د. مهران موشيخ: الجولاني والشرع وجهي عملة واحدة
فيينا – INFOGRAT:
عندما اندلعت الثورة الشعبية في سوريا عام 2011 استولت الجماهير المنتفضة على الشارع السوري خلال أيام قلائل في الكثير من المحافظات بما فيها لدمشق، عندها هرعت امريكا وتركيا وألمانيا وفرنسا، وفي طليعتهم اسرائيل الى حماية بشار الأسد لإنقاذ نظامه من السقوط بأيدي الجماهير الغاضبة و المنتفضة. إسرائيل كانت قلقة و خائفة من سقوط نظام بشارالاسد لانها وعلى امتداد خمسين عاما لم تكن تحلم ” بدولة عربية عدوة جارة “مسالمة” مثل سوريا الاسد، ولم تكن تتمنى لنفسها جارا “عدوا ” صديقا موثوقا يقطن بهدوء وتواضع وخنوع منذ نصف قرن على امتداد مئات الكيلومترات من الحدود المشتركة بسلام غير الصديقين العزيزين الأسد الأب والأسد الابن رغم احتلالها لأراضي سوريا منذ حرب اكتوبر عام ١٩٦٧

كاتب وباحث من أصول
عراقية مقيم في النمسا
اسرائيل إذن سارعت، ومعها امريكا وروسيا وايران في دعم نظام بشار بكل الوسائل في حربه الضروس في قمع الانتفاضة الجماهيرية الواسعة التي شملت كامل التراب السوري. النظام الفاشي الاسدي المغولي استخدم جميع الوسائل الحربية والعسكرية للسيطرة على ثورة الشعب وقمعها من الأعماق ولم يبخل في استعمال القنابل الفوسفورية والعنقودية واسقط على روؤس المنتفضين قنابل بالبراميل الى جانب القصف الجوي المستمر” الروسي” على امتداد عقد من الزمن.
النتيجة بقي النظام وسقط مئات الالاف من الشهداء والضحايا المدنيين من نساء وأطفال ولم تسقط حجارة واحد على الجارة ” العدو” اسرائيل على امتداد خمسين عاما. علما ان الجارة ” العدو” الصديق استمرت طيلة السنين الثلاثة عشر والى يومنا هذا بالتحليق فوق أجواء سوريا وقصفها لمناطق والأماكن التي ترتأيها ولعدة مرات ثم تغادر أجواء سوريا دون اية مواجهات او اعتراضات عسكرية او حتى رفع دعوة عند الأمم المتحدة بل حتى ولا مفاتحة الدول العظمى التي تتعاون معها و تمتلك قواعد عسكرية على أراضيها بالضغط على اسرائيل على الكف باختراق اجوائها وقصف مواقع عسكرية وانتهاك سيادتها الجوية، علما ان قصف اسرائيل شملت مرات ومرات مواقع أمنية وعسكرية تابعة للنظام والفصائل الإيرانية حتى في ريف دمشق
ان سقوط دمشق و هروب الفار بشار لم ياتي على يد ” الثوار”، كلا انهم كانوا ادوات تنفيذ وعلى راسهم الداعشي المخضرم ” الوديع ” الجولاني احمد الشرع.
كيف جرت التهيئة لشن الحرب؟، ومن ذا الذي حدد موعد انطلاق الهجوم العسكري؟، هل قرار الأسد بالهروب جاء فعلا في الساعات الأخيرة ؟، ما هو دور دول الجوار والدول العظمى ودول الخليج في قلب نظام الحكم في سوريا ؟.
الاجابة على هذه الاسئلة تستوجب الأخذ بنظر الاعتبار مجريات الأمور في المنطقة والعالم بأثر رجعي لعقود طوال. ان سقوط الاسد ، وتغيير الواقع السياسي السلطوي من ” شيعي” الى “سني” لم يكن مسالة داخلية عابرة، وإنما هو حدث تاريخي احدث شرخ استراتيجي كبير في ميزان القوى الدولية وخاصة في جغرافية الدول العربية.
كيف جرت التهيئة لشن الحرب على دمشق
ان الجذور الاولية لاحداث تغيير في الشرق الاوسط كانت ضمن نقاط محور المباحثات التي جمعت بين الرئيس الامريكي ريغن والرئيس السوفيتي غورباتشوف في قمة ريكيافيك عام 1984. مخرجات هذا اللقاء كان الحد من التسابق في إنتاج الصواريخ الحاملة للرؤوس النووية العابرة للقارات وإلغاء المشاريع المتعلقة بحرب النجوم . استطاعت أمريكا في هذا اللقاء وضع الحجر الأساسي لاستراتيجيتها للعقود القادمة على الصعيد الدولي، ولا ننسى هنا التذكير من أن السياسة الخارجية الامريكية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالسياسة الخارجية الاسرائيلية، فهناك فريق مشترك مهمته تنسيق مواقف البلدين في كل ما يخص السياسة الخارجية والاستخبارات والتسلح. أمريكا نجحت في إقصاء غورباتشوف على يد يلتسين واعتقاله ومعه وزير الدفاع السوفيتي واخيرا انهارت منظومة الاتحاد السوفيتي والحزب الشيوعي السوفيتي وتفككه على إثرها دول المعسكر الاشتراكي في أوروبا الشرقية وانهار جدار برلين ودخل المجتمع البشري مرحلة تاريخية جديدة مرحلة – العولمة
اسرائيل استفادت .من العملية لان النفوذ الروسي (السوفيتي) قد انحسر عالميا وخاصة في الشرق الاوسط. نعلم جميعا من ان سوريا في (زمن الأسد الأب) وكذلك العراق ومنظمة التحرير الفلسطينية كانوا يتنفسون برئة الاتحاد السوفيتي، كانوا يستفادون من الدعم المطلق سياسيا، وعتاد عسكري مع تدريب ودعم مادي ودبلوماسي. لذا وجدت إسرائيل أنه حان الوقت لوضع مخطط الشرق الاوسط الكبير المتضمن زيادة المستوطنات والتوسع شمالا باتجاه لبنان وشرقا باتجاه سوريا وضمان أمن البلاد من اعتداءات خارجية فلسطينية ومصرية وسورية إنهاء دعم نظام صدام وايران للمقاومة الفلسطينية
الخطوة التالية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي كان تفكيك منظمة التحرير الفلسطينية من الداخل وإنهاء او اضعاف دورها العسكري وإيقاف العمليات الانتحارية. اسرائيل نجحت هنا ايضا في تحقيق هذه المهمة بعد التخلص من ياسر عرفات عبر تسميمه، حيث انشقت المقاومة الفلسطينية بعده الى فصيلين متناحرين استقر أحدهما في غزة والآخر في الضفة الغربية. تلى هذه الخطوة إنهاء القدرة العسكرية الفائقة التي كان يمتلكها الجيش العراقي عبراسقاط نظام صدام وحل الجيش وزراعة فصائل مسلحة تتقاتل فيما بينها انتهت بحرب اهلية دامت سنتين.
وتعقيد المشهد الامني اكثر فاكثر استجدت اسرائيل وامريكا تشكيلات مسلحة عرفت بالقاعدة وداعش، والاخيرة لا تزال حتى اليوم فاعلة وتنشط متى ما استلمت الأوامر بالخروج من سباتها.
من الضروري هنا التذكير من أن قرار إسقاط نظام صدام في هذا المخطط اتخذ قبل 25 عاما من تاريخ غزو العراق، أي منذ بداية ثمانينات القرن الماضي بعد ضرب المفاعل النووي العراقي، ومنذ ذلك الوقت جرى الاعداد بتفاصيل الحكومة العراقية القادمة بدقة كبيرة بعد جمع العناصر الهزيلة من صفوف المعارضة الموالية لأمريكا والبعض الآخر كانوا ولا يزالون خدم نظام ولاية الفقيه الايراني، وطبعا بمشاركة فاعلة لعدد من عملاء أمريكا وإسرائيل الذين يحملون الجنسيتين العراقية والامريكية والاسرائيلية. وهكذا جرى التخلص من العائق الثاني في تحقيق برنامج إسرائيل في بناء جغرافيا سياسية جديدة في المنطقة والمسماة شرق الاوسط الجديد الذي يضمن السلام والامن الرصين الدائم لاسرائيل ، لا بل تحقيق اهدافه التوسعية ايضا على حساب اراضي البلدان العربية المجاورة
المرحلة التالية كانت مرحلة توسيع إسرائيل بناء المستوطنات شمالا على حدود لبنان الجنوبية وفي نفس الوقت اطلاق العنان لتركيا والتنسيق معها في مواصلة توغل تركيا برا أكثر فأكثر في شمال العراق وجنوب غرب تركيا وبناء قواعد عسكرية ومواصلة القصف جوا وبرا بذريعة ملاحقة عناصر البي كا كا. واقع الحال النشاط العسكري التركي هنا كان ولا يزال جزء من مخطط اسرائيل المتعلق بمشروع الشرق الاوسط الكبير. بموازاة هذه العمليات العسكرية قامت تركيا بجمع بقايا عناصر القاعدة وداعش من عرب ومرتزقة أجانب من آسيا القصوى وأفغان وباكستانيين وقامت بتدريبهم وتسليحهم والاحتفاظ بهم في شمال سوريا استعدادا للهجوم المنشود بأمر من قيادة اسرائيل العسكرية
في خضم هذه الاستعدادات شنت روسيا حربها المفاجئة على اوكرانيا وقد استغلت إسرائيل وأمريكا هفوة بوتين هذه وسحبوه الى حرب استنزاف وانضم إليهما الاتحاد الأوروبي، وكانت خسارة روسيا كبيرة و خاصة في صفوف المقاتلين واصبحت تواجدها في سوريا ليس بذات الاهمية مقابل حربها مع أوكرانيا.
وهنا وجدت اسرائيل الوقت مناسب جدا للبدء بالهجوم في تحقيق المرحلة الثالثة والاخيرة في تطبيق مشروع الشرق الاوسط الكبير. وجاء طوفان الأقصى ليعطي لاسرائيل المبرر الذهبي للانقضاض على قضية الشعب الفلسطيني ودفن شعارات المطالبة بتحرير القدس، وستكشف الوثائق بعد عشرات السنين من ان طوفان الاقصى قد حمل ايضا توقيع الموساد والسي آي أي والاستخبارات البريطانية .
لقد شنت اسرائيل ولا تزال حربا ضروس، حرب إبادة جماعية، حرب فاقت جرائم هتلر جرائم بينوشيت وصدام وبشار. اسرائيل الحقت بمحور المقاومة والمدنيين من نساء وأطفال في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان وفي سوريا ضربات مميتة واصبحت هذه الفصائل المسلحة جزء من التاريخ الماضي للأسف ومن المنطقي أن يجري تصفية فلول محور المقاومة في العراق قريبا مع استلام ترامب مقعده في البيت الابيض، ومسك الختام سيكون في مصر والأردن، لكي يستتب الأمن والأمان في اسرائيل
من ذا الذي حدد موعد الهجوم العسكري على نظام بشار واسقاط دمشق
بعد تصفية رئيس جمهورية إيران وتصفية هنية في ايران ثم نصر اللة وتصفية غالبية القيادات الميدانية والسياسية من الصف الاول والثاني بل وحتى الثالث من قوى حماس في كل من غزة والضفة الغربية وحزب الله في لبنان ، وبعد اقتحام الجنوب والتجاوز على سيادة لبنان وقصف بيروت مرارا ولعدة ايام ، اجبرت اسرائيل برلمان لبنان الذي كان معطلا لأكثر من سنتين وبدون حكومة الى عقد جلسة تمت فيها اختيار(تعيين) رئيس حكومة وهو قائد عسكري مخضرم، وقع على اتفاق هدنة مع اسرائيل وبدأ الجيش اللبناني بالانتشار على امتداد حدوده الجنوبية مع اسرائيل، وهكذا تنفست اسرائيل الصعداء من جنوب لبنان
الخطوة اللاحقة ضمن المخطط الاسرائيلي المتفق عليه مع أمريكا وبريطانيا كانت المباشرة بالانقضاض على سوريا وإنهاء نظام بشار وإلغاء التواجد الايراني في سوريا ايضا، وبموازاة ذلك تقليص الوجود الروسي في سوريا لاستكمال مشروع الخارطة الجيوسياسية الجديدة للشرق الأوسط .
وهنا جاء دور جولاني/الشرع، حيث اعطت الدولة العميقة له الضوء الاخضر بالانطلاق نحو دمشق، بعد أن جرت التفاهمات المسبقة مع الروس ومع كبار رجالات الجيش والمخابرات السورية بمغادرة البلاد وجرى أيضا ترتيب أمور هروب بشار الاسد وتهريب الأموال بالمليارات، وطبعا تهريب وإتلاف أرشيف المخابرات والاجهزة الامنية .
و هكذا شاهدنا ان هيئة تحرير الشام برئاسة الجولاني/ الشرع لم تقاتل الجيش السوري، انها لم تواجه اية مقاومة تذكر ولم تتعرض لقصف جوي بالطائرات ولا ببراميل قنابل ولم تستهدفهم مسيرات ولم يواجه مقاتليها مقاومة عند بوابة دمشق. ان هيئة تحرير الشام لم تستولي على دمشق وانما اسرائيل قدمت للشرع دمشق لا بل سوريا على صحن من ذهب تركي الصنع. جولاني/ الشرع استلم منصب رئيس الجمهورية مقابل السكوت التام أمام تحقيق اسرائيل لحلمها من خلال السماح لها بقصف كل القواعد العسكرية والجوية والمعسكرات ومخازن الاسلحة السورية، ناهيك بالسماح لها بالتوسع نحو الشرق كما تشاء وأن تزيد رقعة احتلالها للجولان، حيث استقرت القوات الاسرائيلية الآن على مسافة 25 كم من دمشق. لقد سمح الجولاني/ الشرع لإسرائيل تحقيق خططها التوسعية على الارض السورية دون أن يرمي الشرع ولو حجارة واحدة على اسرائيل . وفي نهاية المطاف أصبحت سوريا الدولة الوحيدة في العالم التي لا تمتلك جيش وطني ولا طائرات حربية ولا سفن حربية ولا دبابات ومدفعية بل ولا تمتلك حتى مسيرات
بعد استلامه القصر الرئاسي باشر جولاني/ الشرع مهامه علنا (رغم الملايين العشرة من الدولارات التي خصصتها أمريكا للقبض عليه) وقام بتعيين رفاقه من المقاتلين في تنظيمات ارهابية على رأس وزارات سيادية حساسة وتحديدا الخارجية والداخلية، وهنا انهالت عليه الزيارات الرسمية من قبل أعضاء فريق العمل الذين دفعوا هيئة تحرير الشام الى التوجه نحو دمشق واستلام القصر الرئاسي لبشار بعد ترتيبهم امور هروبه الى روسيا . لقد توالت الوفود الرسمية على مستوى وزراء خارجية بدءا من تركيا مرورا بالاتحاد الأوروبي وصولا الى القطر والسعودية متجاهلين قرار عشرة ملايين دولار الامريكية!!!. ثم جاءت باكورة زيارة جولاني الشرع الى الخارج ، طبعا إلى السعودية لمقابلة الأمير محمد بن سلمان.
الزيارات المكوكية للمسؤلين الكبار مستمرة على قدم وساق من والى الدمشقي تحضير الطبخة المنتظرة والمتضمنة تشكيل مجلس الوزراء وتعيين السفراء. الكل بانتظار الكشف عن الهوية السياسية الجديدة المرتقبة للجولاني /الشرع، بعد سيرة حياة حالكة وغير مشرفة بدأت تطرف ديني طائفي ارهابي مسلح دامت عقدين من الزمن تسبب في مقتل الآلاف من المدنيين الابرياء في كل من العراق وسوريا.
فكريا ولد الجولاني/الشرع وترعرع في أحضان القاعدة في العراق وكان نزيل اعتى السجون الامريكية للارهابيين في العراق وهو في مقتبل العمر، ثم وجد ضالته في داعش في سوريا، بعدها فضل النصرة على الداعش ثم قام بتاسيس فصيل خاص به من ستة أشخاص سماه هيئة تحرير الشام و كان هو، والى اليوم القائد العسكري والفكري لهيئة تحرير الشام. في هذه الفترة عزز علاقاته الفكرية والعسكرية مع تركيا والسعودية وقطر حيث كان يتلقى الدعم العسكري والمالي واللوجستي منهم.
مع دخول جولاني الشرع القصر الرئاسي في دمشق تحول الى شخصية مدنية بملابس عصرية اوروبية، يا ترى هل فعلا تخلص جولاني /الشرع من كل افكاره الارهابية والتكفيرية بهذه السرعة ولم يبقى اليوم من الجولاني/الشرع الإرهابي سوى اللحية؟
الاسابيع والاشهر القادمة ستثبت ان جولاني/ الشرع ورفاق فصائله لم ولن يتغيروا مهما تقدم الزمن، فمن تربى على الارهاب ومارسه سنين طوال بكل الوسائل الشنيعة وتسبب في مقتل آلاف المدنيين من نساء واطفال في العراق وسوريا لم ولن يتنازل عنها ولن يتحول الى حمامة سلام وديعة يفكر في بناء سوريا آمنة سلمية هادئة تبعث الامن والاطمئنان والسلام لشعب سوريا. هذا ليس تقييم شخصي وإنما هذا هو منطق علم النفس الاجتماعي للاشخاص العدوانيين المصابون بالسادية ويشعرون بالنقص ويعانون من عقدة العظمة شأنه في ذلك شأن الفأر الهارب بشار ومقبور العراق الذي اختبأ في حفرة.
هيئة تحرير الشام وعلى راسها جولاني/الشرع لم ولن يعمل على توفير أفضل سبل العيش لكافة ابناء سوريا بكل طوائفه. ابناء هذا الشعب الذي ابتهج و تنفس الصعداء بعد السنوات الستين من الحكم الفاشي الدموي لنظام الاسد الاب ونظام الابن الفار الهارب.
يبقى السؤال والرهان الصعب الآن…. هل ما قام به جولاني /الشرع هو تغيير جوهر النظام، هل هي ثورة بالمعنى التام لمصطلح ثورة ، أم أنه جرى تغيير شكل المنظومة السياسية ، جرى إقصاء الوجه القديم للنظام مع ابقاء محتواه ولكن بلباس ديني آخر… الأمويون بدل العلويون
ما الجديد الذي حصل بعد وصول الجولاني/الشرع إلى دفة الحكم؟.
اولا- انفتاح تام بعجالة ملفتة للنظر على دول الخليج العازمة على التطبيع مع اسرائيل
ثانيا – زيارات مكوكية وتبادل وفود مع السعودية وقطر وتركيا، وكلها اتسمت بالترحاب الحار والاحتضان وتبادل القبل الحميمة وكأن احدهما يعرف الآخر منذ سنين طوال، هذه اللقاءات الودية جرت دون ذرة من الاحراج من أن الجولاني /الشرع لا يزال اسمه على قائمة الإرهاب ومطلوب مقابل عشرة ملايين دولار… انها فعلا مفارقة غريبة لا مثيل له في العالم اطلاقا حتى في أوساط بيوتات مافيا المخدرات
ثالثا – الاتحاد الأوروبي اسرع في إرسال وفد عالي التمثيل متمثلة بوزيرة خارجية ألمانيا ووزير خارجية فرنسا واستقبلهم الجوراني/الشرع رغم الملايين العشر من الدولارات لمن يلقي القبض عليه. وهنا ايضا زيارة وفد الاتحاد الأوروبي كانت مفارقة غريبة في الأعراف الدولية وخاصة من قبل الاتحاد الأوروبي الذي يمثل مجتمع دول القارة الأوروبية. ان هذه الزيارة جاءت بمثابة اعتراف وتاييد والوعود بتقديم مساعدة مالية والعمل على رفع الحصار تدريجيا على سوريا. وفد الاتحاد الأوروبي أبدى حسن النية والاستعداد للتعاون مع الجولاني /الشرع، مع الارهابي المطلوب امريكيا مقابل عشرة مليون دولار
رابعا – اعتقالات وضرب واهانات واعدامات من قبل عناصر هيئة تحرير الشام لازلام النظام السابق وشبيحته بشكل وحشي همجي، بدل تسليمهم للقضاء وإجراء محاكمات علنية بحضور محامين يدافعون عنهم وأن يقول القضاء كلمته بحقهم . ان من شأن هكذا ممارسات اجرامية تأجيج مشاعر الانتقام والحقد والكراهية وتهديد للسلم الأمني. ممارسات شنيعة منظمة من هذا القبيل بعيدة كل البعد عن سلوك ثوريون الذين ينتفضون على الأنظمة القمعية الدموية والا ما الفرق بينهم وبين الطاغية الذي سبقهم
خامسا – لقد سمعنا بأن الطاغية الفأر قد فر فر معه الصف الاول من كبار ضباط الجيش والمخابرات السورية الى روسيا ، والبعض منهم الى ليبيا ولكننا لم نسمع لحد الآن، ورغم مرور شهرين على استلام السلطة تقديم الجولاني/ الشرع طلب الى قادة روسيا و ليبيا بتسليم الجناة قتلة الشعب السوري، لا بل لم يقدم حتى طلب الإنتربول بملاحقة الفارين وتسليمهم إلى السلطات السورية الجديدة، مما يؤكد أن ما وصف بالهروب لم يكن هروبا وإنما تهريبا منظما (تبديل السلطة) مقابل استلام الجولاني/الشرع السلطة في البلاد تحت مظلة اسرائيلية -امريكية- تركية – قطرية وسعودية ، وطبعا بموافقة روسيا
سادسا – تجاهل تام وصمت مطبق على كل ما يخص تحرير الاراضي السورية المحتلة سابقا والمستمرة حاليا بدون توقف منذ اليوم الاول لوصول الجولاني/الشرع الى دمشق ودخوله القصر الرئاسي وجلوسه على كرسي
الرئاسة وتنصيب نفسه رئيسا للجمهورية. لم يصدر من الجولاني/الشرع لحد الآن أي تصريح بخصوص الموقف من عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم المغتصبة ولا عودة المهجرين الى غزة ولا مسالة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية بل ولا كلمة واحدة عن تهجير اهل غزة إلى الأردن ومصر والسعودية. ان هذا الصمت هو ضمن السيناريو الذي كان معد مسبقا له من قبل اسياده
ما هي أماني الشعب و تطلعاته بعد سقوط شلة طغاة الاسد الاب والابن؟.
الشعب يتطلع الى حدوث طفرة نوعية في المستوى المعيشي والأمني لكافة فئات الشعب المرهق، وبدون تمييز بين عناصر الفسيفساء السوري . الشعب ينتظر تحقيق العدالة الاجتماعية والسعي باسرع وقت لتأسيس برلمان وطني يضم ممثلي جميع الأطياف والمكونات المجتمعية على أساس انتخابات حرة نزيهة، برلمان يقوم بتشكيل حكومة ويتكفل بإعداد دستور علماني عصري يمثل ارادة الشعب. الى جانب المهام المركزية الأخرى منها على سبيل المثال توفير مستلزمات العمل والسكن للملايين المهجرة في الخارج وتوفير فرص الدراسة للجميع . وعلى الصعيد الخارجي اقامة علاقات دبلوماسية رصينة بدون الانضمام إلى سياسة المحاور لا إقليميا ولا عربيا ولا اوروبا ولا غيرها.
إن تحقيق متطلبات المرحلة الحالية تستوجب تأسيس جيش وطني ولائه لسوريا الوطن، مدرب بامتياز وفق العلوم و القواعد العسكرية العصرية وقادرا على استعمال أحدث تكنولوجيا السلاح الجوي والبحري والبري، الى جانب امتلاك جهاز مخابرات واستخبارات لمواجه التحديات الخارجية.
هل الجولاني/الشرع وحاشيته قادرين ومؤهلين وعازمون حقا على تحقيق أمنيات الشعب السوري بالعيش في أجواء الديمقراطية العصرية ؟، سؤال لم تجرؤ القوات التي كانت تعارض نظام الأسد ولا المستقلين لا بل وحتى الاتحاد الأوروبي من الاجابة بنعم، علما ان الجولاني/الشرع لا يزال في قائمة المطلوبين امريكيا مقابل عشرة مليون دولار



