دول أوروبية تدرس إعادة فرض الخدمة العسكرية الإلزامية لتعزيز دفاعاتها في مواجهة التهديدات
فيينا – INFOGRAT:
بدأت العديد من الدول الأوروبية في مناقشة إمكانية إعادة فرض الخدمة العسكرية الإلزامية، في ظل تصاعد المخاوف من تهديدات أمنية محتملة، لا سيما مع استمرار الحرب في أوكرانيا. تدفع هذه المخاوف بعض الحكومات إلى التفكير في تقوية قواتها المسلحة، خصوصًا مع احتمالية تخفيض الالتزام الدفاعي الأمريكي تجاه القارة الأوروبية.
النمسا والخدمة العسكرية الإلزامية
على عكس بعض الدول التي ألغت التجنيد الإجباري بعد الحرب الباردة، احتفظت النمسا بنظام الخدمة العسكرية الإلزامية للذكور. حاليًا، تبلغ مدة الخدمة العسكرية في النمسا ستة أشهر، مع إمكانية اختيار تسعة أشهر من الخدمة المدنية كبديل. في عام 2013، أجرت الحكومة استفتاءً حول مستقبل الخدمة العسكرية، حيث أيد 60% من الناخبين الإبقاء على النظام الحالي بدلًا من التحول إلى جيش محترف بالكامل.
في السنوات الأخيرة، خففت النمسا بعض شروط التجنيد العسكري والمدني، مما أدى إلى زيادة أعداد المجندين. ووفقًا للتقديرات، فإن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى ارتفاع عدد الملتحقين بالخدمة العسكرية بمقدار 1,200 شخص، بالإضافة إلى 800 شخص في الخدمة المدنية.
أوروبا وإعادة النظر في الخدمة العسكرية
يأتي التفكير في إعادة فرض التجنيد الإلزامي في أوروبا نتيجةً لتزايد المخاوف الأمنية. فقد أدى الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022 إلى تغيير كبير في النظرة الأوروبية تجاه الأمن والدفاع. ومع تزايد الشكوك حول التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن أوروبا، بدأت العديد من الدول في مراجعة سياساتها الدفاعية.
المحللون العسكريون يؤكدون أن التهديد الروسي أصبح أكثر وضوحًا، خاصة في دول البلطيق والجناح الشرقي للاتحاد الأوروبي. ويشير الباحث الألماني ألكسندر بوريلكوف، من معهد العلوم السياسية بجامعة هايدلبرغ، إلى أن “الجيش الروسي اليوم أقوى وأفضل تجهيزًا مما كان عليه في 24 فبراير 2022، ولدى روسيا نوايا عدائية تجاه دول البلطيق وأوروبا الشرقية”.
وفقًا لدراسة أجراها مركز بروغل البحثي ومعهد كيل، تحتاج أوروبا إلى 300 ألف جندي إضافي لردع أي عدوان محتمل، بالإضافة إلى 1.47 مليون جندي في الخدمة حاليًا. ويؤكد بوريلكوف أن التجنيد الإلزامي قد يكون ضروريًا لتحقيق هذه الأرقام.
تأييد متزايد للخدمة العسكرية الإلزامية
في عدة دول أوروبية، هناك دعم متزايد لفكرة إعادة فرض التجنيد الإجباري، لكنه لا يزال يواجه عقبات سياسية واجتماعية. في فرنسا، أظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة “يوغوف” أن 68% من الفرنسيين يؤيدون الخدمة العسكرية الإلزامية، بينما بلغت النسبة 58% في ألمانيا. في المقابل، انقسمت الآراء في إيطاليا وبريطانيا، فيما عارض 53% من الإسبان إعادة التجنيد الإجباري.
ومع ذلك، تُظهر الدراسات أن العديد من الأوروبيين غير مستعدين فعليًا للقتال دفاعًا عن بلدانهم. وتوضح الخبيرة الفرنسية بينيديكت شيرون، المتخصصة في العلاقة بين المجتمع والقوات المسلحة، أن “فرض القيود العسكرية في مجتمع ليبرالي أصبح أمرًا شبه مستحيل”، مضيفةً أن “غياب تهديد مباشر يجعل من الصعب فرض عقوبات على الذين يرفضون الاستدعاء للخدمة”.
الدول الأوروبية التي أبقت على الخدمة العسكرية الإلزامية
بعد نهاية الحرب الباردة، ألغت معظم الدول الأوروبية التجنيد الإجباري، باستثناء عدد قليل من الدول التي أبقت عليه، وهي:
- اليونان
- قبرص
- النمسا
- سويسرا
- الدنمارك
- إستونيا
- فنلندا
- النرويج
- تركيا
دول أعادت التجنيد الإجباري مؤخرًا
بعض الدول التي كانت قد ألغت الخدمة العسكرية الإلزامية قررت إعادة العمل بها بعد التهديدات الأمنية المتزايدة:
- ليتوانيا: أعادت التجنيد الإجباري عام 2015، بعد عام من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.
- السويد: أعادت فرض التجنيد في 2017.
- لاتفيا: أعادت الخدمة العسكرية الإلزامية في عام 2023.
مواقف الدول الكبرى في الناتو
ورغم أن العديد من الدول الأوروبية تبحث إعادة فرض الخدمة العسكرية، فإن معظم الدول الخمس الأكثر إنفاقًا في حلف الناتو – فرنسا، ألمانيا، المملكة المتحدة، إيطاليا، وبولندا – لا تخطط لفرض التجنيد الإجباري مرة أخرى. ومع ذلك، تسعى هذه الدول إلى تعزيز قواتها بطرق أخرى، مثل برامج الحوافز والتدريب العسكري التطوعي.
في بولندا، التي ألغت التجنيد الإجباري عام 2008، أعلنت الحكومة عن خطط لتدريب 100 ألف مدني سنويًا بدءًا من عام 2027. سيكون البرنامج طوعيًا، لكنه يتضمن “حوافز ودوافع” للانضمام، وفقًا لرئيس الوزراء دونالد توسك.
زيادة الإنفاق العسكري في ألمانيا، فرنسا، وبريطانيا
في ألمانيا، أعرب المستشار العتيد فريدريش ميرتس عن دعمه لإعادة اعتماد سنة إلزامية يمكن للشباب قضاؤها في الخدمة العسكرية أو الخدمة المدنية. في بريطانيا، لا تخطط الحكومة لإعادة التجنيد الإجباري، لكن وزير شؤون مجلس الوزراء بات ماكفادن أعلن عن “زيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي”.
أما في فرنسا، حيث انتهت الخدمة العسكرية الإلزامية عام 2001، فقد أكد الرئيس إيمانويل ماكرون أن فرنسا لم تعد تمتلك “القدرات اللوجستية” لإعادة فرض الخدمة الإلزامية، لكنه يريد “البحث عن سبل لتعبئة المدنيين”، ومن المتوقع أن يعلن عن خططه في الأسابيع المقبلة.
التحديات أمام إعادة فرض الخدمة العسكرية
يرى المؤرخ العسكري الفرنسي ميشال غويا أن إعادة فرض الخدمة العسكرية “ستعني تحويل جزء كبير من الجيش إلى مراكز تدريب”، مما قد يؤثر على الجاهزية العسكرية. وفي إيطاليا، استبعد وزير الدفاع غيودو كروسيتو إعادة فرض التجنيد الإجباري، لكنه أيد فكرة إنشاء قوة احتياط.
دول شمال أوروبا كنموذج يحتذى به
يعتقد بعض الباحثين أن دول أوروبا الغربية يجب أن تستلهم نموذج دول الشمال الأوروبي ودول البلطيق، وخاصة فنلندا والسويد. تمتلك فنلندا، التي تتشارك حدودًا طويلة مع روسيا، واحدة من أكبر قوات الاحتياط في أوروبا.
يقول الباحث بوريلكوف: “لا يزال الانقسام بين الشرق والغرب مشكلة، فعدد قليل من الناس في أوروبا الغربية على استعداد للقتال”. ويشير إلى أن إقناع الشباب الأوروبي بالتطوع للخدمة العسكرية يتطلب “حملات توعية وإقناع”.
ويضيف: “هناك أيضًا علاقة بين مدى ثقة الناس في القدرة العسكرية لدولهم واستعدادهم للخدمة، لذا فإن تحسين القدرات الدفاعية الأوروبية سيزيد من هذه الثقة”.



