حادثة غراتس.. من يتحمل المسؤولية؟.. قراءة في مجزرة المدرسة

مقال رأي لـ أبوبكر الرمح

في مدينة غراتس النمساوية، هزّ حادث إطلاق نار مؤلم المجتمع بأسره، حيث قام مراهق صغير السن بارتكاب فعل لا يُصدّق، واضعًا علامات استفهام كبرى حول أسباب هذه التراجيديا: كيف يصل شاب في هذا العمر إلى هذه الحالة من الغضب والانفجار؟ ومن يتحمّل المسؤولية؟

إنّ مسؤولية تلك الصدمة تتجاوز حدود الجريمة؛ فهذا النوع من الحوادث لا يمكن اختزاله في فعل إجرامي معزول، بل هو جرس إنذار اجتماعي ونفسي وثقافي يجب أن يُقرَع في كل بيت، وكل مدرسة، وكل مؤسسة حكومية. إنّ مجرد التفكير في أن مراهقًا قادر على حمل سلاح وإطلاق النار يدفعنا لمراجعة أنفسنا كمجتمع ودولة، وطرح سؤال مباشر: من المسؤول؟

هل هي مسؤولية الأسرة وغياب الحضور العاطفي؟ هل كانت الأسرة قريبة من ابنها؟ هل لاحظت التغيرات في سلوكه؟ هل كان هناك تواصل فعّال، أم غياب عاطفي ترك المراهق وحيدًا أمام ضغوط الحياة؟

الأسرة هي خط الدفاع الأول، وعندما تضعف، تسقط الحواجز النفسية وتبدأ الانهيارات الصامتة.

المجتمع وسؤال التهميش

ولكن إذا نظرنا إلى مسؤولية المجتمع: أين التوجيه؟ وأين الاحتواء؟ كم من المراهقين يشعرون بالتهميش أو الإقصاء؟ كم منهم يتعرّضون للتنمّر في المدارس أو الشوارع؟

المجتمع، الذي من المفترض أن يوفّر بيئة آمنة وتفاعلية، بات في كثير من الأحيان مصدر ضغط لا يُحتمل. ثقافة العنف التي تظهر أحيانًا في الإعلام، والإهمال المجتمعي للمشكلات النفسية، كلّها عوامل مساهمة في تفاقم الأزمة.

الدولة: رُخص السلاح والتعليم

أما على مستوى الدولة، فهناك تساؤلات جوهرية: هل من المنطقي أن يكون السلاح بهذه السهولة في متناول اليد؟ حتى وإن كان مرخّصًا، هل توجد آلية رقابة كافية حول من يمكنه الاحتفاظ به؟

ثم نأتي إلى التعليم: هل النظام التعليمي يعلّم الطلاب كيف يُفكّرون، كيف يشعرون، كيف يُفرّغون طاقتهم، أم أنه مجرّد سباق علامات لا يهتم بالجانب النفسي والسلوكي؟ وهل هناك دعم نفسي حقيقي في المدارس للمراهقين الذين يعانون من اضطرابات؟

سؤال برسم الجميع:

من المسؤول الحقيقي عن هذه الجريمة؟
● هل هي الأسرة التي غابت؟
● أم المجتمع الذي خذل؟
● أم الدولة التي رخّصت؟
● أم النظام التعليمي الذي فشل في الوقاية؟
● أم كلّهم معًا؟

ومن يعوّض الأهل؟ خسارة ابن أو ابنة بسبب جريمة من هذا النوع لا يمكن تعويضها. ولكن إذا لم نطرح هذه الأسئلة الآن، وإذا لم تكن هناك محاسبة حقيقية وتغييرات جذرية في السياسات التربوية، وفي مراقبة الأسلحة، وفي توفير الدعم النفسي، فإنّ ما حدث قد لا يكون الأخير.

وحادثة غراتس ليست فقط مأساة، بل مرآة. مرآة عاكسة لواقع قد يكون فيه خلل عميق في العلاقة بين الشباب، والمجتمع، والدولة.

فهل ننتظر الحادثة القادمة؟
أم نبدأ المراجعة الجادة من الآن؟

السؤال مطروح، والإجابة مسؤولية الجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى