جدل واسع في النمسا حول قانون مراقبة الرسائل.. مخاوف حول الخصوصية ونموذج للأنظمة القمعية
فيينا – INFOGRAT:
صدرت انتقادات واسعة لمشروع قانون مراقبة تطبيقات المراسلة في النمسا، وسط مخاوف قانونية وحقوقية متزايدة، وذلك خلال فترة الاستعراض والمراجعة التشريعية التي تستمر حتى يوم الثلاثاء، حيث أبدت منظمات وهيئات رسمية ومدنية اعتراضات تتعلق بحماية الخصوصية، سلامة البيانات، وغياب الضمانات الرقابية.
وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، تتواصل حتى يوم الثلاثاء المهلة الرسمية لمراجعة مشروع قانون مراقبة تطبيقات المراسلة، وسط احتجاج واسع النطاق من منظمات حقوقية، هيئات مختصة، ومؤسسات دينية ومهنية. وقد تركزت الانتقادات أساسًا على الشكوك القانونية المتعلقة بحماية البيانات، والتحذيرات من إساءة استخدام الثغرات الأمنية التي يمكن من خلالها زرع برامج تجسس، بدلًا من العمل على سدّها.
ويُخشى أيضًا من أن يؤدي هذا القانون إلى تسريب بيانات المستخدمين إلى جهات خارجية، في ظل غياب آليات رقابة تقنية فعالة، ما قد يشكل خرقًا جسيما للخصوصية.
مشروع القانون: مراقبة مقيدة زمنياً ودلالياً
ينص مشروع القانون على منح السلطات الأمنية حق الوصول إلى بيانات تطبيقات المراسلة، مثل واتساب (WhatsApp)، لكن فقط في الحالات التي تتعلق بـنشاطات إرهابية أو تهديدات موجهة للنظام الدستوري، إضافة إلى قضايا التجسس.
وبحسب النص، فإن أمر المراقبة يمكن أن يُصدر لمدة أقصاها ثلاثة أشهر، مع إمكانية التمديد، على أن يتم إبلاغ الأشخاص المعنيين بعد انتهاء المراقبة بأن تطبيقاتهم خضعت للمراقبة.
ISPA ومنظمة العفو الدولية: غياب الرقابة التقنية
لم يتضمن مشروع القانون تفاصيل حول نوع البرمجيات التجسسية التي سيتم استخدامها، وهو ما يُعزى إلى دواعٍ أمنية وسرية، إلا أن هذا الغموض يثير قلق جهات مختصة. فقد حذرت رابطة مزودي خدمة الإنترنت في النمسا (ISPA) من أن مديرية حماية الدولة والاستخبارات (DSN) ستضطر للاعتماد فقط على الوعود التعاقدية من مزوّدي البرمجيات، دون أن تكون لديها القدرة التقنية على التأكد من أن البرمجيات لا تتجاوز الصلاحيات القانونية الممنوحة لها.
وأبدت منظمة العفو الدولية (Amnesty International) موقفًا مماثلاً، معتبرةً أن انعدام الشفافية الفنية يجعل من الرقابة القضائية أو من قبل مفوضي الحماية القانونية أمرًا شبه مستحيل.
“ثغرات أمنية متعمدة” تثير الغضب
تعتمد برامج المراقبة، بطبيعتها، على ثغرات أمنية في أنظمة التشغيل أو التطبيقات. وهنا تركزت انتقادات منظمات مثل epicenter.works التي ترى أن على الدولة، وفق التزامها بحماية الأفراد، أن تعمل على سدّ تلك الثغرات بدلًا من استغلالها.
وذهب مجلس حماية البيانات (Datenschutzrat) إلى القول إن استخدام تلك الثغرات لأغراض مراقبة فردية يهدد سلامة النظام الرقمي ككل، ويجب عوضًا عن ذلك إخطار الشركات المصنّعة بالثغرات لإصلاحها فورًا.
مخاوف من دعم أنظمة قمعية
حذّر معهد الشبكات والأمن في جامعة يوهانس كيبلر في لينتس (JKU Linz) من أن شراء هذا النوع من الأنظمة مكلف ماليًا، ويؤثر على ميزانية الدولة، كما أشار إلى أن مثل هذه البرمجيات تُستخدم في دول ذات أنظمة سياسية قمعية لتعقب المعارضين والصحفيين، وبالتالي فإن التمويل النمساوي لتلك الشركات يُعتبر دعمًا غير مباشر لتلك الأنظمة.
مهن محمية تطالب باستثناءات قانونية
رفض الاتحاد النمساوي لنقابات المحامين (ÖRAK) مبدأ “الاختراق الحكومي” لأنظمة الحواسيب، واعتبره تدخلًا غير متناسب في الحقوق الأساسية، مشيرًا إلى غياب نصوص قانونية تحمي سرية المهن، مثل مهنة المحاماة، من هذا النوع من الرقابة.
وعبّرت مؤتمر الأساقفة النمساوي عن قلقه أيضًا، حيث اعتبر أن السرية الكنسية (Amtsverschwiegenheit) غير مكفولة في القانون المقترح، وطالب بضمانات واضحة. وفي نفس السياق، طالب المحكمة الإدارية الاتحادية (BVwG) بزيادة عدد الموظفين لمواكبة العبء المتوقع في حال تطبيق القانون.
إشارات إلى فقدان الثقة العامة
ورغم أن هيئة حماية البيانات (Datenschutzbehörde) لم تعلن موقفًا صريحًا ضد المشروع، إلا أنها أكدت أن الأمر يتعلق بـانتهاكات خطيرة لحقوق دستورية مضمونة، وبالتالي فإن القانون يجب أن يتضمن آليات رقابة فعالة ومعلنة.
كما حذرت الهيئة من أن إدخال أدوات تقنية بهذه الحساسية دون مشاركة واسعة من الجمهور أو حوار مجتمعي سيؤدي إلى تشوش وثقة مفقودة في الدولة لدى شرائح واسعة من المواطنين.
المصادقة الصيفية موضع شك
مع بقاء أيام قليلة فقط حتى انتهاء المهلة، من المتوقع ورود مزيد من الملاحظات والانتقادات من جهات معنية أخرى. ويبقى من غير المؤكد ما إذا كان المشروع سيُمرر في البرلمان النمساوي قبل عطلة الصيف كما هو مخطط. وتُعد حزب النيوس (NEOS) من أكثر الأحزاب الحاكمة تحفظًا على القانون المطروح.



