann من معهد IIASA، وMargreth Keiler من جامعة Innsbruck والأكاديمية النمساوية للعلوم (ÖAW)، وHarald Rieder من جامعة BOKU، إلى جانب وزير الزراعة Norbert Totschnig (حزب الشعب النمساوي ÖVP)، للحديث عن استنتاجاتهم.
موجات حر وجفاف متزايدة
أظهر التقرير أن درجات الحرارة في النمسا ارتفعت منذ ثمانينيات القرن الماضي بمعدل 0,5 درجة مئوية لكل عقد. وقال Harald Rieder إن هذا التغير المناخي يتجلى بوضوح في الظواهر الجوية القصوى، حيث ارتفعت موجات الحر في عواصم الولايات بنسبة 50% خلال العقود الماضية.
ورغم أن شرق النمسا كان حتى الآن الأكثر تضررًا من الحرارة، إلا أن غرب البلاد، وخصوصًا مدينة Innsbruck، بات يشهد تزايدًا في درجات الحرارة، وتشير التوقعات إلى تحوّله إلى أحد أبرز “مراكز الحرارة” في النمسا خلال القرن الحادي والعشرين.
كما باتت فترات الجفاف تحدث بوتيرة أعلى وحدة أكبر، خصوصًا في الشرق، ما أدى إلى انخفاض في منسوب المياه الجوفية قد يصل بحلول عام 2050 إلى 25%، وفي بعض المناطق حتى 30%. أما بالنسبة للهطولات، فبينما يُتوقع انخفاض كميتها صيفًا بشكل عام، فإنها ستأتي على شكل أمطار غزيرة موضعية، ما يزيد من مخاطر الفيضانات والسيول، مثل تلك التي شهدتها ولاية Niederösterreich في سبتمبر 2024.
تصاعد الأضرار والمخاطر المناخية
تُقدّر الأضرار الناجمة عن الظواهر المناخية المتطرفة في النمسا حاليًا بنحو 2 مليار يورو سنويًا، وقد ترتفع إلى 5 مليارات يورو سنويًا بحلول 2030، بحسب Margreth Keiler، التي حذّرت من أن “الاستثمار في التكيّف مع المناخ أقل بكثير من حجم الأضرار المتوقعة إذا لم يتم اتخاذ تدابير فاعلة”.
ويُصنّف التقرير العديد من التحديات الحالية بأنها ذات “مخاطر معتدلة”، مثل:
- الوفيات المرتبطة بموجات الحر
- خسائر المحاصيل بسبب الجفاف
- الأضرار الناتجة عن الفيضانات
- الأمطار الغزيرة
- تراجع توفر المياه
وتشير التوقعات إلى أن هذه المخاطر ستتفاقم مع ارتفاع درجات الحرارة مستقبلًا.
كما حذّر التقرير من أن الهياكل الوقائية الحالية، مثل السدود والمنشآت الهندسية، صُمّمت لمواجهة أحداث نادرة تحدث كل 150 عامًا، بناءً على بيانات تاريخية، ما لم يعد كافيًا في ظل تسارع التغيرات المناخية. وقالت Keiler: “يجب أن نتخلى عن فكرة أن وجود بنية وقائية يعني عدم وقوع أي ضرر”.
سياسة المناخ: جهود حاضرة لكنها غير كافية
أبرز التقرير أيضًا خيارات السياسة المناخية المتاحة، مشيرًا إلى أن الجهود المبذولة حتى الآن غير كافية. وقال Rieder: “الخبر الجيد هو أننا نقوم بالكثير في مجالات متعددة، أما السيئ فهو أننا لا نقوم بما يكفي”.
وقال Daniel Huppmann إن السنوات الأخيرة شهدت خفضًا كبيرًا في الانبعاثات، ويرجع ذلك جزئيًا إلى سياسات الحكومة السابقة، مثل:
- تسعير ثاني أكسيد الكربون
- تذكرة المناخ (Klimaticket)
- دعم تبديل أنظمة التدفئة القديمة
لكن هذه المبادرات تراجعت مؤخرًا بسبب التقشف المالي، بحسب Huppmann.
وفي المقابل، قال الوزير Totschnig: “نعم، يجب أن نوفر بسبب إعادة هيكلة الميزانية، وكان هناك مبالغات في بعض الدعم. لكننا سنستثمر أموالًا جديدة في مجالات مثل تجديد المباني حراريًا“.
النقل والصناعة مصدران رئيسيان للانبعاثات
وصف Huppmann قطاعي النقل والصناعة بأنهما المصدران الأكبر للانبعاثات، داعيًا إلى تغييرات هيكلية، وأوضح أن دور الأفراد محدود ما لم تُوفر وسائل نقل عامة متاحة وبأسعار معقولة.
وأكد أن الكهرباء المتجددة هي “الخطوة الأهم” لتقليل الانبعاثات، وهو ما يتطلب ثلاثة أضعاف التوسع الحالي في الطاقات المتجددة. وأيد الوزير Totschnig هذا التوجه، مشددًا على أهمية الاعتماد على الانفتاح التكنولوجي والنمو الأخضر.
تعقيد المسؤوليات السياسية يعرقل التقدم
أشار Huppmann إلى أن أحد أبرز العقبات أمام التحول الأخضر في النمسا هو “تشابك المسؤوليات السياسية”، إذ إن الحكومة الفيدرالية والولايات والبلديات تتقاسم المسؤولية عن تقليل الانبعاثات والتكيّف مع تغير المناخ.
وضُرب مثال على ذلك بـتوجيهات المباني، التي تقع مسؤولية تنفيذها على الولايات، بينما تقع تبعات الإخفاق في تحقيق الأهداف المناخية على الحكومة الفيدرالية.
وفي هذا السياق، صرح Totschnig أن قانون المناخ الجديد الذي يُعمل عليه حاليًا سيهدف إلى إنشاء هيكل حوكمة واضح وفعّال، يشمل مجموعة قيادة معنية بسياسات المناخ والطاقة.
دعوة إلى تحرك حاسم
اختتم التقرير بالتأكيد على ضرورة اتباع سياسات بيئية اجتماعية فعّالة، تجمع بين الحوافز والتنظيم، وتدمج الأبعاد المناخية في جميع مجالات السياسة العامة.
وأكد التقرير أن الناس في النمسا يشعرون بقلق كبير إزاء أزمة المناخ، ويطالبون بـتحرك حاسم. وقال الوزير Totschnig: “لا يمكن فرض حماية المناخ بالقوة. نريد إلهام الناس عبر المنطق السليم والحجج الذكية، ليكونوا جزءًا من الحل في مكافحة تغير المناخ”.



