عاصمة التجسس: فيينا بين الدبلوماسية والتلاعب الاستخباراتي
فيينا – INFOGRAT:
شهدت العاصمة النمساوية فيينا استمرار نشاط تجسسي مكثف، حيث بقيت المدينة تمثل نقطة ارتكاز ومحورًا حيويًا لعمليات الاستخبارات الدولية، بما في ذلك شبكات تجسس روسية وصينية، رغم القيود والعقوبات الأوروبية، وذلك وفقًا لتحقيق صحفي جديد كشف عن حجم هذا النشاط وكيفيته وأهدافه ومن يقف وراءه.
وبحسب وكالة الأنباء النمساوية (APA)، لا تقتصر فيينا على كونها عاصمة للدبلوماسية، بل تحولت إلى ساحة معقدة لعمليات استخباراتية تنفذها أجهزة أجنبية تعمل غالبًا تحت غطاء بعثات رسمية أو منظمات غير حكومية. إحدى هذه المنظمات، وهي تابعة لروسيا وتقع في وسط المدينة، لا تزال تزاول نشاطها رغم العقوبات المفروضة من الاتحاد الأوروبي، ما يجعلها في نظر المراقبين بمثابة “رأس جسر” لأجهزة الاستخبارات الروسية، تقوم ببث الرواية السياسية للكرملين، وتجنيد جهات اتصال محلية، وتعمل في الغالب ضمن “المنطقة الرمادية” قانونيًا.
وفي تطور موازٍ، تم الكشف عن سيدة بلغارية يُعتقد أنها أشرفت على حملة دعائية لصالح الاستخبارات الروسية، وكانت على ارتباط بشبكة يُشتبه في قيامها بتعقب الصحفي البلغاري Christo Grozev في فيينا، حيث كانت هناك حتى خطة لاختطافه، بحسب ما أورد التقرير. ولم تسلم حتى Anna Thalhammer، رئيسة تحرير مجلة profil النمساوية، من المراقبة الاستخباراتية.
أما الصين، فلم تكن بعيدة عن هذه الصورة، إذ ذكر تقرير جهاز حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) أن بكين تدير بنى تحتية سرية وغير شرعية في فيينا، من ضمنها مركز شرطة مخصص لمراقبة المعارضين الصينيين، في انتهاك صارخ للسيادة الوطنية.
وفي ظل هذه المعطيات، أعلنت الحكومة النمساوية عزمها على اتخاذ خطوات تشريعية صارمة، حيث صرح المستشار النمساوي Christian Stocker من حزب الشعب النمساوي (ÖVP) في شهر مارس الماضي عن نية الحكومة إصدار قوانين أكثر صرامة. وتنص هذه القوانين الجديدة على تجريم ليس فقط عمليات التجسس ضد النمسا، بل أيضًا تتبع وتجسس العملاء على بعضهم داخل الأراضي النمساوية.
وفي حديثه لبرنامج “Wien heute”، قال المؤرخ وخبير شؤون التجسس Thomas Riegler إن فيينا ربما تشهد الآن حجمًا أكبر من النشاط الاستخباراتي مقارنة بالماضي، رغم صعوبة قياسه رقميًا. وأشار إلى أن موقع المدينة الجغرافي، إلى جانب استضافتها لأكثر من خمسين مقرًا لمنظمات دولية، يجعلها ساحة مثالية للتجسس. ولفت إلى وجود حوالي 125 سفارة في المدينة يعمل بها نحو 13,000 دبلوماسي، مضيفًا: “ومن المؤكد أن من بينهم عدد كبير من الجواسيس”.
وأوضح Riegler أن القانون النمساوي لا يعاقب على التجسس إلا إذا استهدف مصالح الدولة النمساوية بشكل مباشر، ما يجعل عمليات التجسس ضد دول أخرى قانونية عمليًا داخل البلاد. وأضاف أن غياب المحاكمات الكبيرة المتعلقة بالتجسس في السنوات الأخيرة لا يعكس غياب هذا النشاط، بل يعود إلى صعوبة الإثبات، مما يدفع السلطات لإعادة التفكير في صلاحيات جهاز حماية الدستور، خصوصًا في ما يتعلق بالمراقبة الإلكترونية واتصالات الدبلوماسيين.
واختتم Riegler حديثه بالتأكيد على أن التجسس في فيينا لن يتوقف طالما بقيت المدينة مركزًا دبلوماسيًا، معتبرًا أن هناك “علاقة جديدة” بين الدبلوماسية والتجسس، وأن أفضل ما يمكن فعله هو وضع خطوط حمراء واضحة، مشيرًا إلى أن النمسا تتحكم فعليًا في من يُمنح تصريح الدخول إلى البلاد عبر نظام الاعتماد الدبلوماسي.



