جنرال سوري أمام محكمة فيينا بتهمة التعذيب.. كيف أسهم الموساد الاسرائيلي وجهاز المخابرات النمساوي في وصول خالد الحلبي

فييناINFOGRAT:

تستعد المحكمة الجنائية الإقليمية في فيينا (Straflandesgericht Wien) للنظر في قضية تاريخية من نوعها، والمتهم الرئيسي فيها هو اللواء خالد الحلبي (Khalid Al Halabi)، الرئيس السابق لأحد فروع المخابرات التابعة للنظام السوري، ومتهم ثانٍ، حيث يواجهان تهمًا تتعلق بالأمر والمشاركة في أعمال تعذيب واعتداءات جنسية مزعومة ارتُكبت في غرف التعذيب في الرقة السورية قبل أكثر من عقد من الزمان. وتعد هذه أول قضية من نوعها يُحاكم فيها أعلى مسؤول سوري رتبةً في أوروبا، ومن المتوقع أن تبدأ جلساتها في ربيع عام 2026. وتعود تفاصيل وصول الحلبي إلى النمسا إلى تدخل استخباراتي مشترك بين جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي (الموساد) والجهاز النمساوي لحماية الدستور ومكافحة الإرهاب (BVT) سابقًا، حيث أُحيل للقضاء لتوفير العدالة للضحايا وذويهم بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية (Weltrechtsprinzip)، بحسب صحيفة derstandard النمساوية.

دور الموساد و (BVT) في جلب المتهم إلى فيينا

تأخذ القضية طابعًا خاصًا بسبب تدخل جهاز حماية الدستور ومكافحة الإرهاب النمساوي (BVT) في ذلك الوقت. لعب هذا الجهاز دورًا حاسمًا في وصول المتهم الرئيسي خالد الحلبي إلى النمسا.

تشير التقارير إلى أن جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي (الموساد) مارس ضغوطًا على (BVT) في عام 2015 لإحضار الحلبي إلى فيينا. وجاء هذا التدخل بعد أن أبدت السلطات الفرنسية، التي كانت الوجهة الأولى لـ الحلبي، شكوكها حوله لاشتباهها في ارتكابه جرائم حرب، كونه كان رئيسًا لقسم في جهاز المخابرات التابع لنظام الرئيس بشار الأسد.

ويُعتقد أن السلطات النمساوية طرحت تساؤلات أقل حول خلفية الحلبي حينها، ربما بسبب مواردها المحدودة. ومع ذلك، قدمت منظمة (CIJA) غير الحكومية في وقت مبكر معلومات حساسة تشير إلى الفظائع المزعومة التي ارتكبها الحلبي في الرقة.

تهم التعذيب الموجهة ضد المتهمين

ووفقًا للائحة الاتهام الصادرة عن النيابة العامة (StA) في فيينا، تتضمن التهم الموجهة إلى الحلبي أنه أمر وسمح بتعذيب المعتقلين، بما في ذلك:

  • “ضربهم بالعصي على باطن أقدامهم”.
  • “تعذيبهم باستخدام الكابلات الكهربائية وسكب الماء البارد والساخن عليهم”.
  • تعرضهم للضرب بالعصي على كامل الجسم باستخدام أداة التعذيب المعروفة باسم “البساط الطائر” (fliegender Teppich).

كما وجهت للمتهمين تهمة العنف الجنسي. وتحدث الضحايا عن زنازين مكتظة أو زنازين انفرادية تقل مساحتها عن متر مربع، وعن الإذلال اللفظي اليومي. ولا يزال عدد غير قليل من الضحايا “يعاني حاليًا من اضطراب ما بعد الصدمة”.

نفي المتهمين والشكوك حول رواياتهم

نفى الحلبي الاتهامات الموجهة إليه خلال الاستجوابات، مدعيًا أنه “ليس ساديًا” وأنه قرر الانشقاق عن النظام بسبب القمع. كما نفى المتهم الثاني، وهو موظف مخابرات سوري سابق، مسؤوليته، مشيرًا إلى أنه انشق أيضًا لأسباب أخلاقية. وقد وصل المتهم الثاني إلى النمسا عام 2014 وقدم طلب لجوء تم رفضه لاحقًا بسبب عمله مع نظام الأسد، إلا أن طلبه طُعن فيه. وقد تم تجميد إجراءات اللجوء حاليًا بسبب الدعوى الجنائية المرفوعة ضده.

ومع أن مبدأ براءة المتهم حتى تثبت إدانته يسري في كلتا الحالتين، إلا أن النيابة العامة تعتبر إفادات المتهمين غير موثوقة، مشيرة إلى أن الحلبي لم يهرب إلا بعد أن حاصر الثوار مدينة الرقة، التي أصبحت لاحقًا معقلًا لتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش).

ملف الحلبي في قلب أزمة (BVT) السياسية

لا تزال أسباب دعم المخابرات الإسرائيلية لـ الحلبي غامضة حتى اليوم. وتشير تحقيقات لمجلة “نيويوركر” الأمريكية إلى احتمال أنه كان يزود إسرائيل بمعلومات استخباراتية منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

كان طلب الموساد باستضافة الحلبي شبه إلزامي لجهاز (BVT)، حيث تقدم إسرائيل بشكل متكرر معلومات استخباراتية مهمة لـ النمسا.

ثم تحولت قضية الحلبي إلى قضية سياسية في خضم الهجمات التي شنت على جهاز حماية الدستور في عهد وزير الداخلية هيربرت كيكل (Herbert Kickl) من حزب (FPÖ). وفي ربيع 2018، بدأت النيابة العامة للاقتصاد والفساد (WKStA)، بدعم من مكتب كيكل، تحقيقات واسعة النطاق ضد مسؤولي حماية الدستور. وتمت مداهمة مقر (BVT) نفسه بشكل مذهل في شباط (فبراير) 2018.

وبعد أشهر قليلة، كشف جهاز (BVT) بنفسه عن ملف الحلبي أمام النيابة العامة (WKStA)، ربما لتوفير وقود جديد لنهج كيكل. وأدت القضية إلى سنوات من التحقيقات ضد مسؤولي حماية الدستور وموظفين في المكتب الاتحادي لشؤون الأجانب واللجوء (BFA)، انتهت بتبرئة جميع المتورطين.

المحاكمة التاريخية ومبدأ الولاية القضائية العالمية

وفي موازاة ذلك، تحقق النيابة العامة في فيينا مع الحلبي. وتعد هذه مهمة صعبة، حيث كان الحصول على مساعدة من الحكومة السورية أمرًا مستحيلًا حتى سقوط النظام العام الماضي، فيما كان الشهود موزعين في جميع أنحاء أوروبا كطالبي لجوء. وحتى بعد سقوط النظام، لا يزال الوضع في سوريا هشًا، وتظل إمكانية محاسبة مرتكبي الجرائم محدودة. وتحولت مديرية الخدمة السابقة في الرقة، التي عمل فيها الحلبي وزميله المتهم، إلى أنقاض ورماد.

بالإضافة إلى (CIJA)، تنشط مجموعة من المنظمات غير الحكومية الأخرى في جمع الأدلة، بما في ذلك منظمة العفو الدولية و (ECCHR) الألمانية و هيومان رايتس ووتش و (CEHRI) النمساوية. وتعمل هذه المنظمات على توثيق إفادات الضحايا وفرز ودمج الوثائق التي عُثر عليها في سوريا. وقد عملت على ملف محاكمة الحلبي لأكثر من نصف عقد.

وترى المحامية الحقوقية تاتيانا أوردانيتا فيتيك (Tatiana Urdaneta Wittek) من (CEHRI) أن للمحاكم الوطنية دورًا خاصًا في الوضع السياسي الحالي، حيث يتم تجاهل القانون الدولي في بعض الأحيان. وتشدد المحامية على أن هذه المحاكم “لديها مهمة ملاحقة الجرائم ضد الإنسانية حتى قبل المحكمة الجنائية الدولية”. وتضيف أن الأمر يتعلق “بالملاحقة الجنائية والردع عن ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. كما أنها قادرة على تحقيق قدر ضئيل من العدالة على الأقل للناشطين السياسيين الذين ناضلوا من أجل الديمقراطية وسيادة القانون في بلدانهم الأصلية”.

وفي حال إدانة الحلبي، ستشكل القضية سابقة تاريخية في القانون النمساوي، إذ ستكون أول إدانة لجرائم دولية بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية في النمسا. ورغم وجود إدانات سابقة بجرائم حرب في فيلدكيرش (Feldkirch) عام 2022 تتعلق بجرائم في أوكرانيا، إلا أن مرتكب الجريمة كان نمساويًا. ويختلف الأمر في قضية الحلبي، كونها تتعلق بجرائم دولية مزعومة ارتكبها سوري ضد سوريين في سوريا.وقد أظهرت محاكمة سابقة في كوبلنزالألمانية كيف يمكن تقديم مثل هذه القضايا بنجاح إلى المحكمة، حيث حُكم على مسؤول رفيع المستوى في المخابرات السورية بالسجن المؤبد، وحُكم على آخر بالسجن لعدة سنوات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى