خمس مغالطات شائعة حول حياد النمسا بين الحقائق والأوهام
فيينا – INFOGRAT:
رغم التحولات الجيوسياسية الكبرى، لا يزال حياد النمسا يحظى بإجماع واسع بين الشعب والحكومة، إلا أن الجدل حوله لا يتوقف، خصوصًا في ظل السياسة النمساوية تجاه أوكرانيا وجهود التسلح. وبينما تتهم بعض الأطراف، وعلى رأسها حزب الحرية النمساوي (FPÖ)، الحكومة بخرق الحياد، فإن الواقع القانوني والسياسي يعكس صورة مختلفة.
وقامت صحيفة derstandard النمساوية، بتحليل لمفهوم الحياد يكشف خمس مغالطات رئيسية حول هذا المبدأ الذي لطالما اعتُبر جزءًا من الهوية الوطنية للنمسا.
المغالطة الأولى: “الحياد الدائم” يعني أنه غير قابل للتغيير
يصف القانون النمساوي الحياد بأنه “دائم”، إلا أن ذلك لا يعني أنه لا يمكن تعديله أو إلغاؤه، وأوضح الدبلوماسي غيرهارد ياندل، ممثل النمسا الدائم لدى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، أن المصطلح نشأ من ترجمة غير دقيقة لعبارة “neutralité perpétuelle”، التي صيغت قبل أكثر من قرنين لوصف حياد سويسرا.
وبحسب ياندل، فإن الحياد النمساوي يُلزم الدولة بعدم التدخل في النزاعات المسلحة، لكنه لا يعني أن هذا الوضع غير قابل للتغيير أو التعديل في المستقبل.
المغالطة الثانية: إلغاء الحياد يتطلب عملية معقدة
رغم الاعتقاد السائد، فإن الحياد النمساوي ليس جزءًا من معاهدة الدولة لعام 1955، بل منصوص عليه في القانون الدستوري الفيدرالي، وبالتالي، فإنه لا يُعتبر من المبادئ الأساسية للدستور، مما يعني أن إلغاءه لا يستلزم استفتاءً شعبياً أو تعديلًا شاملاً للدستور، رغم أن ذلك قد يكون مطلوبًا من الناحية السياسية.
من الناحية القانونية، يمكن إلغاء الحياد عبر تعديل دستوري يتطلب أغلبية الثلثين في البرلمان، وهو أمر غير مرجح حاليًا بسبب غياب الإجماع السياسي، كما أن القانون الدولي ينص على أن الحياد يعني عدم التدخل في النزاعات المسلحة، سواء بإرسال قوات أو دعم أحد الأطراف بالسلاح، وإذا قررت النمسا إنهاء حيادها، فكل ما يتطلبه الأمر إبلاغ الدول الأخرى التي كانت على علم بإعلانه عام 1955، دون الحاجة إلى موافقتها.
المغالطة الثالثة: الدول المحايدة وسطاء سلام أفضل
لطالما قدمت النمسا نفسها كوسيط دبلوماسي بفضل وضعها المحايد، إلا أن الخبراء يشككون في ذلك.
يؤكد مارتن سين، أستاذ العلوم السياسية في جامعة إنسبروك، أن الحياد النمساوي جعل فيينا وجهة جذابة للدبلوماسية الدولية في الماضي، لكن لا توجد أدلة كافية على استمرار هذه الميزة حتى اليوم.
ويرى سين أن الوساطة في النزاعات تتطلب عوامل تتجاوز الوضع القانوني المحايد، مشيرًا إلى أن دولًا غير محايدة مثل الولايات المتحدة، السويد، فنلندا، والنرويج تستثمر جهودًا وموارد أكبر بكثير في عمليات الوساطة، رغم أن بعضها أعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
المغالطة الرابعة: النمسا محايدة سياسيًا أيضًا
منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، تردد مرارًا أن “النمسا محايدة عسكريًا، لكنها ليست محايدة سياسيًا”.
ويوضح غيرهارد ياندل أن مفهوم الحياد يتغير وفقًا للظروف السياسية، مؤكدًا أن الحياد النمساوي ينحصر في الجانب العسكري، أي أنه يحظر الانضمام إلى تحالفات عسكرية أو استضافة قواعد أجنبية، لكنه لا يمنع المشاركة في العقوبات أو بعثات حفظ السلام.
ويشير الدبلوماسي فرانز سيده إلى أن هذا النموذج يُعرف بـ “عقيدة الأفوكادو”، حيث يكون الغلاف الخارجي صلبًا، بينما يكون الداخل أكثر مرونة. ويؤكد أستاذ القانون الدولي رالف يانيك أن الحياد لا يلزم النمسا باتباع موقف متوازن في تصريحاتها السياسية، ما يعني أنها حرة في انتقاد أطراف معينة في النزاعات الدولية.
المغالطة الخامسة: القانون الدستوري النمساوي يتفوق على التزامات الاتحاد الأوروبي
عند انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، لم تحتفظ النمسا بأي تحفظات على حيادها، بل تعهدت رسميًا بالمشاركة الفعالة في السياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي (GASP).ولتسهيل ذلك، تم تعديل الدستور النمساوي، مما أدى إلى تقليص نطاق قانون الحياد. ويؤكد رالف يانيك أن الحياد النمساوي يصبح غير ذي جدوى من الناحية القانونية بمجرد أن تتخذ بروكسل قرارات في إطار GASP، إذ تلتزم النمسا بتنفيذها. ومع ذلك، لا تزال النمسا قادرة على تحديد مستوى مشاركتها في العمليات العسكرية الأوروبية، وفقًا لوضعها المحايد.



