رئاسة أوروبية في يد بلد بلا لاجئين تقريبًا.. فهل تغيّر كوبنهاغن قواعد اللعبة؟
فيينا – INFOGRAT:
تسلّمت العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، التي تصدّرت مؤخرًا تصنيف “الإيكونوميست” لأكثر مدن العالم ملاءمة للعيش، رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي اعتبارًا من الأول من يوليو/تموز 2025، واضعة في صلب أولوياتها الدفع نحو نهج أكثر تشددًا في سياسة اللجوء والهجرة داخل الاتحاد، وفق تقرير نشر فجر اليوم.
وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، رغم أن الدنمارك كانت تُعرف تاريخيًا بسياساتها الليبرالية، إلا أنها شرعت منذ مطلع الألفية في تشديد قوانين الهجرة، وبلغت هذه السياسات ذروتها بعد أزمة اللاجئين في عام 2015. ومنذ أن تولّت ميته فريدريكسن زعامة الحزب الاشتراكي الديمقراطي قبل عشرة أعوام، دفعت بسياساته يمينًا بشكل ملحوظ. وقد دأبت على اعتبار الهجرة من الدول غير الغربية “أكبر تحدٍّ تواجهه الدنمارك”، وهو ما شكّل شعارًا رئيسيًا لحملتها الناجحة في الانتخابات البرلمانية لعام 2019.
وفي إطار رئاستها لمجلس الاتحاد الأوروبي، تأمل فريدريكسن أن تنجح في التوصل إلى توافق أوروبي بشأن نقل إجراءات اللجوء إلى خارج القارة الأوروبية، بالإضافة إلى تقليص نفوذ المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، خاصة فيما يتعلق بالأحكام المرتبطة بالهجرة.
فريدريكسن: نحتاج إلى أدوات جديدة
صرّحت فريدريكسن: “نحتاج إلى حلول جديدة للحد من تدفّق اللاجئين إلى أوروبا، وضمان إعادة من لا يملكون حق البقاء في دولنا بشكل فعّال.”
من جانبها، أكدت ماري بيير، وزيرة شؤون أوروبا في الحكومة الدنماركية، أن سياسة الهجرة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأمن الأوروبي، مضيفة: “من دون السيطرة على تدفّقات الهجرة، لا يمكن الحديث عن أوروبا أكثر أمنًا واستقرارًا ومتانة.”
إقامة مؤقتة والعودة “بمجرد أن تسمح الظروف”
ومن أبرز سياسات التشدد في الدنمارك منح اللاجئين تصاريح إقامة لمدة عام واحد فقط، قابلة للتجديد، مع تشجيعهم على العودة إلى بلدانهم حال قررت السلطات أن الوضع هناك لم يعد يشكّل خطرًا عليهم.
وقد أثار القرار الذي اتخذته الحكومة الدنماركية عام 2020 بإلغاء تصاريح الإقامة لنحو 200 لاجئ سوري جدلاً واسعًا، إذ اعتبرت أن الوضع في دمشق أصبح “مستقرًا” بما يكفي لعودة اللاجئين.
نحو تعديل “الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان”
في أيار/مايو الماضي، انضمت كوبنهاغن إلى ثماني دول أوروبية أخرى، من بينها النمسا، في السعي إلى إعادة تفسير الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، بما يتيح تشديد سياسة الهجرة وطرد الأجانب المدانين بجرائم بطرق أكثر بساطة. وذكرت هذه الدول في خطاب مشترك: “نرغب في إطلاق نقاش جديد وصريح حول تفسير الاتفاقية، من أجل استعادة التوازن الصحيح بين حقوق الأفراد وحق الدول في حماية مجتمعاتها.”
مراكز الترحيل بانتظار من لا يمكن ترحيلهم
وفق التقرير، فإن اللاجئين الذين لا يغادرون البلاد طوعًا، ولا يمكن ترحيلهم، يُنقلون غالبًا إلى مراكز خروج مخصصة لهؤلاء، مما يزيد من الضغط النفسي والاجتماعي عليهم، دون أن تتوفر لهم حلول واضحة.
منارة تنافسية في أوروبا
بجانب ملف الهجرة، تضع الدنمارك أولويات أخرى لرئاستها للاتحاد، منها تعزيز الأمن والدفاع الأوروبي، وتحسين القدرة التنافسية الاقتصادية، تحت شعار:
“أوروبا قوية في عالم متغيّر.”
وقد حلّت الدنمارك في المرتبة الرابعة عالميًا (والأولى أوروبيًا) في تقرير التنافسية العالمي الصادر عن معهد IMD في لوزان، متقدمة بفارق كبير عن النمسا التي جاءت في المرتبة 26.
نموذج في الكفاءة الحكومية
دعت اتحاد الصناعيين في النمسا مؤخرًا إلى الاقتداء بالتجربة الدنماركية، مشيرًا إلى ما تحقّق من إعادة هيكلة شاملة للإدارة العامة، وتقليص الإنفاق الحكومي من أكثر من 58٪ إلى 46.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بأكثر من 52٪ في النمسا. كما أظهرت البيانات أن الاقتصاد الدنماركي سجل نموًا بنحو 3.7٪ في عام 2024، ومن المتوقع أن يحقق 2.9٪ إضافية خلال عام 2025، في حين تكافح النمسا لتجنّب عام ثالث على التوالي من الركود الاقتصادي.
تحديات معقّدة بانتظار كوبنهاغن
رغم ما تحقّق من نجاحات، إلا أن المهمة أمام كوبنهاغن لن تكون سهلة، حيث تنتظرها أزمات أوروبية متراكمة، أبرزها العرقلة المجرية لمفاوضات انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد، إضافة إلى الخلافات بشأن السياسة التجارية مع الولايات المتحدة، والجدل المرتقب حول الميزانية الأوروبية طويلة الأمد للفترة من 2028 حتى نهاية 2034.



