سوريا اليوم حرة.. لكنها تواجه تحديات هائلة على كافة المستويات

بعد هروب بشار الأسد وسقوط نظامه، لم تخرج البلاد من دائرة الصراعات الدولية التي زرعها قبل فراره. فقد ترك سوريا مركزًا لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى، دون أن يكترث لحياة السوريين أو معاناتهم على مدار سنوات. بل على العكس، كان كل همه أن يحول سوريا إلى دولة فاشلة تابعة لميليشيات إقليمية وشبكات مصالح دولية تمتص ثرواتها وتتحكم في مصيرها.

اليوم، تواجه الحكومة السورية الجديدة تحديات كبيرة. فهي لم تبنِ جيشًا بعد يعيد لسوريا قوتها العسكرية، بعد أن تحول جيش النظام السابق إلى مجموعات من المرتزقة أو ميليشيات هربت مع قياداتها. ومع ذلك، فإن إعادة بناء مؤسسة عسكرية وطنية يجب أن يكون أولوية، لأن أي فراغ أمني سيبقي سوريا عرضة للتدخلات الخارجية والمساومات السياسية. ولا يمكن بناء دولة مستقرة دون جيش قوي يحمي حدودها وسيادتها.

وسيم محمد مطاوع
سوري مقيم في فيينا

على الصعيد الدولي، ما زالت سوريا تحت وطأة العقوبات الأوروبية التي فُرضت خلال حكم النظام السابق. ورغم أن هذه العقوبات كانت تستهدف رموز النظام، فإنها انعكست سلبًا على حياة السوريين وجعلت الاقتصاد رهينة لمصالح دولية تتحكم فيه وفق حساباتها السياسية. لذلك، لا بد من العمل على رفع هذه العقوبات وإعادة دمج سوريا في المنظومة الدولية، ولكن وفق شروط تحفظ استقلالها السياسي وتمنع أي وصاية خارجية.

أما الكارثة الاقتصادية الكبرى التي تركها النظام السابق فهي تجارة الكبتاغون، التي جعلت من سوريا أكبر مصنع ومهرب للمخدرات في العالم. فقد تفوق بشار الأسد في هذا المجال على أشهر زعماء المافيا، حتى أنه تجاوز حلم بابلو إسكوبار الذي كان يسعى ليكون زعيم مافيا دولية تتحكم في تجارة المخدرات. بينما بشار لم يكتفِ بالتهريب فقط، بل جعل الدولة بأكملها تعمل تحت إمرة شبكات الكبتاغون التي مولت بقاء نظامه المنهار على حساب مستقبل السوريين. اليوم، لا يمكن للحكومة الجديدة أن تسمح باستمرار هذه الآفة، لأن بقاء سوريا في موقع الدولة المصدرة للمخدرات يعني استمرار العزلة الدولية والفوضى الداخلية، التي تعيق أي مشروع نهضوي حقيقي.

أما على مستوى وحدة سوريا، فإن رفض التقسيم يجب أن يكون موقفًا واضحًا وثابتًا. فلا يمكن السماح ببقاء أي مشروع انفصالي، سواء في الشمال أو الشرق أو الجنوب أو حتى الساحل، تحت أي مسمى كان، سواء الإدارة الذاتية أو مناطق النفوذ الإقليمي أو أي مخطط يهدف إلى تقسيم البلاد وفق خرائط المصالح الدولية. ولذلك، لا بد من أن تعلن الحكومة الجديدة إلغاء أي اتفاق تم توقيعه في زمن النظام الهارب، لأنه كان يوقع الاتفاقيات لا لمصلحة سوريا، بل لضمان بقائه في السلطة على حساب وحدة البلاد وسيادتها.

أما الخطر الحقيقي اليوم، فلم يعد من النظام نفسه، فقد انتهى وهرب رأسه، وإنما من فلوله التي لا تزال تحاول زعزعة الاستقرار وإثارة الفوضى، مستخدمة سلاح الطائفية وبالأخص في الساحل السوري. حيث تعمل بقايا الأجهزة الأمنية وقيادات النظام الهاربة على تحريض العلويين ضد الدولة الجديدة في محاولة لإيهامهم بأن الدولة السورية تستهدفهم أو تهدد وجودهم. هذه المحاولات لا تهدف إلى حماية الطائفة العلوية، بل إلى استخدامها كأداة لإعادة إشعال الفوضى وإيجاد موطئ قدم جديد لبقايا النظام الهارب في المشهد السوري الجديد. لكن الشعب السوري بكل مكوناته اليوم أكثر وعيا ولن يسمح لهذه المخططات بأن تنجح.

لكن الأهم من ذلك هو أن تدرك الحكومة الجديدة أنها بحاجة إلى تحالفات قوية مع دول تحترم شعوبها ولها ثقل عسكري وسياسي حقيقي. فلا يمكن أن نعيد بناء سوريا ونحن رهينة لدول ضعيفة أو أنظمة تبحث عن التوسع والنفوذ على حساب استقلالنا. يجب أن نتعلم من أخطاء التجارب السابقة، وخاصة خطأ مصر عندما أصبح السيسي رهينة لدولة الإمارات، التي حولت القرار المصري إلى ورقة تفاوض تستخدمها لمصالحها الاقتصادية والسياسية. اليوم لا مجال لأن تقع سوريا في الفخ نفسه. بل يجب أن تكون علاقاتها قائمة على الندية واحترام السيادة، لا التبعية والخضوع.

سوريا الجديدة أمام اختبار حقيقي. فإما أن تكون دولة مستقلة ذات سيادة تقيم تحالفاتها وفق مصالحها الوطنية، وإما أن تبقى ساحة لتصفية الحسابات الدولية كما أراد لها النظام الهارب. لكننا اليوم نقولها بكل وضوح: سوريا لن تكون مقسمة، ولن تكون محتلة، ولن تكون رهينة لمشاريع إقليمية أو دولية، بل ستعود قوية، مستقلة، حرة، تحمي نفسها وتفرض إرادتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى