رئيس Wifo يعترف بأخطاء التقديرات.. نيهامر كان على حق ويؤكد أن الناتج المحلي في النمسا ليس كل شيء
فيينا – INFOGRAT:
أقرّ رئيس معهد الأبحاث الاقتصادية النمساوي (Wifo)، غابرييل فيلبيرماير، خلال ورشة عمل عقدت يوم الجمعة، بأن رئيس الحكومة النمساوية السابق كارل نيهمر “كان على حق إلى حدّ ما” في انتقاده للتقديرات الاقتصادية التي قدّمتها مراكز الأبحاث، وذلك في سياق مراجعة معهد Wifo للتوقعات الاقتصادية للعام الجاري، التي أصبحت أكثر تفاؤلاً مقارنة بتوقعات سابقة أصدرت في شهر مارس، كانت تُشير إلى استمرار الركود في النمسا.
وبحسب صحيفة kurier النمساوية، جاء هذا التصريح في خضم ورشة نظّمها المعهد لبحث أسباب تقلبات التوقعات الاقتصادية، والتي أثارت في الآونة الأخيرة انتقادات من الساحة السياسية، خاصة بعد أن ألقى المستشار السابق كارل نيهمر (من حزب الشعب النمساوي – ÖVP) باللائمة على مؤسسات الأبحاث الاقتصادية، محمّلاً إياها مسؤولية جزئية عن العجز في الميزانية العامة، نتيجة ما وصفه بـ”التفاؤل المفرط” في التوقعات التي استندت إليها الحكومة عند وضع سياساتها المالية.
مراجعة التوقعات الاقتصادية
وكان معهد Wifo ومعهد IHS قد أعلنا يوم الخميس عن تعديل توقعاتهما الاقتصادية نحو الأعلى، الأمر الذي من شأنه أن يجنب النمسا، بحسب التقديرات الجديدة، دخول عام ثالث في الركود الاقتصادي. واعتُبرت هذه التعديلات بمثابة تحوّل ملموس في الصورة الاقتصادية، التي كانت قد ازدادت قتامة في الأشهر الماضية، الأمر الذي أربك حسابات الحكومة وأضعف قدرتها على التخطيط المالي السليم، في ظل تزايد الضغوط على ميزانية الدولة.
وفي معرض حديثه خلال الورشة، أبدى فيلبيرماير تفهّمه لغضب المستشار السابق قائلاً: «إلى حدّ ما، كان نيهمر محقاً»، لكنه في الوقت ذاته شدّد على أن هذا النقد “في غير محله”، مؤكداً أن خبراء الاقتصاد لطالما نبهوا إلى أن جميع التوقعات تخضع لمستوى كبير من عدم اليقين، وبالتالي فإن تحميل مراكز الأبحاث كامل المسؤولية عن التقديرات الخاطئة يُعدّ تجاهلاً لطبيعة عملها.
وأضاف أن القرار بعدم تضمين هامش أمان أكبر في ميزانية الدولة لم يكن خطأ في التوقعات، بل خياراً سياسياً اتخذته الحكومة في ظل تلك التقديرات، وهو ما يعني أن تبعات ذلك القرار لا يمكن أن تُلقى بالكامل على عاتق الباحثين الاقتصاديين.
التمييز بين “المخاطر” و”عدم اليقين الجذري”
وفي معرض شرحه لطبيعة التحديات التي تواجهها مراكز الأبحاث عند وضع التوقعات الاقتصادية، فرّق فيلبيرماير بين نوعين من عدم اليقين: النوع الأول هو “المخاطر”، وهي الحالات التي يمكن التنبؤ بها أو تقديرها بشكل تقريبي بناءً على معطيات قابلة للقياس، كالتغيرات في أسعار الطاقة أو السياسات النقدية. أما النوع الثاني فهو ما وصفه بـ”عدم اليقين الجذري” (radikale Unsicherheit)، ويشمل أحداثاً لا يمكن التنبؤ بها، سواء من حيث توقيتها أو تأثيرها، مثل اندلاع أزمة مالية أو تغيرات جذرية في الأسواق العالمية. وعلّق قائلاً: «يمكننا أن نتفق جميعاً على أنه ستكون هناك أزمة مالية في المستقبل، لكن لا أحد يعلم متى ستقع».
تباينات في البيانات الإحصائية
تطرّق فيلبيرماير أيضاً إلى الإشكاليات المرتبطة بجودة البيانات المستخدمة في النماذج الاقتصادية. وأوضح أن بعض الإحصاءات التي تبدو حاسمة – مثل بيانات التجارة الخارجية أو الإنتاج الصناعي – قد تختلف بشكل كبير بين المؤسسات والدول، نتيجة لاختلاف أساليب الجمع والتحليل. وذكر مثالاً حول الميزان التجاري بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حيث تأتي التقديرات من الطرفين بنتائج متناقضة رغم أنها تتناول العلاقة التجارية نفسها.
وفي السياق ذاته، أشار فيلبيرماير إلى ضرورة تعزيز موثوقية التقديرات الأولية في النمسا، ولا سيّما في مجال الإنتاج الصناعي، حيث تخضع الأرقام في كثير من الأحيان لمراجعات لاحقة. ولفت إلى أن هذه التعديلات تحدث في النمسا بوتيرة أعلى من ألمانيا. ورداً على ذلك، علّق توماس بورغ، مدير مكتب الإحصاء النمساوي (Statistik Austria)، الذي حضر الورشة، بأن المشكلة تكمن في تأخر وصول بعض البيانات من الجهات المختصة، مثل سلطات الضرائب، مقارنة بما هو معمول به في ألمانيا، ما يضطر المكتب إلى إصدار تقديرات أولية قد تكون أقل دقة.
صعوبة الفصل بين الأسباب الدورية والبنيوية
أحد العوامل الأخرى التي تؤثر في دقة التوقعات الاقتصادية، وفقاً لفيلبيرماير، هي صعوبة تحديد ما إذا كانت التغيرات الاقتصادية ناتجة عن أسباب دورية مؤقتة (مثل تباطؤ الطلب العالمي) أو بنيوية طويلة الأمد (مثل التغيرات الديموغرافية أو التحولات التكنولوجية). هذا التحدي يزيد من صعوبة التنبؤ بكيفية تطور الاقتصاد في الأمد المتوسط والطويل، ويجعل من التقديرات الاقتصادية عملية معقدة تنطوي على كثير من الفرضيات.
الناتج المحلي ليس المقياس الوحيد
في ختام الورشة، تناول رئيس معهد Wifo النقاش المتجدد حول مدى صلاحية استخدام الناتج المحلي الإجمالي (BIP) كمؤشر رئيسي لقياس التقدم الاقتصادي ورفاهية الشعوب. وبيّن أن الناتج المحلي لا يُعبّر دائماً بدقة عن واقع الحياة في بلدٍ ما، مشيراً إلى مقارنة بين فرنسا والولايات المتحدة: رغم أن الولايات المتحدة تتفوق من حيث الناتج المحلي للفرد، إلا أن فرنسا تسجل نتائج أفضل في مؤشرات مثل متوسط العمر المتوقع ووقت الفراغ، ما يعكس صورة أكثر شمولية لحياة المواطنين.
وختم فيلبيرماير بقوله: «الناتج المحلي الإجمالي ليس كل شيء، وينبغي أن نكون أكثر مرونة في تقييم النجاح الاقتصادي».



